أوقفوا جريمة حرق وطرد سكان (الكنابي) بولاية الجزيرة

الكنابي جمع (كمبو) في مشروع الجزيرة هو عبارة عن تجمع لعمال موسميين سودانيين الكثير منهم من خارج ولاية الجزيرة والغالبية العظمى منهم يأتون من ولايات غرب السودان ويعملون في الزراعة بمشروع الجزيرة واستقر بهم الحال وشيدوا منازلهم وتزاوجوا وأنجبوا البنين والبنات وتعلموا ومنهم من تخرج من الجامعات والبعض منهم دخل معترك الحياة العملية في أحد الوظائف الحكومية وبالرغم من ذلك لم يتخلوا عن الزراعة هذا بإختصار شديد عن التعريف (بالكنابي) المنتشرة في مشروع الجزيرة التي تتعرض الآن إلى هجمة شرسة من بعض الطفيليين. بعد كل هذه السنيين يتم إصدار الطرد من هذا المكان بكل سهولة ومن غير تقديم بديل إليهم يتفاوضون عليه وإلا سيتم حرق الكمبو وتدمير جميع ممتلكات ساكنيه فوق رؤوس أصحابها والأدهى وأمر على مرأى ومسمع شرطة المنطقة كما حدث في كمبو(مدودو) وكمبو (115) وقرية (تكلة محمد زين) وآخر هذه الجرائم هي حرق كمبو (أفطس) الأسبوع الماضي وهذه الجرائم ستستمر إن لم تجد من يردعها ويوقفها , فما ذنب الأطفال والنساء في جريمة أو سلوك مشين قام به بعض من ساكني الكمبو . فلماذا يبيتون الأطفال والنساء في العراء ويخسرون كل ممتلكاتهم بلا ذنب أو جريمة اقترفوها فهذا العقاب الجماعي أو المسئولية الجماعية لا تشجع فقط على الإرهاب إنما تمثل المعنى الحقيقي للظلم والعنصرية
في العصور البدائية عاشت الإنسانية مرحلة المسئولية الجماعية، بمعنى إذا ارتكب فرد من قبيلة جريمة كان العقاب يحل بأفراد القبيلة جميعا كما حدث في حرب البسوس وداحس والغبراء إستمرت سنيين ومات فيها ألاف الأنفس باعتبار الجميع مسؤول عن أفعال كل فرد فيهم !! ثم تطورت الإنسانية وأقيمت دولة القانون التي استبدلت المسئولية الفردية بالجماعية فصار كل شخص مسئولا فقط عن أفعاله وليس عن أفعال سواه حتى لو اشترك معه في الدين أو الجنسية أو القبيلة .
لكن للأسف لم يحدث لنا هذا التطور لقد تطورنا في بناء العمائر الشاهقة وتحسنت الخدمات ونستعمل الأجهزة الحديثة ، فهذه من ظواهر المدنية وليست من الحضارة في شيء والتي تعتمد في جوهرها على تحضر السلوك والتفكير فما زلنا نعيش في عصور داحس والغبراء
مثال يوضح كيف تفكر الدول المتحضرة : شابا مسلما يقود سيارة ويدهس المارة عشوائيا أو يفتح النار على الجالسين في مقهى في دولة غربية فيقتلهم جميعا وهو لا يعرفهم ولا يعرفونه ولم يلتقيهم في حياته فلماذا ؟ الإجابة هي أن هذا الشاب يعتبر ضحاياه الغربيين مسئولين عن الجرائم التي ارتكبها بعض الجنود الغربيين ضد المسلمين. إنه يعتبر أي مواطن غربي في أى مكان مسئولا عن جرائم الجيش الأمريكي مثلا ضد المسلمين في افغانستان أو العراق.. هذا النمط من التفكير الذى يعتمد المسئولية الجماعية لمجموعة من الناس وفقا للجنس أو الدين يمثل علامة على السلوك الهمجي فلا فرق بين هذا المهؤوس وبين من يحرقون (الكنابي)..