بين الفوائد والربا

في رسائله إلى الدكتور علي الحاج كتب الاقتصادي الكبير الأستاذ إبراهيم منعم منصور وزير المالية الأسبق مقالاً حول مفهوم الربا ومقارنته بنظام الفوائد المصرفية وقد أشار مشكوراً إلى رأي ظللت أكتبه مراراً حول هذا الأمر والفرق بين الفوائد (interest التي أراها غير ربوية و بين الربا المحرم usury بل كتبت عنه بحثاً كاملاً في كتابي (وهم الفقر) ص 180. وأتفق تماماً مع ما كتبه الاقتصادي الكبير في مقاله حول الفرق بين الإثنين أورد فيه: (أن تعبير الربا عرف منذ قديم الزمن وامتزج بالرق والاستعباد، أما نظام الفائدة المصرفية وسعر الفائدة فعرف بعد أن قامت البنوك التجارية والبنوك المركزية على وجه الخصوص، وقد أصبح سعر الفائدة في العهد الحديث أحد أدوات السياسية النقدية في توجيه الحركة الاقتصادية عموماً وحركة الاستثمار على وجه الخصوص خاصة بعد أن أصبحت معظم العملات حرة في التعامل بعد الحرب العالمية الثانية وظهور صندوق النقد الدولي ومشروع وزير خارجية أمريكا (مارشال) لإعمار أوروبا وبعده البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ثم الصناديق العربية للتنمية الاقتصادية لمساعدة إخوانهم العرب والآخرين).. أنظر مقال السيد إبراهيم بجريدة التيار العدد 2044 بتاريخ 30 أكتوبر..

لا يتطرق إليّ الشك كمسلم أن الربا حرام.. حرام.. كما ورد في القرءان الكريم بل في الأديان الأخرى ولكن السؤال ما هو الربا فالشاهد أنه لم يفصله الرسول الكريم وعلى وجه الخصوص في خطبة الوداع حين وضع ربا عمه العباس وقال عمر إبن الخطاب أن الرسول لم يشرح ويفصل لهم الربا.. ولكن ظهر عقب ذلك تياران متعارضان في أمر الربا، فالمتشددون في أمره توسعوا في دائرته حتى طغى على كثير من ضروب الكسب والنشاط الاقتصادي، أما المضيقون للربا أي (المتلطفون) فيحصرونه في دائرة محدودة لا يتجاوزونها. وقال إبن الخطاب: دعو الربا والريبة والله لا ندري لعلنا نأمركم بأمور لا تصلح لدنياكم وننهاكم عن أمور تصلح لكم، وقال خفت أن نكون قد زدنا في الربا عشرة أضعافه بمخافته وتركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا.

قيل أن من المضيقين المتلطفين في شأن الربا المعارض للتيار المتشدد الصحابي الجليل عبد الله بن عباس الذي يقصر الربا في الذي كان سائداً في الجاهلية فقط ونزل فيه القرءان ولكن يبدو أن التيار المتشدد الذي توسع في مفهوم الربا قد جرف هذا التيار المتلطف فكانت له الغلبة.. ولكن قيل إن بعض الفقهاء ومنهم إبن رشد حاولوا كسر حدة ذلك التطرف فميزوا بين ربا النسيئة وجعلوه هو الربا الجلي والقطعي وهو حرام لذاته وميزوه بين ربا الفضل وقالوا هو الربا الخفي غير القطعي وهو حرام أيضا ولكن ليس لذاته بل ذريعة إلى ربا النسيئة فتحريمه من باب سد الذرائع وقالوا إن ربا الجاهلية وحده هو المحرم لذاته وذلك حين يأتي الدائن للمدين ليأخذ ماله ويعجز المدين فيقول الدائن للمدين: تقضي أو أزدك فيضاعف له الدين بعد أن يمد له في المدة فإذا عجز المدين بعد ذلك تماماً فقد يستعبده الدائن أو أحد أبنائه فذلك هو الاستغلال والابتزاز والظلم المحرم الذي حرمه القرءان ولعله أحد أسباب الرق الذي حاربه الإسلام بوسائل كثيرة منها الكفارات.

قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة).

وهناك أسباب أخرى تجعل من مفهوم الفائدة غير الربا نتعرض إليها لاحقاً إن شاء الله.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..