براءة أنصار البشير تخدم خطط الثورة المضادة في السودان

الخرطوم – منح حكم البراءة الصادر بحق الرئيس المكلف لحزب المؤتمر الوطني، الذي جرى حله بقرار من لجنة إزالة التمكين، إبراهيم الغندور وآخرين من قيادات الحزب دفعة قوية للثورة المضادة في السودان للاندماج في الحياة السياسية والبحث عن إمكانية العودة إلى السلطة، بدعم غير مباشر من قبل سلطة تبحث عن ظهير سياسي يقابل حراك الشارع المستمر منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
وبرأت محكمة سودانية أخيرا بعض مسؤولي الحزب الحاكم في عهد الرئيس المعزول عمر حسن البشير من اتهامات “بالتآمر على المرحلة الانتقالية وتقويض النظام الدستوري وتمويل الإرهاب”، وأخلت سبيل المتهمين في القضية، على الرغم من إمكانية استئناف الحكم الصادر، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة للإسراع في دمج أعضاء المؤتمر الوطني في المشهد السياسي.
وبدت تصريحات غندور عقب الإفراج عنه مثيرة للانتباه، حيث قال إنه “لا يرى في الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان انقلاباً سياسياً، بل خطوة تصحيحية”.
ويتماشى هذا الرأي مع الدور المتوقع أن يلعبه حزبه في الحياة السياسية مستقبلاً، والذي يصب في مربع التقارب بينه وبين المؤسسة العسكرية لمواجهة قوى الثورة.
ويبرهن حديث الغندور عن رغبته في الانخراط المباشر في العمل السياسي، ولديه ما يوحي بأن هناك رسالة تطمين حصل عليها لإعادة ترتيب أوضاع الحركة الإسلامية في السودان، وأن البيئة يمكن أن تكون ممهدة للقيام بهذا الدور بعد أن عاد المئات من منتسبي حزب المؤتمر الوطني إلى الخدمة المدنية ودواوين الحكم المختلفة والجهازين القضائي والمصرفي، وصدرت قرارات أخرى تقضي بإلغاء الحجز على أموال قياداته.
واتهمت “لجنة إزالة التمكين” التي حلت بموجب قرارات البرهان في أكتوبر الماضي المكون العسكري بفك حجز أرصدة قيادات ورموز وواجهات يتبعون نظام المعزول، ما سمح بسحب تريليونات من الجنيهات السودانية.
واستنكرت اللجنة قيام السلطات العسكرية بإصدار قرارات من البنك المركزي تقضي بفك حجز أرصدة قيادات ورموز ومؤسسات يتبعون نظام البشير لعدة أيام قبل إصدار قرار لاحق يقضي بإعادة تجميد تلك الأرصدة، قبيل صدور قرار قضى بإطلاق سراح قادة قوات “الأمن الشعبي” التابعة للنظام السابق، على رأسهم أنس عمر وإبراهيم غندور.
ويرى مراقبون أن تجارب مصر وتونس، اللتين عاد فيهما الحنين إلى الأنظمة التي حكمت قبل اندلاع ثورات شعبية أطاحت بها، تُغري قيادات مسؤولة في الخرطوم للدفع بعناصر حزب المؤتمر الوطني إلى الحياة السياسية والاستفادة من تجاربهم، خاصة أن القوى السياسية التي نشطت منذ الإطاحة بنظام البشير لم تسهم في تحسين معيشة المواطنين ولم تصل إلى مرحلة الاستقرار، وقد تكون مقبولة العودة إلى التركيبة السابقة التي تشارك فيها الإخوان واللجنة الأمنية في إدارة البلاد.
وأكد القيادي في تحالف الحرية والتغيير نورالدين صلاح الدين أن التطورات الحاصلة في السودان تشير إلى “تحول من حالة الغزل بين حزب المؤتمر الوطني والسلطة الانقلابية إلى علاقة تشارك وثيقة بينهما، وأن السلطة الحالية التي افتقرت إلى الظهير السياسي والسند الشعبي والمشروعية القانونية وجدت ضالتها في الاعتماد على حزب البشير بعد أن فشلت في عملية إدارة الدولة”.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن تبرئة أعضاء حزب البشير والسماح لهم بممارسة السياسة يصبان في صالح الثورة بعد أن أصبح أعداؤها -سواء من الذين مهدوا للانقلاب على السلطة أو المشاركين فيها حاليًا أو الحركة الإسلامية- في معسكر واحد، وستكون هناك فرصة أمامهم للتوحد في مواجهتهم.
