مسرح العبث في ساحة الوطن

في انتظار غودو واحدة من المسرحيات الشهيرة في خمسينات القرن الماضي عبرت حينها عن ما يسمي بمسرح العبث وهو نتاج للأوضاع السياسية والاجتماعية في فترة ما بعد الحرب العالمية في اوربا ، وما يميز هذا النوع من الادب انه بلا فكرة وبلا مضمون ولا تعرف من اين يبدأ ولا اين ينتهي ، واذا قارنت ما يحدث في الحياة السياسية السودانية بهذا النوع من الادب فستجد ان المسرح السوداني اكثر عبثية من مسرح العبث نفسه ، فالمواقف تتبدل بين يوم وليلة ، احدهم تجده في قمة السلطة فيغيب عنها وسرعان ما تجده حاملاً البندقية علي السلطة نفسها التي كان فيها ، وأخر تجده في قمة السلطة يغيب عنها وسرعان ما تجد لسانه يشتم ويسب بكل اللغات السلطة التي كان فيها ويدافع عنها بالحلال والحرام ، وأخر تجده في قمة المعارضة يحمل سلاحه فتظنه جيفارا عصره وحين تفتح نشرة الاخبار في تلفزيون السودان تجده في القصر متربعاً علي كرسي السلطة يرفع يده السبابة .

غداً السبت يبدأ مؤتمر حوار الوطن فتعال معي لتعرف العبث في مسرح السياسية السودانية ومواقف القوي السودانية من هذا الحوار ، تعال معي لتراها بعيداً عن المساحيق التي ادمنتها كلها بلا فرز ، قد تختلف معي ان ما تشاهده ليس عبثاً ولكنك لن تجد له وصفاً من بين جميع الاوصاف التي حوتها لغة الضاد .

اولاً : حزب الامة القومي وهو من اكثر الاحزاب السودانية اثارة للجدل عبر كل مراحله التاريخية ولكن دعنا نتحدث عن حزب الامة في عصر الانقاذ ، فالحزب الذي انقلبت عليه الانقاذ بعد ستة سنوات خرج زعيمه السيد الصادق الي خارج البلاد فيما عرف بعملية تهتدون خائفاً يترقب ، ثم ما لبث ان اجتمع مع رئيس الانقاذ في جيبوتي وقال تصريحه الشهير انه ذهب يصطاد فار ولكنه وجد فيل وحتي الان لم نعرف من الذي اصطاد من ، ثم ما لبث ان جاء الي السودان عائداً في عملية تفلحون في ثوب المنتصر ، ثم ما لبث ان اصبح ابنه مساعداً لرئيس الانقاذ ، ثم ما لبث ان اقنع الرئيس بعملية الحوار الوطني فأصبح عراب الحوار ، ثم ما لبث ان خرج من السودان عراب الحوار بلا رجعة رافضاً للحوار الذي وضع اسسه ، واليوم تقف الكاميرات في مطار الخرطوم انتظاراً لعودته اليس هذا مسرح العبث ذاته ، حزب الامة اكثر الاحزاب السودانية الذي جلست وحاورت الانقاذ وعقدت اتفاقيات ثنائية واتفاقيات تحت التربيزة وفوق التربيزة فلماذا الان يقف خارج حلبة الحوار ، الاجابة تجدها عند عبدالحليم وهي ويغني جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب ، ما يقلق السيد الصادق الخوف ومن بوابة الخوف ستجد الكاميرات المرابطة في المطار ما يسد رمقها ولو بعد حين فليس للحزب من طريق يسلكه غير هذا الطريق وان طال به السفر .

ثانياً : الحزب الشيوعي ولعل النكتة الشهيرة التي تتحدث عن ان بعضهم وصل الي جزيرة معزولة فقال لهم هل فيها حاكم فلما علم بوجوده قال انا معارض ، ورغم رفض الحزب للحوار لكنه كان جزء من اتفاقيات مع الانقاذ وشارك قادته في نظام الانقاذ من لدن فاطنة وحتي سليمان حامد ، ولكن من الطبيعي جداً ان يقف الحزب خارج اسوار الحوار لان الحزب يعتقد ان التركيبة السياسية والاجتماعية والثقافية التي زرعتها الانقاذ في ربع قرن ليس من سبيل لأزالتها بالحوار بل لا بد من سيسي يحكم السودان ، واختصاراً وتكملة للمعني نعود للنكتة مرة اخري التي تقول خاتمتها حتي من يحفظ سورة الحمد سنقطع رأسه فهذه النكتة رغم خيالها الواسع لكن تعبر بصدق عن احلام الحزب فما حدث في مصر لماذا لا يحدث في السودان ، ليس من مصلحة الحزب الشيوعي الوصول بالحوار الي تسوية لقضايا السودان ولذلك الحزب سيظل رافضاً للحوار ولو جاء مبرأ من كل عيب فالحوار نسف لمشروعه السياسي وهزيمة كبري لا يتحملها الحزب العتيق ولذلك لن تجد منه مائدة الحوار سوي التراب يكشحها عليها .

ثالثاً المؤتمر الشعبي ونظريته في قبول الحوار تقوم علي المسئولية الاخلاقية فهذا الحزب هو من جاء بالانقاذ ودافع عنها طوال عشرة سنوات وارتكب ما ارتكب من اخطأ ، ويحمله الكل البحث عن مخرج للازمة السودانية التي تسبب فيها وزاد من اوجاعها ، ولذلك ليس من سبيل للحزب سوي طريقين للتكفير عن ذنوبه ، الانقلاب العسكري او الحوار الوطني والحزب اختار طريق الحوار الوطني تقليلاً للتكلفة العالية للعمل العسكري وتجنباً لفوضي قد تم الوطن كله ، وليس خافياً ايضاً ان الحزب اتعظ مما جري في مصر فالعلمانية لا سقف لها في استباحة كل الاشياء .

رابعاً الحركات المسلحة ،غالبها جرب الحوار مع الانقاذ بل ان بعضها صار جزء من التركيبة القيادية للدولة السودانية مساعدين ووزراء ومعتمدين ، وتتعجب حين تسمع اصوتها العالية بأنها ضد الحوار وتصيبك هذه التصريحات بالدوار فنفس هذه الحركات لم تمل الحوار في قطر واديس وابوجا ولكن هذه المرة مختلفة فالنهايات هي البدايات فابوجا لم تعد بداية والخرطوم لم تعد نهاية فقد تبدلت العواصم ، ولكن هذه الحركات عاجلاً او بعد حين ستحط رحالها في طاولة الحوار فقد اصابها الرهق من القتال ومعادلات السياسة الاقليمية والدولية ستاكلها وتقطع اوصالها .

خامساً المؤتمر الوطني بعد ربع قرن من الحكم وصل الي طريق مسدود وليس عنده ما يقدمه فالخمسة وعشرين عاماً الماضيات استهلكت كل حلوله وفقدت كل عقاقيره صلاحية معالجة اوجاع الوطن وفقدت نخبته اللياقة الكافية للتعامل مع مشكلات الوطن وليس له من حل سوي هذا الطريق سيمضي فيه ولا خيار له .

علي عثمان علي سليمان

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. صدقت —– وما نطقت محالا
    وما طار طير وأرتفع إلأ كما طار وقع
    كرامة إنسان السودان وحريته وأرضه وحدوده كمّ مُقدس

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..