ما الذي يسعدك… وما الذي يضايقك؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

بِمَ تشعر بعد أن تمارس رياضتك المفضلة؟ لا شكَ أنك تشعر بالنشاط والحيوية، فإن كان الأمر كذلك، فذلك معناه أنك تعرف سبباً من أسباب سعادتك وهو: (الرياضة)، ولكن معرفة الأسباب وحدها لا تجلب السعادة بل لا بُدَّ من العمل!
فعندما تشعر بالسعادة في المرة القادمة اسأل نفسك: لِمَ أنا سعيد الآن؟ فإذا شعرتَ بالانتعاش بعد أن اغتسلت جيداً ستكون إجابتك على السؤال السابق: (الاستحمام)، أَحْضِرْ ورقة بيضاء واكتب في أعلاها: (الأشياء التي تسعدني) أولاً: الرياضة، ثانياً: الاستحمام، ثالثاً: الأناقة، رابعاً: القراءة، خامساً: الاستيقاظ المبكر وهكذا…
وعلى الجانب الآخر من تلك الورقة قُمْ بكتابة الأشياء التي تضايقك،.. ليس في الأمر بدعة؛ فقد كتب روزفلت من قبل قائمة بأكثر ثلاثة أشياء تضايقه، وهي: إضاعة الوقت سُدًى، والانشغال بالتوافه، والجدال الذي لا طائل من ورائه، فما الذي جناه روزفلت من كتابة تلك القائمة؟ لقد استطاع أن يتخلص من تلك الأشياء في مدة وجيزة، وبعدها صار رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.
فَلِمَ لا تجرب أنت ذلك وترى النتائج بنفسك؟ فعندما تدرس طبيعة نفسك وتحدد أسباب سعادتك وأسباب ضيقك ستصير مهمتك سهلة، وهي العمل على مضاعفة أسباب السعادة والتخلص من أسباب الضيق، ولكن للأسف الشديد فإن كثيراً من الناس لا ينتبهون لتلك الأسباب، فهم يجعلون التجارب السعيدة تمر بهم من غير أن يعرفوا أسبابها، وكذلك يشعرون بالضيق ولا يفكرون في السبب، ولذلك تجدهم يتضايقون كثيراً وفي مقدورهم أن يتخلصوا من ذلك الضيق!
دعني أضرب لك مثلاً بذلك: قبل أكثر من سنتين، كتبتُ قائمة بأكثر عشرين شيئاً يسبب لي الضيق، وقد اكتشفت أن أكثر ما كان يضايقني هو أحد أقربائي المقربين، فقد اعتاد أن يُوَبِّخَنِي ويلومني أمام الأهل والجيران والأصدقاء، واعتاد أن يتلصص على خصوصياتي ويتسلط على حياتي، فماذا تراني فعلت مع ذلك القريب؟ لقد قطعت علاقتي معه قطعاً حاسماً! فما الذي جنيته من ذلك؟ لقد حذفتُ بنداً من بنود شقائي حيثُ توقف قريبي عن التدخل في حياتي، وبعدها عادت علاقتي طيبة معه ولكن صار كل واحد منا يعرف حدوده جيداً.
فعندما تعلم أسباب المشكلة تستطيع علاجها بسهولة، يقول دكتور فيل “إنك لن تستطيع علاج ما تجهله”، فلو استطاع كل إنسان أن يطبق هذا المنهج في حياته لما احتجنا إلى 80 % من زيارات الأطباء! ففي المرة القادمة عندما تشعر بِعُسْرِ الهضم اسأل نفسك: ما السبب في ذلك؟ هل هو الفلفل الحار أم اللحوم النيئة أم الإسراف في الطعام؟ وأياً كان السبب دَوِّنْ ذلك على ورقتك، وحاول أن تستبعد ذلك الصنف الذي يسبب لك مشاكل الهضم، ثم ارجع إليه بعد مدة فإذا تحققتَ من أنه أصل الداء فعليك أن تقلع عنه في الحال أو أن تقلل منه، وإن لم تفعل ذلك فلا تشكو آلامك لأحد لأنك وحدك مَنْ تسببتَ فيها!
أعرفُ أناساً كثيرين يفعلون الأشياء التي تُسَبِّبُ لهم الضيق مع أنهم يعلمون أنها سبب شقائهم: فهنالك من يعاني (السكري) ويُصِرُّ على تناول كميات كبيرة من السكر، وهنالك مصابون بالقاوت يسرفون في تناول اللحوم.
