مقالات وآراء

صوت الطاغية في ثوب الناخب.. دهاء المرحلة وخداع الصناديق

 

علاء خيراوي

 في تصريحٍ مُراوغ حملته وكالة “رويترز”، خرج أحمد هارون، أحد رموز النظام البائد والمطلوب للعدالة الدولية، ليعلن أن “المؤتمر الوطني” قد اتخذ ما وصفه بقرار استراتيجي يقضي بعدم العودة إلى السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع بعد الحرب. هذه الجملة، التي تحاول أن تتوشّح بلبوس الديمقراطية، ليست في حقيقتها إلا قناعًا شاحبًا لوجه مشروع قديم قميء، ما زال يصرّ على التحايل على وعي الناس وتاريخ البلاد وجراحها المفتوحةفالقول بالعودة إلى السلطة عبر الاقتراع بعد الحرب، في هذا التوقيت، لا يعني احترامًا لمسار ديمقراطي أو إيمانًا بشرعية الصندوق، بل هو ببساطة إعلان ناعم بأن نتائج الحرب ستُفرض أولًا، ثم يُستدعى الصندوق ليمنح تلك النتائج غطاءً شرعيًا زائفًا. وما يزيد الفضيحة فداحة أن المتحدث نفسه، أحمد هارون، أحد أبرز رموز العنف الدموي في دارفور، لا يزال هاربًا من وجه العدالة الدولية، ثم يخرج اليوم ليُحاضر فينا عن الديمقراطية، وكأنما أُعفي التاريخ من ذاكرتهفي عمق هذا الخطاب تتجلى براعة الخطاب الإسلاموي في خلط الأوراق واستثمار الرموز المفرغة من معناها. فالديمقراطية، عند منظّري المشروع الإسلامي في السودان، لم تكن يومًا غاية، بل كانت دائمًا وسيلة للتمكين، يتخلون عنها حالما تكتمل لهم دوائر السيطرة. من جاءوا عبر انتخابات ١٩٨٦ لم يترددوا في الانقلاب عليها في ١٩٨٩، وها هم اليوم، بعد ثلاثين عامًا من الدم والفساد، وست سنوات من السقوط والتفكك، يعيدون إخراج المشهد ذاته بمكياج انتخابي رخيصتصريح أحمد هارون ليس إلا جزءًا من مشهد أوسع، تجري فيه محاولات لتصفية القوى المدنية والثورية عبر الحرب، ثم إعادة ترتيب الملعب السياسي لصالح تحالفات ما بعد الدم. وهو تصريح موجه بذكاء إلى أطراف متعددة، للجيش إشارة بأن الحرب تخدم مصالح الجميع، وللمجتمع الدولي غمزة مفادها أن الإسلاميين باتوا مستعدين للعودة عبر الآليات التي تُرضي الخارج، وللقوى المدنية تحذير مبطن بأن ما ينتظرها ليس شراكة، بل استدعاء شكلي ضمن مشهد معدّ سلفًاالوجه الصفيق في الخطاب أن أحمد هارون يتحدث عن الصندوق وكأنما هو أداة تطهير للذاكرة الجمعية، لا أداة لتجسيد الإرادة الشعبية. كأنما بضع أوراق اقتراع يمكنها أن تمحو مجازر دارفور، وقمع الحركة الطلابية، وكبت الصحافة، وفساد ثلاثين عامًا، وحروب الأطراف التي أشعلوها ثم تاجروا بهاهذا التصريح لا يمكن التعامل معه كخبر عابر، بل كمؤشر على ما يُخطط لهذا البلد المنكوب، إذ تُخاض الحرب اليوم لا لتُحسم عسكريًا فحسب، بل لتُعاد هندسة السياسة على مقاس الرابحين في المعركة، وتُخنق إرادة التغيير الحقيقي باسم انتخابات مشوّهة تأتي على أنقاض الخرطومإن خطورة ما قاله هارون لا تكمن فقط في مضمونه، بل في توقيته، في ما يستبطنه من مناورات، وفي ما يعكسه من إصرار على عدم مغادرة ذهنية الاستعلاء السلطوي. هذه ليست دعوة لانتخابات، بل خطة للعودة من نافذة الحرب بعد أن أُخرجوا من باب الثورةالديمقراطية ليست صندوق اقتراع يُستدعى بعد المحارق، ولا تصح في ظل السلاح والتجييش والعقيدة المليشياوية. الديمقراطية هي قبل كل شيء مناخ، وحريات، وضمانات، وعدالة انتقالية، وسلام حقيقي. وما لم تتحقق هذه الشروط، فكل حديث عن صناديق الانتخابات ليس إلا تمثيلية جديدة تُدار على أطلال شعب أُرهق من الخديعة تلو الخديعةولعل أكثر ما يفضح هذا الخطاب هو أن من ينادي به لم يُبرّئ نفسه بعد أمام ضحايا الجرائم التي ارتكبها، ولم يُظهر ندمًا ولا اعتذارًا. فهل يعقل أن يحاضر قاتل في العدالة؟ أو أن ينصّب الهارب من القانون نفسه وصيًا على مستقبل الديمقراطية؟هذا هو الخطر الحقيقي الذي نواجهه، أن الطغاة لم يغادروا، بل يبدّلون الوجوه واللغة، ويعودون بثياب منمقة يتحدثون عن صناديق وهم لا يزالون يحتفظون بالمفاتيح القديمة التي فتحت أبواب الجحيمإن العودة إلى السلطة لا تكون عبر صناديق الاقتراع التي تُساق إليها الشعوب بالسوط، بل عبر إرادة حرة، وذاكرة حيّة، وعدالة لا تسقط بالتقادم. أما أولئك الذين يطلّون علينا من خلف دخان الخراب، متوشحين بثوب الناخب، فإن صوتهم مهما تنمّق، يظل صوت الطاغية القديم… وإن لبس ألف قناع.

