مقالات سياسية

محنة اللاجئين السودانيين: رحلة رعب المجازفات نحو الأمان وخيبات الوصول

المستشار اسماعيل هجانة

حرب 15 أبريل 2023، بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، أدت الى انزلاق السودان إلى أزمة إنسانية حادة، مما أجبر مئات الآلاف على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان. إن رحلة اللاجئين السودانيين محفوفة بالتحديات والمخاطر، مما يسلط الضوء على الصراعات الهائلة التي يواجهونها وهم يشقون طريقهم عبر عدم اليقين، معتمدين فقط على المجازفة، ومسلحين بالأمل عبر دروب المخاطر بحثا عن الامان.

منذ اندلاع النزاع في السودان في 15 أبريل 2023، أدى إلى حدوث أزمة إنسانية لا مثيل لها، مما أدى إلى نزوح أكثر من 6 ملايين شخص بحلول 24 يناير 2024 – بزيادة قدرها 236,011 عن نهاية ديسمبر 2023. وقد وضع هذا التصعيد السودان في مركز النزاع. من أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث تجاوز إجمالي عدد النازحين 10 ملايين شخص. ما يقرب من واحد من كل ثمانية نازحين داخليا على مستوى العالم هو من السودان، الذي يستضيف حوالي 13٪ من السكان النازحين في العالم، مما يؤكد الحجم الخطير لهذه الأزمة داخل حدوده. وقد تفاقم الوضع أكثر بسبب النزوح الجماعي عبر الحدود لـ 1,720,890 شخصًا إلى الدول المجاورة مثل مصر وليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، حيث يشكل المواطنون السودانيون 62٪ من هذه الحركات. ولا تسلط هذه البيانات الصارخة الضوء على التأثير الواسع النطاق للصراع في جميع أنحاء المنطقة فحسب، بل تسلط الضوء أيضًا على العدد الكبير من المواطنين الأجانب والعائدين المتضررين، مما يستلزم فهمًا سياقيًا أعمق وتحليل الأزمة على حدة.

ويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) UNOCHA إلى أن عدد النازحين داخليا في السودان قد وصل بشكل مثير للقلق إلى 7.6 مليون نسمة، والعديد منهم يبحثون عن ملجأ عبر الحدود. ويعكس هذا الرقم الجزء الكبير من السكان الذين أجبروا على ترك منازلهم بحثاً عن الأمان، وسط الاضطرابات المستمرة. ويسلط التصاعد السريع في عمليات النزوح الضوء على تدهور الأوضاع على الأرض والتحديات المتزايدة التي يواجهها النازحون. إنها شهادة حية على التكلفة البشرية للصراع، وتسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى الاهتمام الدولي الفوري والعمل المنسق. إن استجابة المجتمع الدولي مطلوبة بشكل عاجل لمعالجة الأزمة الإنسانية، وتوفير الإغاثة للملايين المتضررين والنازحين بسبب الصراع في السودان، وتخفيف معاناتهم من خلال التدخل الإنساني الشامل.

في أعقاب الصراع الذي اندلع في السودان في 15 أبريل 2023، كانت الهجرة الجماعية كارثية، حيث انطلق الأفراد والعائلات في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر الحدود في بحث يائس عن الأمان. يكشف تحديث الوضع الطارئ للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR، بتاريخ 24 يناير 2024، عن تدفق مذهل لـ 542,204 وافدًا جديدًا، وهو مزيج من اللاجئين السودانيين والعائدين التشاديين، مما يسلط الضوء على التصعيد السريع والمثير للقلق للأزمة. ويمثل هذا الرقم تمثيلاً صارخًا للأزمة الأوسع نطاقًا، حيث فر أكثر من 1.7 مليون فرد من السودان إلى البلدان المجاورة.

وقد شهدت مصر تدفقاً كبيراً، حيث أبلغت الحكومة المصرية عن عبور حوالي 409,000 شخص إلى حدودها منذ بدء النزاع. وقد قامت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر بتسجيل 154,000 من هؤلاء الوافدين، معظمهم من المواطنين السودانيين، مما يعكس خطورة الوضع والحاجة الملحة للمساعدة الإنسانية.

وأصبحت ليبيا، رغم أنها أقل تحديدا في التقارير العامة، وجهة حاسمة للفارين من العنف في السودان. ويضيف تعقيد الوضع الداخلي في ليبيا طبقات من المخاطر على اللاجئين والمهاجرين الذين يمرون عبر أراضيها.

