عودة الاخوان ومصیر السودان

إسماعيل عبدالله
جماعة الاخوان في السودان ھي امتداد للجماعة الاخوانیة المصریة، لقد كان محظوراً على القیادات الاخوانیة السودانیة السفر الى مصر في عھد الرئیس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، على إثر المحاولة الفاشلة التي استھدفت حیاتھ بالعاصمة الاثیوبیة أدیس ابابا، والتي كانت بترتیب وتدبیر من اخوان
السودان وبعض الارھابیین المنتمین للجماعة المصریة، وكان على رأس ھذه القیادات الممنوعة من دخول القاھرة الدكتور الراحل حسن عبدالله الترابي الزعیم الروحي للجماعة الاخوانیة السودانیة، إلى أن وصل
الدكتور محمد مرسي لسدة الحكم فقام حسن الترابي بتلك الزیارة التاریخیة لمصر، والتي عبّرت عن متانة
العلاقة بین الجماعتین وعمق الرابط التاریخي بینھما، فاستضیف باستدیوھات عدد من قنوات التلفزة القاھریة التي كانت عصیّة على ظھور وجوه رموز اخوان السودان، ومن المعلوم أن حادثة اغتیال الرئیس
المصري محمد أنور السادات كانت بید وسلاح الاخوان، وكانت تلك الحادثة البشعة وغیر المسبوقة قد وضعت حداً فاصلاً بین ھذا التنظیم الاخواني المتطرف ومؤسسات الدولة العمیقة، ووضح ذلك جلیاً عند
اجماع الشعب المصري على رفض الاخوان البات في حراك الثلاثین من یونیو الواسع النطاق، الذي اطاح بحكومة الاخوان التي یقودھا محمد مرسي، ما أكد على أن الشعوب التي تتمتع بالوعي القومي الجمعي الراسخ والمتماسك والضارب باطنابھ في عمق المجتمع، لا یمكن أن تقودھا الجماعات المتطرفة الغریبة على بیئاتھا.
الاسبوع المنصرم شھد قرارات واحكام صادرة من الحكومة الانتقالیة السودانیة التي یقودھا الفریق أول عبد الفتاح البرھان رئیس المجلس السیادي، قضت باطلاق سراح عدد ممن یطلقون على انفسھم التیار الاسلامي العریض من السجون، وھم مجموعة من رموز الاسلام السیاسي على رأسھم الدكتور ابراھیم غندور رئیس حزب المؤتمر الوطني المحلول الابن الشرعي لجماعة الاخوان، والدكتور محمد علي الجزولي زعیم تنظیم دولة القانون المعروف عنھ مناصرتھ لتنظیم داعش الارھابي الذي ازھق ارواح عشرات الآلاف من الابریاء بالعراق والشام وبلدان أخرى، واطلق معھم سراح عدد من حُكّام الولایات السابقین الضالعین في جرائم فساد ابّان عھد الرئیس المخلوع عمر البشیر، وقد أتت ھذه الخطوة غیر الموفقة من الحكومة الانتقالیة التي یرأسھا البرھان المنقلب على حكومة رئیس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، الذي توافقت علیھ قوى ثورة دیسمبر التي اطاحت بالبشیر، في توقیت حرج وغیر مناسب، ویرجح
مراقبون أن الخطوة جاءت كیدیة وبمثابة ردة الفعل من الامتعاض الاقلیمي والدولي من الانقلاب العسكري الذي قام بھ قائد الجیش رئیس المجلس السیادي، وذھب آخرون إلى أن الصراع التنافسي المحتدم بین قائد الانقلاب ونائبھ حول وراثة عرش الامبراطوریة الاخوانیة الزائلة، كان الدافع وراء اطلاق عنان الحزب الذي تم حلّھ بالأمس القریب، فكلھا تكھنات تصیب او تخطيء لكن تبقى الحقیقة الماثلة أمام الجمیع أن البؤس الذي خلّفھ الاخوان في السودان خلال الثلاثین عاماً الماضیة لن یكون شفیعاً لھم حتى یعودوا لحكم البلاد مرة أخرى.
عودة الحرس القدیم لجماعات الاسلام السیاسي للمشھد العام مؤشر على قرب اندثار شرارة الثورة، التي اشعل جذوتھا شباب السودان المتطلع نحو تحقیق دولة الحریة والسلام والعدالة، الدولة المعاكسة لتلك الدولة الاخوانیة التي عملت لمدى ثلاثة عقود على كبت الحریات العامة والخاصة، واشعلت الحروب الجھویة
والعرقیة في غالب بقاع السودان ونحرت العدالة على سوح المحاكم المحلیة، مما اضطّر المحكمة الجنائیة الدولیة لأن تصدر مذكرة توقیف بحق رأس الدولة حینذاك لضلوعھ في ارتكاب جرائم الحرب وجرائم الابادة الجماعیة بحق مواطنیھ، فعودة جماعة الاخوان للعمل العام دون محاكمة اعضائھا الضالعین في ارتكاب جرائم الحرب وجریمة الانقلاب على الحكم الشرعي والوالغین في مواعین الفساد والاختلاسات المالیة، یعني الردة الحضاریة ورھن البلاد ومقدراتھا للمرة الثانیة لذات الجماعة التي عرف عنھا دعمھا المفضوح للارھاب الدولي وتھدیدھا للسلم والأمن الدولیین، فاطلاق سراح من یطلقون على انفسھم التیار الاسلامي العریض من رموز الحكم البائد ومن دون محاكمة، یعني الرجوع للمربع الأول – اضطراب الاقلیم أمنیاً وتنشیط بؤر التطرف الدیني- والاستسلام لحكم الفاشلین الذین اوردوا البلاد والعباد موارد
الھلاك .
الكلام دخل الحوش يا سمعة …
والموضوع الآن هو عودة الكيزان ومصير دقلو اخوان وليس السودان !!!