تعليق واحد

  1. تحدث القاتل الاثم بان حزبه لن يعود الى الحكم الا عبر صندوق الانتخابات وكأن حزبه يؤمن بهذه الانتخابات ولم ينقض من قبل على حكومة منتخبة واتى ترتيب حزبه الثالث ولكن كان فى عجلة من امره ولم يصبر على العملية الديموقراطية وضاق بها ذرعا واذا به فى ذات ليلة ظلماء فى اخر يوم من يونيو 1989م يعلن استيلاءه على الحكم فى انقلاب مشؤوم.. ونحمد الله انه وبعد ثلاثة عقود من الحكم المنفرد وبعد الت الدولة كلها لسطوته كان حصاد تلك السنون صفرا كبيرا ووبالا على البلاد.. فلم يحدث فى تاريخ السودان أن فشل حزب سياسى كما فشل الاخوان المسملون فى السودان تحت مسمياته المختلفة… واذكر ان راشد الغنوشى زعيم الحركة الاسلامية فى تونس كان امينا واصدقا وقال فى ندوة محضورة بالدوحة عام 2011م ان الحركة الاسالامية ( أثبتت فشلها فى السودان… قاموا بخوصصة القطاع العام ولكنهم استولوا عليها,, أقاموا عشرات الجامعات وارسلوا ابناءهم للتعلم بالخارج.. وانشأوا المستشفيات ولكنهم يبحثون عن العلاج بالخارج) ولكن ما يلم يقله الغنوشى ان الاسلامويين بالسودان هم عصابة من الجريمة المنظمة على لسان أخيهم اسامة بن لادن الذى استضافوه ردحا من الزمن ثم ( شفشفوا) ماله بل عرضوا تسليمه ولكن العرض لم يجد القبول لا من السعودية ولا امريكا… عودتهم ستعنى بالضرورة نهاية السودان فالحركة الاسلاموية لا تزال تحلم بالعودة للحكم فى السودان ماهو الجديد الذى تحمله.. بصراحة لا جديد بل المزيد من الشؤم والانحراف والفساد.. أحمد هارون والذى كان وزيرا للدولة بالداخلية فى العام 2003م زار ولاية غرب دارفور وتوجه من الجنينة الى منطقة بيضة جنوب غربى الجنينة على طائرة هيلوكوبتر عسكرية ومعه احد شيوخ الجنجويد اسمه حامد ضوينا وقدم له احمد هارون شحنة من الاسلحة والذخائر وهذه شهادة اقدمها لوجه الله ( ومن يكتمها فانه اثم قلبه) وهو يردد له عبارة ( اديناكم الصابون وعليكم الغسيل النضيف) وكان من الحضور عدد من قادة الادارة الاهلية الذين اندهشوا من ذلك التصرف من وزير بالدولة…لن تعودوا يا أحمد هارون فالشعب الذى خرج فى أضخم مظاعرات عرفها تاريخ السودان هو ذات الشعب الذى اذقتموه سوء حكمكم وادارتكم ويقينى ان حديثكم هذا هو الذى سيدفع بكم الى المزيد من الحصار والعزلة انشاء الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..