في جمهورية أفريقيا الوسطى، يستضيف كرسي 7,056 لاجئًا سودانيًا وفقا لتقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الصادرة في 31 يناير 2024، معظمهم من النساء والأطفال من نيالا والمناطق المحيطة بها. ويعكس هذا التحرك نحو جمهورية أفريقيا الوسطى الظروف الصعبة التي تجبر الأسر على البحث عن ملجأ حتى في البلدان التي تتصارع مع التحديات الأمنية الخاصة بها.

وشهد جنوب السودان، الذي يشترك في حدود مباشرة وتاريخ مضطرب مع السودان، وصول 528,154 فرداً، وفقاً لأحدث الأرقام. ويتم تسهيل غالبية هؤلاء الوافدين عبر نقطة الرنك/جودة الحدودية، مما يوضح النزوح الجماعي والاحتياجات الملحة للمأوى والغذاء والمساعدات الطبية.

وشهدت إثيوبيا، المعروفة بتقاليدها الطويلة في استضافة اللاجئين، زيادة في عدد الوافدين من السودان. وفي منطقة بني شنقول قموز، تواصل العائلات عبور الكرمك ونقاط الدخول الأخرى، حيث تشكل النساء والأطفال نسبة كبيرة من الوافدين الجدد. وقد أدى رفع الإغلاق المؤقت لنقطة القلابات الحدودية إلى عودة الحياة الطبيعية في المنطقة، إلا أن التدفق لا يزال يتطلب الموارد والاهتمام.

وقد أبلغت أوغندا عن زيادة في عدد اللاجئين السودانيين الذين يدخلون البلاد، حيث وصل 14,960 سودانيًا منذ بداية الصراع. ويختار أغلبهم البقاء في كمبالا، مما يبرز البعد الحضري لأزمة اللاجئين والاحتياجات المتنوعة للسكان النازحين.

يقول أحمد، وهو أب لثلاثة أطفال من الجنينة: “كل خطوة بعيدًا عن المنزل مليئة بالغموض، لكن البقاء يعني الموت المحقق”. تعكس كلماته مشاعر الكثيرين الذين، على الرغم من العقبات الهائلة المتمثلة في محدودية وسائل النقل، وارتفاع تكاليف السفر، والتهديدات على طول الطريق، يفضلون عدم اليقين في الهروب على اليقين من المخاطر في الوطن. عند الوصول، لا تزال التحديات قائمة، حيث أن المخيمات مثل ألاشا في تشاد تتجاوز طاقتها الاستيعابية والعقبات اللوجستية التي تعقد جهود النقل في جميع أنحاء المنطقة. لا يسلط هذا النزوح الجماعي الضوء على الاحتياجات الإنسانية الماسة للفارين فحسب، بل يؤكد أيضًا على مرونة اللاجئين والدور المحوري الذي تلعبه البلدان المضيفة والمنظمات الإنسانية في معالجة إحدى أهم أزمات النزوح في عصرنا.

في مساحات الصحراء الشاسعة التي لا ترحم، حيث تحرق الشمس الأرض ويبدو جليا أن الأمل بات نادرا مثل الظل، والتي أصبحت الآن بمثابة خلفية لملحمة إنسانية رهيبة، تتكشف قصص من معاناة اللاجئين السودانيين كنسيج مأساوي منسوج بخيوط اليأس والوجع والخراب على وجوه يسكنها التعب والحزن المفرط، خاصة في المناطق الحدودية. حيث لا تعوف جغرافية المعاناة حدودا، بعد رحلة طويلة وشاقة ومروعة إلى المجهول. لجأ الآلاف إلى هناك، فارين من ظلال الصراع ليجدوا أنفسهم متورطين في نوع جديد من العذاب. النساء والأطفال الصغار، الأكثر ضعفًا والاكثر عرضة للمخاطر خاصة العنف القائم على أساس النوع، يجتازون هذه المناظر الطبيعية المقفرة، حاملين ثقل عالمهم على أكتافهم – مجرد حزم من الملابس وحصص غذائية ضئيلة لا تكفي رمق الجوع الذي يسكن البطون الفارة من جحيم الحرب. إنهم يبحثون عن ملجأ، وبصيص أمل، تحت أشعة الشمس القاسية التي تحرق أرضًا قاحلة بالفعل. ويجد الآلاف أنفسهم بلا مأوى، وهو عزاءهم الوحيد في السماء المفتوحة، كما أفاد عمال الإغاثة على الأرض لصحيفة التلغراف البريطانية : “معظم الوافدين الجدد هم من النساء والأطفال الصغار، ولا يحملون سوى ملابسهم وكميات صغيرة من الطعام”. يحتمون في العراء”.

