أخبار السودان

ما دور صندوق النقد في معالجة أزمة السودان الاقتصادية؟

محجوب محمد صالح

أكمل فريق من صندوق النقد الدولي جولته الحوارية الدورية مع مسؤولي القطاع الاقتصادي في السودان، وأصدر بياناً أكد فيه من ناحية على إحراز تقدم في إنجاز برنامج الإصلاح الاقتصادي في السودان، ونبه من ناحية أخرى إلى تحديات ما زالت تواجه اقتصاد السودان، وقد تؤدي إلى نتائج سالبة في المرحلة القادمة ما لم يتم تداركها عبر (الروشتة) المعروفة للصندوق، والتي لا تخرج في مجملها عن زيادة الضغوط الاقتصادية على المواطنين عبر تحميلهم المزيد من أعباء الأزمة.

وثمة تناقضات في النصائح التي أجزلها البيان لإصلاح الأوضاع الاقتصادية، فالصندوق يريد للسودان أن ينمي إنتاجه وصادراته غير البترولية- وهي في الأساس صادرات زراعية- ولكنه في الوقت نفسه يؤكد أن زيادة الصرف على القطاع الزراعي تحتاج زيادة في السيولة النقدية التي من شأنها أن تحدث أثراً تضخمياً ضاراً!!

كيف يوفق السودان بين هذين النقيضين: أن ينمي إنتاجه الزراعي دون أن يصرف عليه، ويوفر له مستلزماته، لأن ذلك الصرف سيؤدي إلى زيادة السيولة النقدية حتى لا يحدث تضخم وتتدنى قيمة العملة السودانية. والصندوق عندما يحذر لا يقدم مقترحاته لمعالجة هذا التناقض وكأنه يتوقع أن يحقق الاقتصاد السوداني المعجزة التي تجمع بين النقيضين.

والصندوق يدرك تماماً أن السودان مثقل بالديون الخارجية وأنه أنجز كل متطلبات الاستفادة من مبادرة تخفيف أعباء الدين الخارجي في جوانبها الفنية، وأن المشكلة التي يواجهها السودان مشكلة سياسية، وهي المشكلة التي لا تمكنه من تجاوز عقبات الدين الخارجي، وأن الأزمة السياسية لا تزال تراوح مكانها، وأنها خارج نطاق تفويضه، ولذلك لا يستطيع الصندوق أن يعالجها، وأي وعد يصدر منه بمساعدة السودان في تخفيف أعباء ديونه هو وعد مع وقف التنفيذ ما لم يعالج الأزمة السياسية، بل الأزمة تزداد حدة بسبب المقاطعات الاقتصادية وبسبب العقبات التي باتت تحاصر التحويلات المصرفية للسودان وليس أمام الصندوق ما يجب أن يفعله تجاه هاتين القضيتين!

والسودان المنهك اقتصاديا يصرف أموالاً طائلة على حروبه الداخلية، مما يزيد أزمته الاقتصادية حدة، ويزيد معاناة المواطن، ويؤدي إلى تردّي الخدمات لقلة الاعتمادات المالية المخصصة لها بعد أن تستهلك الحروب جزءاً مقدراً من عائدات الدولة، ورغم ذلك ينصح الصندوق بزيادة الضرائب مثلما ينادي برفع الدعم عن السلع الأساسية، وذلك لا يعني سوى شيء واحد: هو تحميل المواطن المرهق المزيد من الأعباء، خاصة أن أغلب حصيلة الضرائب في السودان تأتي من الضرائب غير المباشرة!

هذه النصائح التي يقدمها الصندوق ظلت تتكرر من عام لعام، ومن بعثة لأخرى، مثلما ظلت برامج الإصلاح الاقتصادي تتكرر دون أن تحدث أي تقدم، ويواصل السودان (تجريب المجرب) فلا ينال سوى استمرار الأزمة، وتكرار وصول بعثات الصندوق بصورة راتبة لتقديم نفس النصائح القديمة بوضعها في قوالب جديدة.