عندما تحدث عملية إرهابية من المهاجرين المسلمين في الدول المتحضرة كما حدث في فرنسا يتم القبض على أفراد أسرة الإرهابي كتحفظ وإستجواب يساعد في القبض على الجاني الذي هرب وسرعان ما يتم الإفراج عنهم لأنهم لايتحملون أدنى مسئولية عن جريمة ارتكبها إبنهم وما زال النقاش الدائر الآن في الغرب بشأن المهاجرين المسلمين يعكس، في جوهره، اختلافا حول مسئولية المسلمين ان كانت جماعية أم فردية.. بينما تقف أحزاب اليسار وجماعات حقوق الإنسان ضد اليمين المتطرف فيدافعون عن مبدأ المسئولية الفردية ويؤكدون أن كون الإنسان مسلما ليس سببا كافيا لأن يكون مسئولا عن الإرهاب بأي شكل. فلو كان الذي ذاقه الغرب من المسلمين حدث في دولة متخلفة تعتمد على المسؤولية الجماعية لحرقت جميع بيوت ومساكن الذين ينتمون دينيا لهذا الجاني ومن نجأ منهم يتم سحله في الشوارع
نتفهم إنزعاج سكان القرى المجاورة للكمبو من تفلتات البعض ولكن ما لا نتفهمه العقاب الجماعي الذي تمارسه السلطات الحكومية والتي من واجبها المساواة بين الناس وبسط الأمن والأمان والطمانينة بينهم , فهل عجزت الأجهزة الأمنية من ضبط الأمن في الكمبو ؟ أم أنهم لا يستحقون الإجتهاد في كشف المجرمين والمخربين وتقديمهم للعدالة لكي نعفيهم من العقاب الجماعي ؟ فهؤلاء مواطنون سودانيون يحملون الجنسية السودانية ومن حقهم السكن في أي بقعة من أرض الوطن طبعا حسب النظام والقانون ولكن تغض الطرف عنهم عشرات السنيين ثم تصحى بين عشية وضحاها وتصدر قانونك الجائر وتجبرهم على ترك منازلهم بدون أي بديل أي قانون هذا وأي دولة هذه ؟؟
سؤال : كيف كان شعورك عزيزي القارئ عندما اعتمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرة المسئولية الجماعية فأراد أن يمنع المسلمين من دخول أمريكا لأنه يعتبرهم مسئولين ضمنا عن الإرهاب، بينما كان موقف المحاكم الأمريكية واضحا في الدفاع عن المسئولية الفردية فأبطلت قرارات ترامب لأنها مخالفة للدستور الأمريكي وأبسط قواعد العدالة التى تمنع أي عقاب جماعي لمجموعة من الناس على جرائم لم يرتكبوها فكم كانت سعادتك عندما تعرفت على قرار المحكمة التي أبطلت قرار رئيس أمريكا ؟ بالرغم من أنك لم تكن من مواطني هذا البلد ولا من المقيمين فيه ولكن إحساس النصر للعدالة والإنسانية لا يوصف فلماذا لا تنتصر للإنسانية اليوم ؟ فالمبادئ لا تتجزأ
فكرة المسئولية الجماعية ليست منتشرة فقط بين الشعب وإنما تشكل أساسا لتفكير النظام والجرائم التي تمارس في حق مواطني هذه الكنابي تمارس أيضا في دارفور وجبال النوبة تحرق القرى ويقتل الرجال والنساء ويشردوا من قراءهم بسبب أفعال أفراد دخلوا هذه القرية أو يشتبه بوجودهم في هذا المكان !!!.
لا يمكن أن نكون متحضرين أو نبني دولة المواطنة إلا إذا تخلينا عن فكرة المسئولية الجماعية وصارت المسئولية الفردية طريقتنا الوحيدة في الحكم على الناس، سنكون متحضرين فقط إذا اعتبرنا كل فرد مسئولا فقط عن تصرفاته بغض النظر عن دينه أو جنسه أو قبيلته أو موقفه الفكري والسياسي. لا تتحقق الحضارة إلا بإقامة دولة القانون والديمقراطية.
[email][email protected][/email]