النور حمد: نطاح الحداثة والرعوية

كتب الدكتور النور حمد مقالة بعنوان ” التغيير وقيد العقل الرعوي” (جريدة التيار، منبر سودانفورأول) في تشخيص أزمتنا السياسية التاريخية بما يشبه نظرية ابن خلدون في التعاقب الدوري. فمن رأيه أن كل طائف من الحداثة هَلّ علينا أطاحت به هبة رعوية. فالحداثة التي جاءت بها التركية اقتلعتها الهبة المهدوية الرعوية. ولما جاء الإنجليز بالحداثة من جديد في 1898، و”بأفق أعلى”، زلزلتها هبة رعوية جديدة هي الحركة الوطنية بالاستقلال. وتمحورت هبة الاستقلال الرعوية حول الدعوة إلى الدستور الإسلامي وتجسدت بصورة بليغة في قوانين الرئيس نميري الإسلامية في سبتمبر 1983. ثم كانت الطامة الرعوية الشاملة التي دولة الإنقاذ. وعاد النور في آخر مقاله ليكشف أن دراما نور الحداثة وظلام الرعوية قديمة فينا. فأصلها في تدفق الرعاة العرب منذ القرن الثامن الميلادي إلى السودان وتحويله من بيئته الحضرية إلى بيئة رعوية. وتجسدت هذه الطامة الرعوية خاصة في تحالف الفونج والعبدلاب-القواسمة الذي هدم الممالك المسيحية المتحضرة.
يعيب أطروحة النور أنه لم يستأن لتعريف الرعوية. فلا يعرف المرء من توظيف النور للمصطلح الرعوي إن كان قصد به وصف المظاهر التي انطبق عليها وصفاً محيطاً دقيقاً أم أنه عبارة استهجن بها النور ما تأذت نفسه به من سياسية السودان وساسته. والدليل على قلقلة المصطلح أن الرعوية لا تقتصر عند النور على “البدو” إذا تتعداهم إلى قوى حضرية. فتجده أطلق المصطلح على بدو أقحاح هم جماعات العرب التي هدمت بيئة السودان المسيحية الحضرية ببينة الخبر الذي ذاع عن ابن خلدون وتناوشته المطاعن مصداقيته مؤخراً كما بينت في ورقتي “ابن خلدون في خطاب الهوية السودانية”. وقد نتجاوز عن توصيف النور لدولة الفونج والمهدية بالهبات الرعوية لشبهة الحضور البدوي فيها ولكن سيصعب بالطبع إدخال كامل الحركة الوطنية التي أجلت الإنجليز عن البلاد في عداد الرعويات. فواحدة من نواقص هذه الحركة أنها لم تجد سبيلاً إلى غمار الناس من الرعاة، بل لم تحالو ذلك. من جهة أخرى يكاد النور فرغ من مطابقة الرعوية بالدين في مثل اقتلاع المهدية للتركية. ولكنه سرعان ما يقول إن العلمانية ذاتها قد تكون رعوية إذا اقتصرت همتها على اسقاط حكومة قائمة كالإنقاذ ولم تنفذ إلى بنياتها المؤثلة في الثقافة والمجتمع. فالرعوية كما هي عند النور حالة “لبس تكسب” أكثر منها مصطلحاً منضبط سائغ.