إن خروج السودان من أزمته الاقتصادية لا يمكن أن يتم إلا في إطار علاج شامل لأزمته السياسية ليفتح الأفق كاملاً ورحيباً أمام الداخل، وأمام العلاقة السوية مع الخارج، ويضع حلاً للتعامل مع الخارج تحرره من المقاطعات والحصار وتبني له علاقات سوية تخدم مصالحه- هذا برنامج لا يدخل في نطاق صلاحيات صندوق النقد الدولي، وهو بالضرورة مسؤولية أهل السودان وهم القادرون على إنفاذه متى صممت عزيمتهم على إنجازه وإلى أن يحدث ذلك ستظل بعثات الصندوق تغدو وتروح وتظل النصائح المكررة تترى دون أن يكون لها أثر على أرض الواقع.

البرنامج الحالي للصندوق في السودان والذي بموجبه يراقب الصندوق الأداء في برنامج الإصلاح الاقتصادي تم الاتفاق عليه في 30 مارس من العام الماضي وجرت الجولة السابقة في ديسمبر 2014، وأشار البيان الصادر آنذاك إلى أزمة الدين الخارجي التي تواجه السودان، مؤكداً أن معالجتها أمر ضروري لنجاح البرنامج، ولكن لم يحدث أي تقدم في هذا الصدد، وأكد ذلك مرة أخرى الاجتماع الذي أنهى عمله الأسبوع الماضي ولا نتوقع أي تقدم عندما يعود الفريق، آخر هذا العام ما دام المناخ السياسي الحالي سائداً!!

? [email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. يبدو ان السودان لا ياخذ المواشيع بالجدية والنظرة الجادة والا كان ناقش بجدية التناقض في توصية الصندوق
    حول الزراعة والتوصية لن تؤدي الى شئ غير خراب ما تبقى

  2. يبدو ان السودان لا ياخذ المواشيع بالجدية والنظرة الجادة والا كان ناقش بجدية التناقض في توصية الصندوق
    حول الزراعة والتوصية لن تؤدي الى شئ غير خراب ما تبقى

  3. عندما يغرقك صندوق النقد الدولي بالديون حتى الأذنين وتنفذ كل ما يمليه عليك من اصلاحات اقتصادية من قبيل رفع الدعم والزيادة في الاسعار والضرائب بغية تحقيق فائض مالي يسدد به الدين وفوائده المرتفعة عندما يتحقق كل هذا فمن الطبيعي جدا أن تتنظر تقريرا من هذه المؤسسة المالية تمجدك فيه من باب المصلحة طبعا

  4. اعراض موت الامبريالية الصهيونية
    دعوانا نعود الى اصول الديلوكيتك وقوانين الحركة في تفسير ما يحدث الان…نحن نشهد اعراض انهيار النظام الاستعماري العالمي للراسمالية الاحتكارية”الامبريالية “المدعومة من الامم المتحدة.المنتهية الصلاحية ..
    فرار برطانيا من مستنقع اليورو وغرق اليونان فيه…ونشر الفوضى الخلاقة والحروب العبثية والارهاب والارهابيين و تجار السلاح في المنطقةالعربية والافريقية ودعم النظم الفاشية…والعبث بالتناقضات الزائفة للطوباويات القومية والاسلاموية في الدول العربية..وهذه المثلوجيات هي اقنعة البنك الدولي المزيفة…
    مع اطراد مستمر في حركة الوعي الصاعد في عصر العلم والمعلومات وتقارب دول العالم الثالث نحو القوى الاشتراكية العظمى… مجموعةبريكس…سيتحقق الانتصار الاخير للاشتراكية…وميلاد “الامم الحرة”…..

    نظام الانقاذ منتهي الصلاحية ولم يلتزم سياسيا بكل التزاماته الدولية-اتفاقية نيفاشا ودستور 2005…لذلك مسالة ازالته مسالة وقت فقط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..