مقالات سياسية

مسار جدة هو مجرد ابرة مخدرة لكن البعض لا يصدق

عثمان بابكر محجوب

لَم يَبقَ شَيءٌ مِنَ الدُنيا بِأَيدينا **** إِلّا بَقِيَّةُ دَمعٍ في مَآقينا
حَتّى غَدَونا وَلا جاهٌ وَلا نَشَبٌ **** وَلا صَديقٌ وَلا خِلُّ يُواسينا

يعبر هذان البيتان من الشعر عن حالتنا في السودان باختصار، لكن بما ان اليأس لم يكن يوما موقفا عقلانيا كذلك الامر فان فرط التفاؤل يؤدي الى الغرق في الوهم ، هذا الوهم الذي أدى بنا الى نوع من الهستيريا الجماعية باعتبار مسار جدة هو طريق الخلاص وبذلك ننسى ان قائد اوركسترا هذه الحرب هو من ابتدع لنا مسارجدة اعني بذلك الطرف الاميركي ، وكي لن نقع ضحية تصورات مرضية عن فصل سابع يطبق او عاشر ومايليه من أرقام لا بد من التوقف عند مواقف اميركا القديمة وموقفها من هذه الحرب منذ اندلاعها ففور اندلاع هذه الحرب اطلقت اميركا صفارة الانذار وتوالى رحيل السفارات والمنظمات الدولية والاجانب عن الخرطوم وهذا يدل على ان أميركا ادركت ان الحرب طويلة وغبي من يظن غير ذلك ولماذا ادركت ان الحرب طويلة لانها هي تريدها ان تكون طويلة حيث انه بعد أيام قليلة على اندلاع الحرب، نشر المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى منطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان مقالا في صحيفة واشنطن بوست قال فيه ان هذه الحرب دليل على أن “الجنرالات لا يمكن الوثوق بهم” وأن ما تبقى هو” انتظار أي جنرال سيربح”. من يقرأ هذا التصريح كشاهد عيان على حرب مستمرة منذ اكثر من خمسة أشهر لا يراوده ادنى شك من ان الموقف الاميركي الحقيقي هوالتغاضي عن استمرار الحرب والكليعرف ان فيلتمان ليس صحافي حتى لا يؤخذ كلامه على محمل جد بل هو عبر عن موقف الادارة الاميركية بالضبط وما يؤكد ذلك هو وضع مسار جدة في الثلاجة .اذن لسنا بحاجة الى تدبيج مقالات كثيرة حتى نثبت ان الموقف الاميركي هو ” بل بس” لكن بصيغة فيلتمان ” وأن ما تبقى هو انتظار أي جنرال سيربح” وعلى الرغم من وضوح النوايا الاميركية اتجاه السودان هناك ابواق تروج لوجهة نظر تدعي من خلالها ان الموقف الاميركي تغير نحو اعتبار البرهان ممثلا للحكم الشرعي بعد ان كانت اميركا تساوي بين الجيش والدعم السريع في هذه الحرب . ويعلل اصحاب وجهة النظرهذا التحول بعدة امور منها :

– منح البرهان تاشيرة دخول الى الولايات المتحدة والقاء خطاب امام مجلس الامن الدولي .
– حصر العقوبات ذات الطابع السياسي بفلول البشير عبر العقوبات على علي كرتي بتهمة عرقلة جهود التفاوض وعلى شقيق حميدتي بتهمة ارتكاب مجازر وبالتالي يكون الجيش بمثابة الحمل الوديع
وتتم تبرئة ذمة البرهان من قتل وسفك وتشريد الشعب السوداني .
– مساعدة ضحايا الحرب بـ130 مليون دولار، وهو أكبر مبلغ تقدمه واشنطن لمساعدة السودانيين في تاريخها .
– اعطاء الضوء الاخضرلقوات خاصة أوكرانية بضرب 14 هدفًا تتبع للدعم السريع وفاغنر في السودان .
– غض الطرف عن الشبهات حول دورمصري في دعم البرهان عسكريا ولوجستيا .