وبدا لي من شمول النور قوى البندر السياسية في الرعوية أنه مال إلى مذهب “العقل الرعوي” الذي تجده في كتابات كمال الجزولي ومصطفى البطل ومنى ابوزيد ومنصور خالد وغيرهما. وهو عند هؤلاء النفر عقل متبق في صفوة البندر من أصول ثقافة الأجداد الرعوية لم يقض عليه التعليم الحداثي الذي نالوه في مدارس الغرب. وقد كتبت مراراً عن فساد فكرة القائلين بإن مرد محنة السودان العاولة هذه إلى العقل البدوي الناشب في الصفوة لاتكاد تخطو خطوة واحدة في طريق الحداثة حتى ترجع القهقري خطوتين. وقلت إن هذه حيلة بائخة تنملص بها البرجوازية الصغيرة من جريرة خرابها للوطن لترميها على عقل بدوي مزعوم. وسبق لي القول إن هذه البرجوازية الصغيرة لو عرفت عن البداوة ما عرف الأنثروبولجيون ممن درسوها عن كثب مثل طلال أسد (الكبابيش) لعرفوا زينة العقل البدوي. فقد بين طلال أسد كيف يستثمر البدوي في أرض بلقع ضحضح فينتج محصولاً من السعية يراكم للدولة عملة صعبة يتصرف فيها العقل البرجوازي الصغير في الدولة بسفه معروف. ومن فساد فكرة العقل البدوي المزعوم له أنه في أصل محنتنا السياسة التاريخية أن الشيخ حسن الترابي، الذي نسبه النور إلى الهبات الرعوية، قال مرة إن مصيبتنا الحق هي في عقلنا الرعوي. وهو عنده عقل رعوي صرف لم تطلفه الزراعة. فنحن عنده “ولا مزارعين”. ومتى تعذر شيخ “رعوي” ب”الرعوية” انفضح الأمر.
وساق اضطراب المصطلح النور إلى تناقضات لا تصح متى كان استحكم من زمامه. فقال عن دولة الإنقاذ إنها هبة رعوية شاملة. وهذا مفهوم ومقبول في سياق أطروحة النور. ولكنه عاد ونسبها إلى حالة من التحضر دنت نهايتها مثل ما وقع للدولة الرومانية. ووجه الشبه أن كليهما استنفد عمره الافتراضي. فبلغا من الظلم و”الراحات” مبلغاً لم يعد لمواطنيهما أدنى الرغبة في الدفاع عنهما. وأضطرهم ذلك لإستئجار الأجانب والمرتزقة للعمل في جيوشهما. وهذا باب كبير في الرعوية بالطبع. وواضح أن واقعة استئجار الإنقاذ لقوى الدعم السريع وغيرها ساقت النور للمماثلة بين امبراطورية روما والإنقاذ. ولكنه نسي في الأثناء أن الإنقاذ عنده رعوية أصلاً استعانت بالمرتزقة أو لم تستعن. بينما بدأت روما متحضرة وساقتها علل الاستبداد وفساد مترفيها إلى الاستعانة بالأجانب المرتزقة. وهكذا نرى أن الإنقاذ استحقت التحضر جزافاً.
بدت الحداثة والرعوية عند النور فضاءين منقطعين واحدهما عن الآخر يدور بينهما صراع أزلى شبه وصف الفقية الفارسي مان لصراع الخير والشر في الدنيا. وهو الصراع المعروف بالدراما المانوية التي ذكرها المتنبى في بيت له. ولما لم يكن بين هذين الفضاءين جامع أو رابط سيصعب فهم تولد واحدهما عن الآخر، أو جدلهما. فقال النور مثلاً إن الرئيس نميري كان هبة رعوية علماً بأنه اتبع خطة الحداثة أكثر عصره ثم ارتد إلى الرعوية، في وصف النور، في مغرب أيامه. وغير خاف أن بين الفضاءين كما في تجربة نميري واشجة واشجة يلج بها الفضاء الفضاء الآخر بصورة لا تجد لها تفسيراً في مفهوم النور.