يرسم يوجين بيون، صوت من لا صوت لهم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، صورة حية لليأس على الحدود التشادية. إنه مشهد رهيب حيث يفوق عدد الأطفال عدد البالغين، والعديد منهم أيتام، وقد فقدت الطفولة براءتها بسبب فوضى الحرب. ويكشف بيون أن “غالبية الوافدين الجدد هم من الأطفال”، مسلطاً الضوء على حجم هذه الأزمة. تصل الأمهات ، اللاتي يتحملن وطأة البقاء على قيد الحياة، ويضيف قائلا : “أن العديد من الذين يصلون هم وحدهم، مع أصداء العائلات المفقودة التي تطارد خطواتهم. يبحث عن الأطفال عن عائلاتهم بلا جدوى، بعضهم أيتام وآخرون منفصلون عن أقاربهم”، فانفصلت النساء عن الرجال بسبب الموت أو الاختفاء. وارتفعت من الأرض ملاجئ مؤقتة من القش وفتات الحصير والأكياس والخيش والكراتين، وبقايا اخرى تم تجميعها من الأشجار والأغصان المكسرة، واقع يحكي شهادة على صمود الروح الإنسانية على خلفية الأزمة الإنسانية التي تعصف بالسودان المستجير بتشاد التي لم تكن أحسن حالا منه، تشاد التي احتضنت السودانيين بكل الحب دولة تتصارع بالفعل مع تحدياتها العميقة لكنها كانت مرحابة. يسكنون في عشش لا توفر لهم سوى القليل من العزاء. هنا، تحت لهيب شمس لا هوادة فيه تبلغ درجة حرارته 40 درجة. “يبني اللاجئون ملاجئ مؤقتة بكل ما يمكنهم العثور عليه – الأشجار والفروع المكسورة. إنها أكثر من 40 درجة خلال النهار. قالت وتضيف السيدة بيون قائلة: “لا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء”. “تلخص رحلة حليمة يعقوب إسحاق وأطفالها الخمسة تجسد رحلة المسارات المحفوفة بالمخاطر التي يسلكها هؤلاء اللاجئون” كما قالت التلغراف البريطانية، وهي شهادة على الجهود التي تبذلها الأمهات لحماية أبنائهم، معتمدين على صدقات الأسر التشادية للحصول على لقمة العيش وسط بئر اليأس المتزايد العمق باستمرار. وقال إسحاق لوكالة رويترز للأنباء، وهو يجلس مع نساء وأطفال آخرين وصلوا حديثاً، وبعضهم أيتام: “نحن نعتمد كلياً على الطعام الذي تقدمه لنا الأسر التشادية”.

وتتفاقم محنة اللاجئين وقد أدى هذا اليأس إلى مشاهد من الفوضى والمعاناة، مع ورود تقارير عن لجوء الجنود التشاديين إلى العنف في محاولة للسيطرة على الحشود الجائعة،الفوضى الناجمة عن تضاؤل إمدادات المساعدات. وهو تذكير صارخ بالخط الفاصل بين النظام واللا إنسانية.

ولا تقل قتامة الوضع بالنسبة لأولئك الذين يصلون إلى مصر، حيث ينتظرهم استقبال فاتر قلة ما يوصف. ذكرت صحيفة الغارديان “أن اللاجئين واجهوا نقصًا في الضروريات الأساسية وعملية بيروقراطية مرهقة تصطاد الشباب لساعات متواصلة”. وسط هذه الصورة القاتمة، يسلط تقرير في نوفمبر 2023 وفقا لـ سودان تربيون الصادر عن ناشطين أميركيين الضوء على الظروف القاسية داخل مخيمات اللاجئين في شرق تشاد ويعكس المصاعب المرعبة المستمرة . ويواجه اللاجئون، الذين فروا من المناطق التي مزقتها الحرب في غرب دارفور إلى تشاد، المجاعة، وندرة الدعم الطبي، والحاجة الماسة إلى الدعم القانوني، وهو ما يتفاقم بسبب التمييز المحلي وسوء المعاملة من قبل السلطات المحلية إلى تفاقم محنة أولئك الذين عانوا بالفعل من خسائر لا يمكن تصورها.
قصة منال، كما روتها لبي بي سي، تعكس السرد للوجع الجماعي الذي بلغ قمة اليأس الذي يسود حياة اللاجيئن. من تحت جسر في القاهرة إلى ملجأ مؤقت، تتحدث رحلتها عن البحث الدؤوب عن الأمان والاستقرار. وعلى نحو مماثل، تسلط محنة حياة الضوء على التحديات التي لا تزال قائمة حتى بعد منحها بطااقات اللجوء. بعد تجريدها من هويتها، تعيش حياة محفوفة بانعدام الأمن والاستغلال، وتشكل بطاقة اللجوء الخاصة بها درعًا ضئيلًا ضد الواقع القاسي لوجودها الجديد.

