إفهموا دارفور .. (1)

إفهموا دارفور .. (1)
اسماعيل عبد الله
[email][email protected][/email]
لم يكن اهل السودان يعرفون عن هذا الاقليم الكبير المساحة و الكثيف السكان والغنى الموارد و المتعدد الثقافات و الاعراق و اللغات سوى اليسير الذى توفره لهم وسائل الاعلام المحلية بشح و اهمال تامين , حتى اندلعت الحرب و طفح الى السطح ملمح ازمة مستحكمة شغلت العقول و استفزت الافكار و الاشخاص و جعلت المفكرين من ابناء السودان يعيدون البصر كرتين حتى يعرفوا ما هو جارٍ و حادثٍ و مشتعلٍ على الارض و داخل الانسان هنالك ,والانسان بطبعه عدو لما يجهل و كسول فى البحث والتنقيب عن الحقائق و يفضل الجاهز من الخدمات المعرفية فيقوم بالاعتماد عليها دون تمحيص ولا تنقيح فيبتلعها كما هى وكما طرحها كاتبها او قائلها الذى لا يستبعد منه الغرض فيما يذهب اليه ويتجه , لقد حصرت نوافذ اعلامنا المرئى و المسموع والمقروء جهدها فى تنميط وتعميم مفاهيم صارت من المسلمات لدى المتلقى البسيط عن دارفور وانسانها , و من ثم تحجرت هذه المفايهم فى عقول هؤلاء المساكين و اصبحت مرتكزات و موجهات لسلوكهم وتعاملاتهم و تفاعلهم مع بعضهم و مع الآخر , لقد صنع اعلام الدولة السودانية صورة نمطية للانسان الدارفورى من خلالها يتم التعريف به , هذه الصورة النمطية اهملت جوانب عدة لم تتطرق لها و ثقافات كثيرة لم تعكس فعالياتها عبر المؤسسات التى يفترض ان تكون قومية قولاً و عملاً وهى الاذاعة و القناة الفضائية , كل هذه الاخفاقات جعلت من دارفور امراً محيراً و غريباً خاصة بعد ان تم تناول أزمة الاقليم أعلامياً على المستوى العالمى , فشل ابناء الوطن فى التعريف بأس الداء , فتارة يقولون ان سبب المعضلة هو صراع بين الراعى و المزارع و مرات ينسبون الدمار و الخراب الى شيخ الاسلاميين فى السودان فيحملّونه وزر االلعنة التى حلّت بالاقليم الشهير بخدمته الدائمة والدائبة لشعائر الدين الاسلامى عبر القرون , وعندما يُقحمون و يُفحمون من قِبل مراسلوا الصحف الاقليمية و الدولية بالاسئلة الموجعة يذهبون فى تبريراتهم الى الاسطوانة المشروخة الا وهى نظرية المؤامرة وبكل بساطة ينسبون سبب انتكاستهم وفشلهم من اوله والى آخره الى شئ اسمه (الأستهداف الخارجى) , كل هذا التخبط مرجعه الجهل بالشئ والمكابرة و التعامى عن رؤية الحقيقة المُرة.
(دارفور) هذا الاسم الذى له وقع كبير فى نفوس اهله لا يعرف مدلولاته الا من ترعرع فى السهول و الوديان و التلال و الجبال و الغابات التى بسطها الخالق سبحانه وتعالى على ارضها المميزة و المدهشة و الطيبة , انها تراكم لممالك و سلطنات عريقة جذورها ضاربة فى القدم و الاصالة , مملكة الداجو أسألوا عنها الالمان الذين زاروا مخابئ آثارها و كتبوا عن التطور الادارى و الانسانى الذى عاشته فى ذلك الزمان البعيد والعميق , وأيضاً من الممالك التى لها اسهام أنسانى كبير مملكة التنجر التى تعتبر صاحبة الامتياز فى انتاج قانون (دالى) القانون الذى ينظم علاقات الانسان الثلاث ? علاقته بربه ? علاقته باخيه الانسان ? علاقته بالحيوان . أما سلطنة الفور تعتبر الدولة الدارفورية الوحيدة التى أرست دعائم الكيان الدارفورى الحاضر و ذلك نتيجةً لطول أمدها و محافظتها على حدودها وارضها التى بها تقسيمات ادارية داخلية تسمى الحواكير ومفردها حاكورة , وهذا المصطلح (الحاكورة) يلفت انتباهنا الى أن الاقليم الاوحد فى السودان الذى به نظام محكم فى أدارة ملكية الارض و الانتفاع بها و له قوانين عرفية فاعلة ومنظمة لهذه الملكية او المنفعة هو اقليم دارفور , ان النظام الادارى الذى تعتمد عليه شعوب دارفور هو نتاج لتجارب حضارية طويلة ومتراكمة نوصى وننصح بأن تكون مرجعاً لطلاب القانون فى دراساتهم وابحاثهم واجتهاداتهم . لقد بلغ عدد سلاطين دارفور (26) ستة وعشرون سلطاناً خلال عهدها الاول من العام 1445م الى 1875 م , وكان اكثر سلاطينها شهرة هم : السلطان عمر الثانى (بن محمد دورة) , السلطان تيراب , السلطان عبد الرحمن , السلطان محمد الفضل , السلطان ابراهيم .