ويعتقد نورالدين أن إعادة التجربة التونسية أو المصرية في السودان من الصعب تكرارها، لأن الأنظمة التي حكمت في البلدين لم تكن أيديولوجية ومعارضتها جاءت من أفق واحد يتمثل في أنها كانت موجودة في السلطة، بينما الحالة السودانية حوت تنظيما أذاق المواطنين مرارات وأدخلهم في حروب أهلية وأسهم في تقسيم البلاد وحكمها وفق تصورات دينية لا تتناسب مع واقع السودان المتعدد ثقافيا ودينيا وعرقيا.
ويقول المراقبون إن الشارع السوداني لن يقبل بعودة الحزب المنحل الذي سيركز على الإجراءات القضائية وما يحصل عليه من دعم ضمني رسمي، في محاولة لفرض نفسه كأمر واقع، وقد تكون له فرصة في تحقيق نتائج جيدة استنادا إلى الحاضنة الدينية المنتعشة في بعض الأقاليم السودانية.
وأوضح الغندور عقب الإفراج عنه أنه جرى “إيقاف نشاط حزب المؤتمر الوطني بوساطة فئة سياسية وفقًا لوثيقة دستورية تحتاج إلى تعديلات كثيرة.. وأن أعضاء الحزب سيلجأون إلى القضاء للحصول على حقهم في ممارسة نشاطنا السياسي ولا يستطيع أحد أن يمنعنا، فالمؤتمر هو حزب مسجّل”.
ورأت القيادية في تجمع القوى المدنية ميرفت حمد النيل أن السلطة العسكرية الحاكمة حاليا هي ذاتها اللجنة الأمنية لنظام الإخوان، ومنذ أن انقلبت على السلطة أضحت العلاقة أكثر وضوحاً بينها وبين فلول النظام السابق، وقد يتطور الأمر إذا جرى توفير الغطاء السياسي الدولي اللازم للإيحاء بإعادة دمج الإخوان في السلطة وإذا وجدت القبول أو الصمت في المحيط الإقليمي يمكن أن يتحقق هذا السيناريو.
وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “عودة النظام البائد مرة أخرى ستكون نتائجها كارثية على السودان، حيث سيعود البلد إلى وضع أسوأ كثيراً مما كان عليه قبل الثورة على البشير، وبالتأكيد ستكون لذلك تأثيرات سلبية على أمن المنطقة وتؤدي إلى المزيد من السياسات الخاطئة لارتباط المجموعات الإسلامية بعلاقات أمنية مختلفة مع بعضها البعض وزيادة حرص كل مجموعة على تسليح نفسها أكثر، ومن ثم نصبح أمام مشهد أمني أكثر فوضوية مما يجري في البلاد حاليًا”.
واستعاد حزب المؤتمر صوته السياسي بعد الإفراج عن قياداته، وأصدر بياناً رسميًا أكد فيه أن الفترة التي قضاها منتسبوه في الحبس “كانت ظلماً وتلفيقاً من قبل نظام الحرية والتغيير”، لافتا إلى أن لديه رؤية راشدة وقراءة سديدة للواقع بكل ما تعيشه البلاد من تحديات وما تتيحه مثل البراءة القضائية من فرص وإمكانيـات.
وذكرت المحللة السياسية شمائل النور أن ضعف المكون المدني وشراكته الهشة التي دشنها مع العسكريين قادا إلى إعادة إنتاج عناصر النظام السابق، وما يحدث الآن مسألة طبيعية نتيجة الأخطاء التي وقعت وقيام المكون العسكري بشل قدرات قوى الثورة والاستحواذ على جميع المكتسبات التي حققتها لهم الوثيقة الدستورية.
وقالت في تصريح لـ”العرب” إن “أي توجه نحو التسوية التي تقوم على تثبيت نفوذ الجيش في السلطة ومنحه صلاحيات أكبر سوف يزيد من الانقسام السياسي، وقد يفرز موجات حادة من التصعيد في الشارع الذي يلاحظ أن هناك مؤشرات على عودة فلول النظام السابق ويؤمن بوجود قرارات قضائية اتخذت على عجل لتحقيق أهداف سياسية”.
وحذرت شمائل النور من إمكانية تصاعد وتيرة العنف في ظل وجود اقتناع بأن البلاد بحاجة إلى تغيير جذري بسبب فقدان الثقة في المكونات الراهنة على الساحة السياسية.
العرب