معالم في طريق التغيير المستدام ..

معالم في طريق التغيير المستدام ..

سيف الحق حسن
[email][email protected][/email]

إفترض معي أن الحزب البعث أو الشيوعي أو أي حزب آخر ليس لديه شعارات دينية هو الذي قام بإنقلاب الإنقاذ المشئوم 1989 م وفعل نفس ما فعلته الطغمة الظالمة هل تظن أن الشعب السوداني كان سيتركهم لهذه اللحظة يحكمون غصبا. أنا لا أظن أبدا. ففي إعتقادي ان الشعب لن يتركهم خمس سنوات او عشرة بالكثير. ببساطة ليس لأن الشعب السوداني متدينا ولكن لأنه يخشى النقاش في الدين ويخاف أن يتعدى حدوده. فلا يمكن أن تضحك عليه أو تخاتله إذا لم تأتي من هذا الجانب الديني. قيس ذلك على كل معاملاتنا اليومية.

لذا ساكون واضحا معك أنه لا تغيير سياسيا أو اقتصاديا أو لواقعنا عموما دون إصلاح دينى. ومن دون ان أقطع ذراعي أو أحلق شنبي لو قعدنا مائة عام فلن نتقدم على أى مستوى فى الحرية السياسية والديمقراطية كما لن نخطو ناحية أى تطور اقتصادى يُغيّر حياة الناس ويُحسّن ظروفهم ويُؤمّن مستقبلهم ما دام الشعب يعانى من هذا التضليل الدينى وما دام يتحكم فى العقل السوداني متطرفو وظلاميو العقول من الدعاة والوعّاظ ومتى استمرت سيطرة الفهم المظهرى القشرى السلفي على مناحى حياتنا. فهناك مخططا من القدم يصرف عليه اموال طائلة لنشر ودعم وتجذير الفهم السلفى المتشدد والقشرى للدين فى المجتمع السوداني. وللأسف فقد نجح نجاحًا باهرًا فى الحقيقة إلى الآن.

هذا نتج لعدة أسباب منها الإنهيار الثقافى والتعليمى الذى تعيشه منذ سنوات طويلة. فالشعب السوداني كالشعوب العربية لا يقرأ؛ وحتى الذين يقرأون كثيرا لا يستخدمون عقولهم إلا قليلا. ولأنهم يحصلون على خمسة وتسعين فى المئة من معلوماته الدينية شفويًّا، سواء من الوالد والوالدة، وحالهما لا يفرق كثيرًا عن أبنائهما، أو من الأصدقاء أو من خطب الجمعة أو من برامج الفضائيات أو صوتيات النت ومقاطع اليوتيوب. ولأننا تربينا ونربي أولادنا على الإملاء ومذاكرة الملخّصات والأسئلة النموذجية ونماذج الامتحانات، فعقولنا لا تفكر أبعد مما حفظ صمتا. فلا إبداع فردي ولا تميز لأننا لا نفكّر ولا نتناقش ولا نتنقد ولا ننتقض. أما عن التدريب فلم نتدرب ونعلم أبنائنا كيفية تحصيل المعلومات وتفنيدها والإستدلال والإستخلاص النتائج، والتصرف حسب المنطق ومراعاة البيئة المحيطة. ربما يكون العقل سليم ولكن خريطة طريقة التفكير فدمرت تماما.

هذا الخلل في هذا الجو خلق تناقض في العقل السوداني. عقدة نعيشها ونحن مهزوزين. نفاق وجدية وصلاة وكذب مظاهر وغش وخداع وغيره. فقد تجد البعض على المستوى الفردي مؤمنا ومتدينا وذو خلق وفضائل، أما على الصعيد الجماعي فتجدهم لا يهتمون بنصرة المستضعفين والمظلومين ولا الإنتصار لهم. اللهم إلا في حالة الشينة والحرام والنهي عن المنكر، وليتهم ينهون عن المنكر فعلا ولكنهم يحومون ويعنفون غيرهم ولا يتتبعون الخيط وأصل مصدر العرق ويسيحون دمه.

فالتركيز على تغيير كثير المفاهيم المجتمعية هو بمثابة تنمية ضرس جديد لينخلع التالف الذي فوقه. أو كالمستشفى الميدانى الذي يجب ننصبه لعلاج ما طالنا من إصابات. فقد قررت شخصيًّا أن لا أضيع عمرى فى نافع قال وعلي عثمان فعل وإبراهيم الطاهر تحدث وعلي محمود صرح والبشير جا والبشير عاد..و.. فهناك من يحللون هذه الأقوال والأفعال أفضل. ولكن هي ضياع للزمن وضلالات مجتمعية لن تلتفت إليها إذا كنت تقف على أرض معرفية ثابتة ومحدد الهدف إلى أين تريد أن تمضي.

فلا تغيير سينفع بتغيير الأسطح وما بالداخل مختل ومعتل. التغيير الصحيح المستدام لن يأتي إلا بإصلاح المنظومة الاجتماعية. والمنظومة الإجتماعية لن تصلح إلا بالتعامل الإنساني وبإحترام وتقدير بعضنا لبعض والرقي في تعاملاتنا واخلاقنا. وهذا يتطلب منا فهم الدين ببساطة ودون تعقيد وإنه رحمة للعالمين. وم أنزل القرآن على طه ليشقى.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..