في وسط هذا الظلام، تظهر قصص النضال الفردي والبقاء على قيد الحياة، وكل منها منارة لإرادة الروح الإنسانية التي لا تقهر. هذه القصص، مجرد لمحات من حياة عدد لا يحصى من الأشخاص الآخرين، تؤكد المعاناة العميقة والشجاعة التي لا تقهر للاجئين السودانيين. إن رحلة منال من الفوضى في الخرطوم إلى الأمان النسبي في القاهرة، مدفوعة بالحاجة الماسة إلى تأمين مستقبل لأطفالها، تؤكد سعيها الدؤوب للحصول على اللجوء وسط الشدائد. إن رواية حياة، التي تميزت بالنضال من أجل إعالة أسرتها أثناء اجتياز تحديات الحياة دون تحديد الهوية، تسلط الضوء على الحواجز النظامية التي لا تزال تقمع حتى في أراضي اللجوء. ترسم هذه القصص، المنسوجة من نسيج التحمل البشري، صورة لأزمة تتجاوز الحدود وتتطلب استجابة عالمية. ويذكرنا اللاجئون السودانيون، في بحثهم عن الأمان والكرامة باهمية الجهد والتضامن العالمي الذي يحتاج الى مزيدا من الانتباه لكارثة السودان العابرة للحدود. إنها بمثابة تذكير بصوت عالى و صارخ بالحاجة الملحة إلى التعاطف والمساعدة والجهد الجماعي لمعالجة القضايا العميقة التي تغذي مثل هذه الأزمات. وفي وسط ظلام محنتهم، تشرق قدرتهم على الصمود، وهي منارة أمل في أن تجد الإنسانية طريقة لسد الفجوة وتضميد الجراح التي سببها الصراع والإهمال.

وعلى الرغم من الاحتياجات الهائلة، فقد تعرضت الاستجابة الدولية لانتقادات بسبب افتقارها إلى الإلحاح. لقد تعطلت المساعدات الإنسانية، وتكافح خطوط إمداد المساعدات لتلبية الطلبات المتزايدة. “يجب على العالم ألا يغض الطرف عن محنة اللاجئين السودانيين”، حث متحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر. “هناك حاجة إلى دعم فوري ومستدام لتجنب كارثة أكبر.”

إن رحلة اللاجئين السودانيين هي تذكير صارخ بالتكلفة الإنسانية للصراع. وبينما يبحثون عن الأمان خارج حدودهم، يجب على المجتمع الدولي تكثيف جهوده لتوفير الحماية والدعم والفرصة لهؤلاء الأفراد لإعادة بناء حياتهم. إن قدرة الشعب السوداني على الصمود لا يمكن إنكارها، ولكن لا ينبغي اختبارها إلى أقصى الحدود. لقد حان الوقت لاستجابة منسقة ورحيمة لضمان الحفاظ على حقوق وكرامة اللاجئين السودانيين.

إن محنة اللاجئين السودانيين هي أكثر من مجرد إحصائية؛ إنها أزمة إنسانية تتكشف في الوقت الراهن في ظل ظروف اقتصادية متوحشة تكشر انيابها وتفترس اللاجئين بلا رحمة، إنها أزمة وتستحق اهتمام العالم وعمله.
اسماعيل هجانه
المستشار الاستراتيجي للشؤون الإنسانية والتنموية
[email protected]

تعليق واحد

  1. شكرا جزيلا استاذنا هجانة علي تناولكم هذا الموضوع الهادف والهام جدا فيما يخص اوضاع السودانين المهجرين بسبب الحرب وعطفا علي ذكرت يجدر بالذكر بان هناك اعداد مقدرة من السودانين متواجدين بكينيا ويواجهون تحديات كبيرة فيما يخص توفيق اوضاع الاقامة خاصة ان معظمهم قد انقضت فترات اقامتهم مما يلزم من السلطات السودانية والفاعلين في الساحة السياسية التواصل مع الحكومة الكينية بغرض توفيق اوضاعهم علي الاقل منحهم بعض الاستثاءات حتي انجلاء الازمة وعودتهم سالمين الي ارض الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..