“البلوكات” بدلاً عن الطوب: بين دوامين.. ونسة مع العمال وشكوى من السكان

أم درمان – عثمان عوض السيد
إن كنت داخل إحدى الحافلات، التي تمر قبالة مدينة النخيل بأم درمان، ستلحظ بلا جهد العمران والتصميم الجيّد لمعظم صروح المنطقة التي نهضت حديثاً. ما يلفت الانتباه كذلك أنّ المدخل الذي يطل على الشارع الرئيسي تحيط به العديد من المصانع اليدويّة، ذات الماكينات الصغيرة للبلوك. حسناً؛ انتباهي للملاحظات أعلاه، مع إحساس يعتمل بدخيلتي بوجود عمل صحفي -ربّما- حول المكان، هذا الإحساس جعلني أترجّل عن الحافلة التي كنت أحكي عنها في المفتتح، لأتوجّه من فوري صوب هذه المصانع. دلفت إلى أول مصنع؛ كانت توجد فيه ماكينتان لقوالب البلوك، وقد أخذ العمال قسطاً من الراحة بعد مجهود في العمل في عزّ الهجير.. تجاذبت معهم أطراف الحديث حول العمل في (البلوكات)، وانتشارها في الآونة الأخيرة بشكل يجعلك تطرح عدداً من التساؤلات عن الاستثمار في مصانع بهذه الكيفيّة؛ هل هي ذات فائدة إلى الحد الذي يجعل بعض المستثمرين الأجانب يتجهون إليها في السودان؟ وهل هنالك عدد من المواطنين اتجهوا نحو هذه المصانع للاستثمار فيها؟ إلى ما عداها من ونسة.
كان معظم العمال قد دخلوا في استراحة، بل أن بعضهم راح في سبات عميق بعد عمل مضن.. أحدهم كان قد دلف لتوه ويبحث عن جانب يتكيء فيه متوخياً قيلولته. غادرت أسئلتي عاليه واستفسرته بدلاً عنها حول المبلغ الذي يتقاضاه في المصنع؟.. قال لي إن معظم المصانع التي عمل بها تتبع أسلوب الإنتاج بالأسبوع، ويبلغ حوالي (250-260) جنيهاً، وتزيد حسب الإنتاجية، كما يوفر لهم صاحب المصنع السكن، لأن العمل في تلك المصانع يتطلب عدم مغادرة المصنع.
محدّثي أخبرني عن تقسيم العمل حيث يقوم كل منهم بمهمة؛ ثمة من يضطلع بتعبئة الرمل، وآخر يقوم بالعمل في (الملطم)، وجزء يقوم بالإشراف على القوالب التي تخرج “البلوك”، وهنالك من يرش البلوك بالماء باستمرار.
أحد المشرفين على المصنع حدثني عن أنّ البلوك يوفر المال مقارنة بالطوب الأحمر، ولكن يظل الطوب الأحمر هو الأفضل بكل صراحة، و(قوي)، لكنه مكلف، وله عيوب عند التصنيع منها التلوث البيئي الذي ينتج عن الطوب الأحمر عند الحرق، لذا لجأ بعض المستثمرين إلى البدائل.
عرفت من مضيفيّ، الذين دهمت عليهم وقت راحتهم أنّ الاستثمار في البلوك بدأ ينتشر في عدد من المناطق داخل الخرطوم وخارجها، ومعظم المصانع التي ظهرت حديثاً هي في الغالب ملك للمستثمرين الأتراك، وقال لي أحد المشرفين ويدعى عبدالله: إنّ الاستثمار في البلوك يحتاج إلى رأس مال.. إذا كانت الأرض ملكاً لصاحب المصنع، فإنّ العائد المادي للمصنع يكون ضخماً، أما إذا كانت قطعة الأرض مستأجرة، فإن معظم الإنتاج سيذهب لصاحب الأرض.. يضيف آخر أعجبه مسار تعريف الآخرين بمهامهم وأعمالهم: إذا كانت الجهة التي فيها المصانع في أطراف المدن فإن الإيجار سيكون رمزياً. أحد المديرين الإداريين ويدعى حافظ عبد الله أشار إلى أن المصانع تحتاج إلى 640 قطعة بلوك، لأن حجم البلوك مقاس 20 في 40، وهذا ما جعل المواطنين يتجهون نحو البلوكات. حافظ أكد أن الأرض التي يقومون باستئجارها تساوي مساحة 2000 متر بمبلغ قدره أربعة آلاف جنيه (أربعة ملايين بالقديم)، أما من جهة سكان مدينة (النخيل) فالبعض يرى أن انتشار المصانع في مدخل المدينة يمثل فرص عمالة لبعض المواطنين، وأضاف: أما البعض الآخر فيرى أن مصانع بهذا الشكل يجب أن تكون بأطراف المدن وليس بداخلها.
أحد سكان مدينة (النخيل) عثمان قسم الله أكد لنا إنّ هؤلاء الذين يستغلون الأراضي في واجهات الحي ليس ملاكها، وبعضهم يستغلونها عشوائياً، وأنّ تلك المصانع تشوه منظر الحي، والحي ليس مستفيداً منهم في شيء، وإنما المحلية هي المستفيد من قيام هذه المصانع.
واتفق دفع الله محمد حامد مع سابقه وأضاف: معظم الذين يقدمون على هذه المصانع من المناطق الأخرى، وقد منعنا أحد المصانع بالعمل ليلاً لأن أصوات ماكينات القوالب تزعج السكان
اليوم التالي