أكثر ما حزّ في نفسي أن النور لم يرع للوطنية ولا ثقافتنا حرمة في تعلقه بالوارد الحداثي والحضاري. فقال صادر مشروعية الثورة عن المهدية ضد نظام، التركية، وصفه هو نفسه ب”الغاشم الباطش” طالما كان ينشر الحداثة في ربوعنا. ولم يذكر النور للمهدية هذه المرة ما ذكرها لها في مقاله “الستينات والسبعينات: ازدهار خارج السياق”. فقد نسب لها تحولات فكرية اقتلعت، ضمن ما اقتلعت، “الفقهَ المدرسيَّ الرسميَّ الذي استجلبته الخديوية معها لتستخدمَه ذراعًا لتثبيتِ سلطانها”. أما الحركة الوطنية عند النور فأضل سبيلا. فقد اقتلعت نظاماً سعيداً للاستعمار انتقل بنا إلى مراق أعلى في الحداثة مما فعلت التركية. فكان على السودانيين، في ما يقول النور صراحة، أن يكفوا عن طلب الحرية الوطنية لأن الله ولى من يصلحهم ويحدثهم. ولم يرع النور لثقافة بعضنا في السودان حرمة. فالإسلام عنده، وفي كل صوره، من لدن وفوده لبلدنا وهدمه للدول المسيحية إلى دولة الأنقاذ الحاضرة، لم يسفر إلا عن رعوية ضارة بالحداثة. والذي أسقمني من النور أنه من انتمى إلى حركة لها أخذ عجيب للوطنية والإسلام معاً. فقد انشق زعيمها الأستاذ محمود محمد طه عن حركة مؤتمر الخريجين لأنها “عديمة منهجية” تتطنع بلغو الغرب. وافترع مختاراً طريقاً إلى “الرعوية”. فدخل “خلوة” كما فعل صوفيو السودان الرعويون أبدا. وخرج من الخلوة بجلوة مستفتحاً طريقاً إسلامياً مخاطراً إلى الحداثة. وتأسست له من وطنيته في طلب الحرية الندية التي أصلى بها الحداثة الاستعمارية ناراً بقيادته ثورة رفاعة في 1946 ضد “حداثة” متأمِّرة أحسن وصفها بابكر بدري حين قال عن برامبل مفتش مدينة أم درمان إنه “صَلّح البلد وخصى الرجال”. وقد وجدت نفسي أكتب مقالاً نشر بالإنجليزية (يُعّرب حالياً) عن ثورة رفاعة تلك أدفع عن الأستاذ من استنكروا منه هذه “الهبة الرعوية” في وجه حداثة الإنجليز من مثل الدكتور خالد المبارك والدكتور محمد محمود. وكانوا ثَمَّنوا “تطفل” الإنجليز على ثقافتنا بإرادتهم الخير لنا بصون جسد المرأة من شغب مشارط “التقاليد”.
ينتظر النور في مقاله استفاقة حضارة كوش الشهيدة لإستنقاذ السودان من براثن دراما نور التحضر والحداثة وظلام هبوب الرعويات. ومن فرط استخدام كوش في دوائر معارضي “الإسلاموعربية” صارت عندي محض استنكار لوفود لعروبة والإسلام أصلاً للسودان. فلم يصمد الترويج الحماسي للكوشية في جنوب السودان. فما أن استقل حتى أزال كل إشارة لكوش في مسودة نشيده الوطني. فالكوشية بالطبع مفردة من مفردات التنوع التاريخي للسودان في وصف حون قرنق. ولكن تعويل النور على فض نطاح الحداثة والرعوية على استرجاع كوش التاريخية مما لم يقع لي.
[email][email protected][/email]
المصطلحان حادثان، وصراحة ظللت في هذه الأيام قبل قراءة هذا المقال اكرر القول لنفسي وللآخرين أن مصيبتنا في العقلية الرعوية السائدة لدى حكامنا منذ ما يسمى بالاستقلال قبل 60 عاماً. هذه العقلية متلبسة السودانيين أحسوا بها أم لم يحسوا. مشكلتنا أننا لم نعط أنفسنا فرصة للتفكير الهادئ لدراسة التاريخ دراسة محايدة، فالجانب الإيجابي في تحليل د. النور حمد من خلال مقالة د. عبد الله علي ابراهيم أن هناك هبات رعوية تاريخية حقيقية وحسبنا الهبة الرعوية المهدوية التي اقتلعت الحكم التركي/ المصري دون أن تقدم بديلاً وطنياً لا على مستوى العدالة ولا على مستوى الحداثة بل كل ما هنالك شلالات من دماء الأهلين وترسيخ ظلم وعسف دونه العسف التركي/ المصري، ومع ذلك ما زلنا نمجد الهبة المهدوية الرعوية كظامئٍ يتغنى للسراب! أما هبات ما بعد الاستقلال فقد تجلى العقل الرعوي الشغبي في جميع مراحلها بصورة أو أخرى إذ بات حكامنا منذ ذلك الحين يتخذون مظهراً حداثوياً هنداماً وخطابة وتقليداً لذوي الحداثة الحقيقيين بينما العقل الرعوي يشرئب من خلال مشاغباتهم ومؤامراتهم وانقلاباتهم وتصفياتهم ضد بعضهم بعضاً في عالم السياسة. فلولا العقلية الرعوية الأثيلة في مجتمعاتنا لتأصلت بيننا قيم التداول السلمي للسلطة والديمقراطية الليبرالية والعدل والمساواة.
