أخبار السودان
التسوية السياسة القادمة.. رغبة مكتومة وملامح غائبة

الخرطوم: مبارك ود السما
في ظل تباعد المواقف بين الأطراف السياسية برزت في الآونة الأخيرة مبادرات تدعو إلى الجلوس في طاولة مستديرة، تضم المكونات السياسية المدنية من أجل الخروج برؤى تضع حداً لحالة الانسداد. وبينما يرى مراقبون للساحة السياسية أن حديث البرهان عن خروج المكون العسكري مجرد مناورة سياسية، تعامل معه آخرون على أنه ملمح بارز من ملامح تسوية قادمة حتى وإن غابت تفاصيل هذه التسوية في الوقت الراهن.
البرهان بالفعل أعلن عن خروج المكون العسكري من المعادلة السياسية والعودة إلى الثكنات، ووضع الكرة في ملعب الأحزاب السياسية، إلا أن القوى الثورية اعتبرت حديث البرهان التفافاً على مطالب الثوار وأن حديثه لن يحدث أي اختراق في الأزمة السياسية، كونه قائداً للانقلاب وبذا يدعو إلى تسوية تتم برعايته.
الدعوات إلى تسوية تتم في وقت لم تبارح فيه الأزمة السياسية مكانها عقب انقلاب 25 أكتوبر، بل يرى البعض أن فرص الحل الآمن للأزمة تلاشت، بعد تعنت المكون العسكري في موقفه الانقلابي وتمسكه بالسلطة بالقوة. وترى أنه ومنذ فجر الانقلاب يسعى المكون العسكري لإحداث تسوية سياسية بحسب رؤيته ورغبته. فيما يتمسك الشارع الثوري بمختلف أجسامه وتحالفاته بلاءاته الثلاث، لا مساومة لا شرعية لا تفاوض.
بعض الأحزاب بلعت الطعم وتماهت مع خارطة العسكر وقبلت بالتسوية السياسية، فيما يرى تحالف قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي في بيان سابق أن قرارات قائد السلطة الانقلابية، هي مناورة مكشوفة وتراجع تكتيكي يَقبل ظاهرياً بمبدأ عودة الجيش للثكنات مع إفراغ هذا المبدأ من محتواه، هذا التراجع التكتيكي جاء نتيجة للمقاومة الجماهيرية المتواصلة التي بلغت أشدها في الثلاثين من يونيو، ليثبت بأن قوى الثورة تتقدم يوماً بعد يوم وأن الانقلاب يتراجع ويتقهقر ويُهزم يومياً .
وقالت إن عودة الجيش للثكنات لا تتم بفرض وصايةٍ من قائده على شكل الحكومة المدنية وآليات تشكيلها، ولا تُسقط قضايا الإصلاح الأمني والعسكري، الذي يقود لجيش واحد مهني وقومي تدمج فيه قوات الدعم السريع والحركات المسلحة وفق إطار زمني وإجراءات معلومة، وخروج المؤسسة العسكرية والأمنية من النشاط الاقتصادي والسياسي، واقتصار مهامها على الدفاع عن أمن البلاد تحت القيادة المدنية.
فيما قال عضو لجان مقاومة الخرطوم أنس التجاني أن التسوية السياسية سعت لها قوى الانقلاب منذ فترة بعيدة، وتحديداً ما قبل الانقلاب عندما أقيم ما يسمى اعتصام القصر الذي كان برعاية المكون العسكري، وكان الهدف إبعاد قوى الثورة وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي.
وتابع: بدأت التسوية تتشكل من وقت لآخر بحسب مجريات الساحة السياسية، ولو لا صمود لجان المقاومة وباقي قوى الثورة لاكتملت طبخة التسوية وفقاً لهوى الانقلابيين، لافتاً إلى أن تسوية تعد في الوقت الراهن يقف وراءها النظام البائد الذي يحرك المكون العسكري كيفما يريد وإلى أي اتجاه يسير، وأن الأحزاب التي تدعم التسويات معروفة وسبق وأن وضعت يدها في أيدي الحزب المحلول المؤتمر الوطني.
وزاد: شكل التسوية لا يخرج من إعطاء العساكر السلطة الكاملة وضمان وجودهم في الفترة الانتقالية، هذا هو الشكل الوحيد الذي ستكون عليه التسوية.
ومضي بالقول نحن كلجان مقاومة لا يعنينا أي شكل من أشكال التسوية، خطنا إسقاط الانقلاب بالمكونين العسكري والمدني. وتعهد أنس بأن الطريق نحو إسقاط الانقلاب لا رجعة فيه، وأن دماء الشهداء لا تبدل بأي تسوية إلا إسقاط الانقلاب ومحاسبة الذين أزهقوا أرواح الشهداء.
المحلل السياسي محمد الطيب يرى أن التسوية التي يجري إعدادها حالياً في الغرف المغلقة ستكون عبارة عن حكومة مدنية في الظاهر وعسكرية في الباطن، المكون العسكري سيعود شكلاً إلى ثكناته ويدير البلاد بالريموت كنترول، وقال ما يؤسف أن بعض الأحزاب قبلت بهذه الطريقة التي وضعها العسكر لإدارة البلاد ومن أجل الخروج الآمن لهم، مشيراً إلى أن التحركات السياسية التي انتظمت في البلاد عقب بيان البرهان في مطلع يوليو الجاري، من أجل إيجاد تسوية ترضي الأطراف السياسية ستجد حجر عثرة من لجان المقاومة والقوى الثورية غير الحزبية، فالتسوية الوحيدة نحو خروج البلاد من وهدتها تسلم السلطة كاملة غير منقوصة للجان المقاومة وقوى الثورة، وأن يتحمل المكون وزر أفعاله التي غرفته أيديهم في الفترة السابقة
ومضى قايلاً: غير خروج العسكر من المعادلة السياسية يبقى حديثاً للاستهلاك، فالوعي السياسي لدى الشباب الثائر يجب أن يضع نصب الأعين للذين يقفون خلف المكون العسكري سواء كانوا داخل السودان أو من المحاور الخارجية.
وتبقى التسوية القادمة رغبة مكتومة لم تكتمل ملامحها وفقاً للكثيرين الذين أدلوا بدلوهم حولها.