فَلِمَ تسرف في تناول اللحوم وأنت تعرف مُسبقَاً أنها ستتسبب في شقائك وذهابك إلى الطبيب؟ هل تعجز عن مقاومة شهيتك؟ أم أنك تظن أنك ستموت إن لم تأكل اللحوم؟ فإن كنت تظن ذلك فالأمر أيسر مما تظن، فأنا أعرف شخصاً لا يأكل اللحوم والفطائر والبطيخ والطماطم والألياف والفلافل، كما أنه لا يشرب المياه الغازية والمياه الباردة، باختصار ذلك الشخص لا يأكل شيئاً غير الفول والعدس والطعمية والزبادي، ويشرب كوباً من شاي اللبن في الصباح الباكر! وهو مواظب على هذا النظام منذ أمدٍ بعيد، ويتمتع بصحة ممتازة، ولا شك أنك تتساءل: كيف استطعتُ أنا أن أعلم بكل هذه الأشياء؟ ببساطة: ذلك الشخص هو (والدي) الذي تقاعد للمعاش منذ أكثر من ثماني سنوات، ومع ذلك فإن نشاطه يفوقني كثيراً، لقد علمته التجارب أن البطيخ والفسيخ والمريخ يسببون له مشاكل كثيرة وقد تركها جميعاً.
وأنت أيضاً اسأل نفسك: ما الذي يسبب لك الضيق؟ ثم اجعل هدفك التخلص من ذلك الشيء أو على الأقل التقليل من آثاره، وستنجح في ذلك بإذن الله، وربما تنقذ نفسك من عملية جراحية مُحَقَقَة بسبب هذا النهج البسيط،.. لقد ظللتُ أعاني آلاماً حادة في ظهري منذ عدة سنوات، وقد نصحني كثير من الأهل والأصدقاء بالتحقق من الغضروف! وكنت أخشى أن يتم تشخيصي بذلك المرض الذي أصاب الكثيرين من أعمامي وأبنائهم، وجلهم أُجْرِيَتْ لهم عمليات جراحية، وقبل ثلاث سنوات بدأت أبحث على الإنترنت واكتشفت أن نسبة كبيرة من الناس تعاني آلام الظهر، وأنها مسألة طبيعية، وأن أكبر مسبباتها الجلوس الخاطئ لساعات طويلة، وإذا أراد الشخص أن يتخلص من تلك الآلام فعليه أن يبتعد عن كل مُسَبِّبَاتِهَا.
وحينها شرعتُ في كتابة قائمة بكل ما يُسَبِّبُ لي آلام الظهر، ووَصَلَتْ تلك القائمة إلى أكثر من عشرة بنود، منها: الجلوس على الكرسي لساعات طويلة لتصفح الإنترنت، والجلوس على الأرض لغسل ملابسي، والجلوس على مقاعد حافلات الشهداء ? بحري، وارتداء البنطالات الضيقة، وكذلك الأحزمة والأحذية الجلدية الضيقة، ورياضة حمل الأثقال، وممارسة تمارين البطن الشاقة!… وبعدها بدأتُ في التخلص من كل تلك الأسباب، فقد صرتُ أتصفح الإنترنت راقداً على سريري، وأغسل ملابسي واقفاً بعد أن أضع حوض الغسيل على طاولة مرتفعة، وتخليتُ عن ارتداء بنطالات الجينز والأحزمة الضيقة، وصار حذائي المفضل هو الحذاء الرياضي الواسع المصنوع من الفلين، وتركتُ رياضة حمل الأثقال وتمارين البطن نهائياً، أمَّا مقاعد المواصلات فقد صِرْتُ لا أركب إلا في مقعدٍ مريحٍ أسوة بالأرامل وكبار السن!… وبحمد الله زالت عني آلام الظهر التي أرهقتني سنين عدداً، بل لم أعد أفكر فيها حتى، ولو قدر الله لك أن تقابلني اليوم فستقابل شاباً نشيطاً مَرِنَ الظهر يستطيع أن يجري لعشر كيلومترات يومياً.
سردتُ هذه القصة لأوضح كيف تغلبتُ على آلامي بعد أن عرفتُ أسبابها، فلو لم أُدَوِّن الأسباب لما اتخذتُ الإجراءات السابقة ولاستفحلت تلك الآلام، مما يحتم عليَّ زيارة الطبيب الذي سيؤكد إصابتي بالغضروف، وحينها لن ينفع غسيل الملابس واقفاً ولا حتى راقداً.. وقاكم الله شر الغضروف!
بإمكاني أن أكتب كتاباً كاملاً عن أهمية معرفة أسباب السعادة وكتابتها، ولكنني سأكتفي بهذه الوصية الأخيرة: عندما تشعر بالسعادة في المرة القادمة، اسأل نفسك عن السبب، فإن لم يكن ذلك السبب أمراً حراماً أو مخالفاً للقانون أو شيئاً يعوق نجاحك وتطورك فلتسعدْ حتى الصباح حتى لو ظن الناس أنك مجنون.. ارقص منتصف الليل، ثم اخرج لتهرول على شارع النيل قبل أذان الصبح وستجد أناساً يهرولون في ذلك التوقيت، لا تحسب أنهم مجانين، بل هم أناس عرفوا أسباب سعادتهم جيداً، وعليك أن تتذكر دائماً مقولة جيم روهن: “المعرفة وحدها لا تجلب السعادة، بل لا بُدَّ من تطبيق تلك المعرفة”.

فيصل محمد فضل المولى
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..