ما اجملك يا ددكتور و انت تمارس النقد الممنهج الجزيل و كأديمي و مثقف سوداني وافر العطاء و شديد النبل في كتابة فانا من المعجبين حقاً بدراسة العميقة المميزة فرسان كنجرت. اصابتني كتابة الدكتور النور حمد التي تناولتها في مقالك المهم بنوع من الرعب لأنها في مجملها تحاول إلغاء فكرة مهمة في نظرتنا للتاريخ فأنا من الناظرين إليه كمسيرة متقدمة و تقدمية في درب حلزوني و ليس مستقيماً أو علي الأقل متعرج. و دكتور النور يؤسس لحتمية الانحدار للفوضي بعد التقدم و هذا غير صحيح بالطبع. لكن لنفهم منطلقات دكتور النور في هذا المقال علينا العودة لكتابته اليائسة عن المعارضة السودانية و لقد تميزت كتابته عن المعارضة بالتركيز علي معارضة منظمات المجتمع المدني و ليس المعارضة بفهمها الشعبي العميق تلك المعارضة الشاملة للظلم و فساد الحكم عند الانسان السوي كان في حزب او منظمة او كان مستقلاً. هذا النوع من النقد مفيد و مهم يساعد الناس علي إجلاء فهمهم. فشكرا يا دكتور عبد الله علي ابراهيم أيها الاستاذ المميز
البيغلبو عمر القراي يقبل على النور حمد
انصفوا الرجل طالما انشد هدم الانقاذ…!
جاء في وصفه عن كونها (بنية) فدعونا من رعويتكم..!
هل ضبط الانثروبلوجي وصفه بعيدا عن الايدلوجي….؟
فالرعوية كما هي عند النور حالة “لبس تكسب” أكثر منها مصطلحاً منضبط سائغ.
يعني المشكلة بقت ترمية…(terminology)…
عن ضبط ( البنية )
(…وبذلك يقدم جان بياجيه تعريفا شاملا للبنية باعتبارها نسقا من التحولات : ” يحتوي على قوانينه الخاصة ، علما بأن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم به هذه التحويلات نفسها ، دون أن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق أو أن تستعين بعناصر خارجية ، وبإيجاز فالبنية تتألف من ثلاث خصائص هـــــــــي : الكـــــــلية totalité و التحولات transformations وبالضبط الذاتي auto-reglage ).
من وصف الانثروبلوجيون
… أماالانتروبولوجي الفرنسي ( كلود ليفي ستراوش ) فإنه يحدد البنية بأنها نسق يتألف من عناصر يكون من شان أي تحول يعرض للواحد منها أن يحدث تحولا في باقي العناصر الأخرى ” ومن خلال هذا التعريف يتجلى أن وراء الظواهر المختلفة يكمن شيء مشترك يجمع بينها ، وهو تلك العلاقات الثابتة التجريبية ، لذلك ينبغي تبسيط هذه الظواهر من خلال إدراك العلاقات لأن هذا الأخير أبسط من الأشياء نفسها في تعقدها وتشتتها. ومعنى هذا ” أن المهمة الأساسية التي تقع على عاتق الباحث في العلوم الإنسانية إنما هو التصدي لأكثر الظواهر البشرية تعقدا وتعسفا واضطرابا من أجل محاولة الكـــشف عن ” نظام ” يكمن فيما وراء تلك الفوضى وبالتالي من أجل الوصول إلى ” البنية ” التي تتحكم في صميم ” العلاقات” الباطنية للأشياء ، ولكن المهم في نظر ليفي ستراوش هو أننا لا ندرك البنية إدراكا تجريبيا على مستوى العلاقات الظاهرية السطحية المباشرة القائمة بين الأشياء ، بل نحن ننشئها إنشاء بفضل ” النماذج التي نعمد عن طريقها إلى تبسيط الواقع وإحداث التغيرات التي تسمع لنا بإدراك البيئة “.