– تبدل الموقف الاميركي من حميدتي من ايجابي الى سلبي فبعد ان كانت تستفيد منه لصالح مجموعة الحرية والتغيير وتستخدمه في مكافحة الهجرة غير الشرعية وجدت ان حميدتي ليس على استعداد بان يتخلى عن علاقته بفاغنر وبالتالي هذا يتعارض كليا مع استراتيجية اميركا بتقليم اظافر روسيا في السودان وعموم أفريقيا . لكن هذه الرؤية لا تمت للواقع بصلة لانه لو كان صحيحا ان اميركا بدلت موقفها من البرهان لكان بامكانها الضغط عليه للعودة الى جدة لاحياء هذا المسار .

وهي عمليا لا تريد تفعيل هذا المسار بل هو مجرد شماعة تخفي خلفه موقفها الحقيقي من الحرب وبالتالي ليس في صالح خطتها حول السودان الانحياز لاي طرف بل يناسبها ان تكون على مسافة متساوية من الطرفين كي تستمر هذه الحرب وما العقوبات سوى كما يقول أهل الشام ” ضربة على الحافر ، ضربة على المسمار ” وهناك امر حصل اليوم هو انه ومع ” طوفان الاقصى ” اعلنت وزارة الخارجية عن عودة العلاقات مع ايران الى طبيعتها مع تبادل قريب للسفراء ولا نظن ان في هذا التوقيت صدفة بل يتشابه هذا الحدث مع حدث سابق حيث انه بعد اعلان “صفقة القرن ” مباشرة اجتمع البرهان مع نتنياهو واعلن عن نيته الدخول في مسار التطبيع مع اسرائيل ويبدو من اختيار هذا التوقيت للاعلان عن عودة العلاقات مع ايران هو اعلان عن نية البرهان الانتماء الى معسكر الممانعة بعد ان يأس من شح المساعدات التي تقدمه له دول الجوار الدائرة في الفلك الاميركي وبالتالي هذا يثبت ان اميركا لم تبدل موقفها من الجيش وعلى رأسه البرهان . اضافة الى ذلك نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية خبرا مفاده ان امارات ود زايد تدير عملية سرية لدعم قوات “حميدتي”، في حربها ضد قوات الجيش السوداني.‏ حيث ان الطيران الإماراتي يهبط في في مطار في بلدة نائية على الحدود ‏مع تشاد بشكل شبه يومي، بذريعة تنفيذ عمليات إغاثة للاجئين وعلاج مصابي قوات الدعم، ونقل الإصابات الخطيرة إلى مستشفيات الإمارات.‏ لكنه بالفعل ينقل اسلحة والدليل أن مقاتلي الدعم السريع استخدموا صواريخ من نوع “كورنيت” زودتهم بها ‏الإمارات، لمهاجمة سلاح المدرعات في الخرطوم.‏ ومن المعروف ان الامارات هي من دول الامر بالمعروف الاسرائيلي ولا يمكن ان تدعم حميدتي دون ضوء اخضر اميركي- اسرائيلي . ناهيك عن التصريحات النارية لرئيس وزراء اثيوبيا ورئيس كينيا المشهورة والمنحازة الى حميدتي وهاتان الدولتان من وكلاء اميركا في القارة الافريقية . لكن من الممكن ان الود التي ابدته اتجاه البرهان هدفه اضعاف الدعم السريع، الى مستوى الضعف الذي بلغه الجيش لتحقيق هدفها النهائي بضرب وحدة السودان . (والتتمة في مقال قادم )

كسرة: هناك حقيقة علمية في مجال الطب النفسي تقول ان انفصام الشخصية يحدث بسبب الافراط بتناول المعلبات وللاسف فان البرهان خلال خدمته العسكرية تناول الكثير منها.

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. بن سلمان لايسمح بوجود حكومه مدنيه لايسمح لجيش الاخوان بالانتصار ولايريد ان يفقد احد من مصدري المرتزقه الرخيصين.
    و لايسمح بنجاح حميرتي. ولا يترك الامريكان لحل مشكلة السوان. أصعب معادلة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..