رماز تضع بصمتها على ” أعطف علي ياريم “

ذات مساء، وقبل أكثر من عام، جلسنا وزميلي الصحافي والشاعر النحرير أسامة علي سليمان في صالة التحرير ” الدسك” عقب نهاية يوم شاق جبنا فيه كل الأماكن والعواصم ونحن نقلب بين أيدينا أحداث العالم ومراسلات زملائنا الصحافيين، ففتحت وأسامة نقاشا كثيرا ما نفعله، وقد كان في ذلك المساء حول رائعة صالح عبد السيد أبوصلاح ” أعطف علي ياريم” التي سكب عليها عبقري الألحان “كرومة” ذاك اللحن الساحر الشفيف الشجي، والذي جعل من الأغنية تحفة حلوة الإبداع تُسكر الوجدان طربا.
اقترحت على أسامة أن ندلف إلى “اليوتيوب” ولكن قبل ذلك نغشى عمنا “قوقل” ونقف على كل الذين تغنوا بهذه “التحفة” لنقف على أفضل من تفوق على كل من أداها ، وكانت دهشتنا أن هناك طابور طويل من الذين تغنوا بهذه “التحفة ” منذ فترة الحقيبة “سرور وكرومة والأمين برهان” وحتى وصلت إلى جيل العمالقة من كبار الفنانيين، وصولا إلى جيل الطيب مدثر وأحمد بركات وعاصم البناء ومن ثم إلى جيل علي ساجوري ومامون سوار الذهب .
لا أكذبكم لم يستطع أحد من بين كل هؤلاء أن يضع عليها بصمته التي وضعها كرومة، إلا ذاك الفنان المغمور الفاضل أحمد والذي ذكره زميلي الأستاذ معاوية يس في كتابه تاريخ الغناء والموسيقى في السودان، وقد كان فنان صاحب حنجرة تطريبية مميزة، ومع ذلك يكاد الكثير الكثير من الشعب السوداني لا يعرف عنه شيئا بالرغم من أنه سجل العديد من أسطوانات أغاني الحقيبة الخالدة، ومع ذلك كما قال معاوية لم يجد حظه من الشهرة أو الانتشار.
أمس الأول ووسط كل هذا الصخب والضجيج الذي “صجه” آذاننا ولوث أسماعنا وظل ينحر في رائعة أبوصلاح وكرومة “أعطف علي ياريم” أهدتنا وسائط منصات التواصل الاجتماعي، “رماز” تلك الانثى الصغيرة التي خرج إلينا صوتها من بين خرير المياه وهدير السيول ، وقد امتلاء تطريبا واحساسا وإبداعا؛ ومن حيث لا تدري ولا ندري وضعت بصمتها علي تلك ” التحفة ” دون أن ترافقها محسنات الصوت الرقمي ومعالجات توزيع النبرات الصوتية و الأساليب الحديثة في توزيع الموسيقى، وخوارزميات التسجيل الرقمي. فجاءنا صاف كما الطبيعة التي جلست بجانبها فحلقت بناء في عوالم من الدهشة والإمتاع دون حتى ميكرفون، فوصل إلينا إحساسها وصوتها الدافي على طبيعته لا ترافقه أي خصائص رقمية.
في كثير من دول العالم يبحث الإعلام عن الأحداث التي تحدث حراكا، أو تلك التي يتفاعل معها الناس، ليعيد إنتاجها بشكل جديد لمزيد من الاستقصاء والمتابعة، إلا في السودان يلهث إعلامنا خلف ” مواسير ” المؤتمر الوطني لينتج لشعبنا المزيد من الآلام والمعاناة والإحباطات .
لو كنت حسن فضل المولى “جنرال” النيل الأزرق، أو الطاهر التوم قائد سودانية 24 لبعثت فريقا من المعدين و المنتجين والمصورين ليجلسوا إلى تلك الأسرة وفي ذات المكان، ويديروا معها حوارا تكون تفاصيله من رحم تلك المعاناة التي خرجت للناس كل هذا الإبداع العفوي .. وحتى يذهب “مواسير” المؤتمر الوطني إلى الحجيم، سنظل نتحلق خلف “السوشيال ميديا “.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. فعلا كان صوت الفتاة شجيا ومطربا رغم المأساة الماثلة أمامنا بما أحدثته الأمطار من تدمير لسكن الأسرة ..
    الفتاة ووالدها وهما يجلسان بتلك الحنية ويتناسيان همومها بالغناء رغم الفاجعة تشكل ملمحا آخرا للإنسان السودانى البسيط وهو يجابه قدره أمام عنفوان الطبيعةو المياه الهادرة المتدفقة وبرودة الطقس ..
    تلك المأساة لو كان في بلادنا من يقدرها لكانت حدثا ملهما ونافذة إبداع تهب على كل الأجناس الثقافية والأدبية ,,, الشعر والمسرح والغناء والتطريب بل والدراسات الأنثروبلوجية للبحث عن هذا السر الكامن في الإنسان السودانى البسيط في ملهاة التراجيديا
    بل والمأساة بكل ما تعنى من أشكال ..

  2. فعلا كان صوت الفتاة شجيا ومطربا رغم المأساة الماثلة أمامنا بما أحدثته الأمطار من تدمير لسكن الأسرة ..
    الفتاة ووالدها وهما يجلسان بتلك الحنية ويتناسيان همومها بالغناء رغم الفاجعة تشكل ملمحا آخرا للإنسان السودانى البسيط وهو يجابه قدره أمام عنفوان الطبيعةو المياه الهادرة المتدفقة وبرودة الطقس ..
    تلك المأساة لو كان في بلادنا من يقدرها لكانت حدثا ملهما ونافذة إبداع تهب على كل الأجناس الثقافية والأدبية ,,, الشعر والمسرح والغناء والتطريب بل والدراسات الأنثروبلوجية للبحث عن هذا السر الكامن في الإنسان السودانى البسيط في ملهاة التراجيديا
    بل والمأساة بكل ما تعنى من أشكال ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..