حَكم سلطنة الفور السلطان عمر الثانى من العام 1757م الى 1764 م , وهو عمر بن السلطان محمد دورة بن السلطان احمد ابكر, كان ولياً للعهد قبل وفاة والده , وكان الاكثر عدلاً بين سلاطين دارفور ,اشتهر بتمسكه بالشريعة الاسلامية وتطبيقها كما عرف عنه زهده فى السلطة فلم يكن شغوفاً بها حتى انه رفض اعتلاء عرش السلطنة بعد وفاة والده غير ان الناس قد اجمعوا عليه و اجبروه على ان يكون سلطاناً عليهم لكنه اشترط عليهم البيعة و التعاهد و التواثق على تحقيق العدالة, وعلى أن تأمن المرأة الضعيفة فى السلطنة على نفسها وممتلكاتها سواء بسواء مع اكثر الرجال مالاً و قوة فى المجتمع ,ثم من بعد ذلك قَبِل السلطان عمر الثانى ان يكون سلطاناً على قومه , من القصص التى تحكى عن عدله انه كان هنالك ثلاثون حاكماً من حكام مقاطعاته نما الى علمه فسادهم المالى و الادارى و بعدما تحقق من ذلك و تأكد من ارتكابهم لتلك التجاوزات قام بذبحهم جميعاً كالخراف على ابواب قصره عظة لمن يتولى الشأن العام و الوظيفة القومية المتعلقة بتحقيق مصالح الرعية , بهذه التضحية اعتدل الامر و ساد العدل السلطنة و احس الفقير والغنى بالامان و حل الرخاء و الخير والبركة ديار السلطنة ومقاطعاتها و هطلت الامطار فكان الحصاد وفيراً واصبحت الابل و الاغنام والابقار تضع مولودها توأم , كانت ظاهرة مذهلة اصابت الناس بالاستغراب و الدهشة , ومن شدّة انصاف و عدل هذا السلطان اطلق عليه الناس لقب (سَرف) و السَرف يعنى المياه المنجرفة بكثافة من الينابيع .
لا شك فى ان امانة السلطان وولى الامر ونزاهته هى الفيصل فى نمو وازدهار المجتمعات وبما ان العدل و كل القيم النبيلة لا تبلى ولا تتقادم فان من بين مئات الحكام و رؤساء الدول المتعاقبين على كرسى السلطة يطل على الناس حاكماً عادلاً يغير منظومة المفاهيم الباطلة و القيم المتردية لدى الرعية رأساً على عقب, ويثبت لهم بالدليل العملى ان الرب لن يترك عباده لقمة سائغة للظالمين منهم , لقد وصل بنا الحال فى سوداننا الحبيب ان اصبح (السارق) هو الشريف والشهم وفارس الحوبة ,وبات الاصفياء و الاتقياء مبعثرين على ارصفة الشوارع و الازقة , فهل لنا برجل رشيد مثل عمر الثانى الدارفورى الذى ازال الغُبن عن نفوس كريمات وماجدات بلاده فى ذلك الزمان الجميل ؟ اللهم أأت لنا بحاكم يعيد لنا سيرتنا الاولى و معه نضع الايدى متراصات بعضها فوق بعض لنعيد لنسائنا كرامتهن التى امتهنت فى مواخير القاهرة ودمشق ودبى؟؟؟!!!
اسماعيل عبد الله
[email][email protected][/email]
فى شنو عشان يفهموا؟؟ ناسهم ماكلين وشاربين وكل المنظمات الاسلامية والغير اسلامية مهتمة بيهم اكثر من باقى الولايات الاخرى