الشماسة ومسئولية الدولة

الشماسة ومسئولية الدولة
عبدالله النجومى
[email protected]
ظاهرة المتشردين والمتسولين التي تعج بهم شوارع العاصمة ، ليست بغريبة ضمن التركيبة السكانية في معظم مدن السودان. وتبرز هذه الظاهرة بأشكال حادة وبممارسات شتى وقت الأزمات السياسية والاقتصادية واهتزاز بنية المجتمع كنوع من الإفرازات التي يسهم في وجودها الخلل العام في التفاعلات الاجتماعية وهيكلة الدولة ومسؤولياتها. والسبب الرئيسي غياب التنظيم المؤسساتي،وانتشار هذه الظاهرة الكريهة في المجتمع السوداني في فئة تتراوح أعمارهم ما بين عشرة سنوات إلى أكثر من ثلاثون عاماً، و أن غالبيتهم ليس لديهم أعمال محددة تمكنهم من الاستقرار والصرف على أنفسهم حيث أن معظمهم بغير عمل، وأن الذين لديهم أعمال يمارسون، التحميل وغسيل السيارات، وهذه الأعمال الهامشية تقوم بها القلة القليلة منهم، بمعنى أنهم يعملون متشردين فقط.
إن مشكلة المتشردين في السودان وصلت إلى حد الظاهرة الاجتماعية بمعناها العلمي الدقيق، و تعد مظهراً من مظاهر الحياة نتيجة للتغيرات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع، علماً بأن هناك اختلافاً في حجم هذه الظاهرة تبعاً لاختلاف المناطق.وعند إقدام وزارة الداخلية على تنظيم حملة لجمع أفواج المتشردين والمتسولين في شوارع العاصمة لهو الدليل على حجم وثقل هذه الظاهرة التي ارتبطت بممارساتها إشكالات متعددة تزيد من واقع الانحدارات السلوكية إلى جانب كون محيط هذه الظاهرة الذي يضم الجنسين يشكل بؤرة لنمو الجريمة والانحراف وانتشار ظواهر أخرى يعلم المتتبعون الاجتماعيون والنفسيون بأبعاد انتشارها وتوفير التربة الخصبة لنمو الأمراض المتنوعة التي تهدد الكيانات الاجتماعية بمجملها.ويجب الانتباه ضمن سياقات هذه الحملة على جانبين مهمين، أولهما: إن التنمية الاجتماعية هي من أصعب أنواع التنمية وأشدها حساسية، وذلك لأن مادة التعامل في التنمية الاجتماعية، هي المحيط البشري بمكوناته، وماضيه، وحاضره.
وثانيهما: أن أية حملة تنظم في هذا المجال تصطدم بالمعوقات والإخفاق الذريع إذا كانت التوجهات فيها مبنية على اعتماد الصيغ الموسمية لتجميل وتلميع الوضع السياحي للعاصمة أو لإخفاء مظاهر التروي الاجتماعي الذي هو نتيجة منطقية لمجريات الوضع بشكل عام.ومن هنا، فلابد من التأكيد ضمن أبسط مقومات نجاح هذه الحملة أن لا تركن للعوامل المزاجية والإجراءات الوقتية ونشر الضباب الأسود على واقع المشكلات.إن حجر هذه المجاميع وحصرها في أماكن أقرب إلى إجراءات التوقيف ينقلنا إلى حالة مأساوية غاية في التعقيد، أبسط أشكالها التفرج والانتظار وتراكم الانفعالات والبحث عن سبل المأكل والمأوى وغيرها. ومن خلال ذلك، تظل ايجابيات هذه الحملة مرهونة بطبيعة التعامل والعلاج معاً. وهنالك عدة أسئلة يجب طرحها وإيجاد الحلول لها:
* ما حجم الظاهرة في المجتمع السوداني؟
* ما الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والصحية للمشردين ؟
* ما العوامل والأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة؟
* ما مستقبل الظاهرة في المجتمع السوداني؟
* ما أبرز الحلول التي يمكن أن تسهم في التخفيف والحد من هذه الظاهرة ومواجهتها؟
إن هذه الظاهرة لا يمكن علاجها أو الحد منها من خلال جهة واحدة، وعليه نوصى بضرورة التكامل في معالجتها من خلال إستراتيجية واضحة يشترك في وضعها كل الجهات ذات العلاقة، والمتمثلة في:
وزارة الرعاية الاجتماعية. – وزارة الداخلية – وزارة الصحة. – وزارة الثقافة والإعلام. – وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف. – وزارة التربية والتعليم. – المؤسسات والجمعيات الخيرية.
و ضرورة تشكيل لجان متخصصة لدراسة هذه الظاهرة والعمل على وضع الخطط للحد منها.
إن هذا المحيط المعني بهذه الظاهرة، هو جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع بمواصفات معينة علاجه لا يكمن في الإجراء السريع، وذلك لأن المشكلة تدخل في صلب المعالجة التي تحتاجها مفاصل أساسية تحتاج إلى البرامج العلمية المتخصصة والتخصيص المالي وتحتاج إلى التعامل من منطلق استيعاب آليات وفهم التنمية الاجتماعية. وتحتاج إلى العلاج الذي يعتمد تهيئة الأجواء المناسبة لإرساء عوامل الاعتزاز بالكرامة والتخلص من سلبيات الانحراف تدريجياً وصولا إلى ترسيخ صيغ الفهم الإنساني بين هذه الشريحة. على أن يكون ذلك هو الأساس والمقدمة في سلم الإصلاح. و نسبة لأهمية هذا الموضوع نوصى بضرورة القيام بدراسة متعمقة وشاملة من فريق متخصص لهذه الظاهرة ومدى انتشارها. و يحدونا الأمل أن وزارة الرعاية الاجتماعية قد أعدت لها ما يلزم من متطلبات.
كي لا يتكرر موضوع الاسبريت والموت الجماعي
فيا وطني أغريك السلام