خيراً من ألف شهر..!!

ورد في آثار مفاوضات واتفاقات وتفاهمات القوم “من وقف منهم ومن جلس” انهم سيقتسمون مدة الحكم الأولى بالشهور القمريٌة شهراً لهذا وشهراً لذاك حتى تصل عُدتُها نيفاً على الثلاثين مما يعدون.
وظاهرة الاقتسام هذه عرفها الواقع السياسي السوداني قديماً و منذ عهد السلطنة الزرقاء وتفاهمات الفونج والعبدلاب و ما دخل بينهم من قبائل استقوى بها احدهم على الاخر ‘ حتى فقد الطرفان الحكم في ثلاثية البوادي (بادي ابو شلوخ و ابو دقن و ابو سكيكين).
كما تقاسم اهل الطوائف المدد والسنوات و الشهور عندنا‘ تارة لهذا و اخرى لذاك‘ لدرجة ان احدهم ممن انعم الله عليهم بصلة القربى و التقربُ زُلفى‘ و لما حان دور حزبه في الحكم و كان لم يبلغ الرشد السياسي بعد و حين جاء شهر مولده المعلوم ‘ ذهب برفقة حاشيته الى رئيس وزراء الشهر ذاك واخطره بضرورة التنازل له بعد ان حان له الاجل و اصبح صاحبا للوقت و الزمان.
و هنا ‘ قال ذلك الرجل الضليع و المخضرم قولته الشهيرة (والله لقد استبدلتم سيفي الفولاذي باخر من خشب‘ و ان هذا الرجل لن يصمد امام المعارضة سوى اشهر معدودة) و هذا ما قد كان وفقد الحزب الحكومة والسلطة و فقدت البلاد الديمقراطية بعدها، على أيدي العسكر‘ كما هو الحال الآن أيضاً.
لعله و لهواجس تعتري النفوس والخوف و التوجس من الاخر و الشك في نوايا الاخرين و عدم اليقين وفقدان الثقة‘ فان معظم تجارب الرئاسة الدورية و التناوب بالايام او بالشهور في هذه البلاد ‘ قد باءت بالفشل والخسران المبين‘ وغالبا فان من تكون بيده الاشهر الاولى يعمُد دوما الي ان لاتكون هنالك فترة اخرى ليتاثر هو ومن معه بالمغنم و السلطة و يتركوا شركاءهم المتشاكسون في حيرة من امرهم وكأنهم كالمتنبئ وحليفه السابق كافور:
عيدُ باية حال عدت يا عيدُ بما مضى ام لأمر فيك تجديدُ
اما الاحبة فالبيداءً دونهم فليت دونك بيد دونها بيدُ
واعطني الدهر ان الشهر موعدنا انا الغنيُ و اموالي المواعيدُ
ويبدا الامر بتطاول امد المفاوضات والتوقيعات المختلفة والكثيرة والتاجيل والتمديد وكثرة الدراسة والمراجعة وطلبات الفحص و التمحيص والتدقيق.
وتأتي بعد ذلك مشاكل الصياغة القانونية واللغوية والتفسيرات والمالات المختلفة‘ والتصريحات المتضاربة.
و كذلك خلق الجبهات الثانوية كاختلاق الانقلابات من طرف والمماحكات و المحاصصات من طرف اخر.
بعدها يخرص كل طرف على ان يكون صاحب الشهور الاولى لعلمه علمم اليقين اننا نحيا ونعيش في بلاد ‘ اشتهر زعماءها بنقض العهود والمواثيق منذ عشرات السنيين و في بلاد قام الرفاق والاصدقاء بالانقلاب على رفقاءهم وشنقهم وقتلهم وسحلهم بدم بارد وهو يتناولون طعامهم سوياً.
في بلاد ينقلب فيها الحُوارْ على شيخه‘ ومدير المكتب و خازن الاسرار على ولي نعمته‘ والصديق على صديقه بسبب و بدون سبب‘ و لذا يتم الحرص و كل الحرص على ان ان يكون كل طرف اول اصحاب الشهور و الايام.
و قد يؤدي هذا الاختلاف الى فركشة الامر برمته قبل ان تعود الواسطات والاجاويد للتدخل والمساعدة في ردم هُوة المشاكل و تحديد بداية الشهور ولو كان برمي الاقلام و الازلام لمعرفة نتائج ذلك الاقتسام.
ولكن يتناسى الجميع المنتشين بالاحتفالات والكرنفالات واضواء الاعلام‘ يتناسون ان الشعب هو صانع الانتصارات و لن يرضي بان تتم سرقة ثورته امام عينيه و تضيع دماء شهداءه الطاهرة الزكية سُدىً‘ و انه سواء القى هذا الطرف بشهوره ام ذاك، فانه سيلقي بثورته لتلقف ما يافكون.
و لعلم المواطن و الثائر ان ثورته هي اعظم وخير من الف شهر مما يعدون!!
الجريدة
والله انا محتار في البرفرة دي! قال خيراً قال!!! الزول دا نصَّاب ينصب بدون أي أدواة نصب ولا ظروف ولا أحوال!!!