كما اورد دكتور( إبراهيم عرفات) .. جولة في مراعينا الفكرية
15 June 2015
( من الحرف القديمة التي علّمت الإنسان دروساً عظيمة وعلّمت أيضاً على وجه الإنسانية حرفة الرعي. فالرعي يُعلم الصبر والجلد وفنون الترحال والقدرة على توقع المخاطر، هذا بجانب التأمل والحديث والشعر والغناء والبحث عن الحكمة. هي حرفة عجيبة. برغم ما تبدو عليه من بساطة وتواضع إلا أن لها قواعد حاكمة وأصولا واجبة من اتبعها سلم ومن خالفها هلك وهلكت معه أو بسببه الثروة التي خرج يرعاها. ولهذا يتعين على الرعاة الأكفاء أن يعرفوا الدروب التي يسلكونها بقطعانهم ومناطق العشب وموارد المياه الكافية لكي لا تنفق مواشيهم جوعاً أو عطشاً. كما ينتظر منهم أن يلموا بأساليب مسايسة الحيوان: كيف يحركونه أو يوقفونه أو يوجهونه يميناً ويساراً.
وبرغم تلك المهارات ما زالت صورة الراعي في المخيلة العامة صورةً مبتورة. فكثيراً ما يصور على أنه رجل بدائي يُطلق أغنامه لتأكل وينطلق هو وراءها مهرولاً حاملاً عصا يلكزها بها مستعيناً بكلب أو أكثر تجري وراء القطيع هنا وهناك حتى لا يشرد بعيداً وحتى يبقى الراعي دائماً هو المسيطر على حركته. وتلك هي عبقرية الرعاة. يعطون حيواناتهم فرصة الحركة لكنهم أبداً لا يمنحونها الحرية. يجعلونها تسير لكن على هواهم وتأكل لكن بتوجيهاتهم وتشرب لكن بأوامرهم، وتعود إلى الحظائر لكن بنواهيهم. إنها عبقرية أن يبدو شخص ما في عيون الناس بدائيا بينما يمتلك القدرة على التحكم التام في قطيع بأكمله.
وما البشر إلا قطعان كبيرة. كثيراً ما ينفون عن ذاتهم وصف القطيع ويدعون لأنفسهم تميزاً عن باقي المخلوقات، ومع هذا تبقى أكثر القواعد التي تحكم سلوك الحيوان تحكم أيضاً تصرفاتهم. فكل فرد يبحث بالغريزة مثلاً عن قطيع ينتمي إليه وعن راع يتبعه. يسعى بالفطرة للبقاء داخل السرب لكي يشعر بالأمان. ومثل هذا السلوك الرعوي التلقائي هو ما جعل »الرعوية« مصطلحاً مناسباً للإنسان كما للحيوان. الرسول الكريم يقول »كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته«. وهذا هو الشكل الراقي للرعوية. إنها رعوية المسؤولية عندما يعتني الراعي بأخذ »قطيعه« إلى مراع آمنة مادياً وفكرياً. فالمراعي متى طابت، طابت الرعية أما لو خابت لخابت الرعية.
لكن للرعوية جانبا آخر بائسا عرفه العرب قبل الإسلام وما زال يخنق حياتهم ويشلها إلى الآن. إنها الرعوية الوصائية أو الرعوية المستبدة التي تحرم الناس حقوقها في ورود المراعي المناسبة، سواء كانت مراعي الثروة أو الفكر. إنها رعوية تعتمد على الولاءات الضيقة والشللية وظلم الناس وحرمانها من حقها في المرعي بل وتجويعها فكرياً ومادياً كي تتبع من يجوعها. وهذا ما لا يفعله الرعيان مع حيواناتهم. فالراعي لا يجوّع أغنامه وإنما يطعمها كي تتبعه. أما رعوية البشر الوصائية فتفعل ذلك. تطالب الناس بالطاعة العمياء دون أن تكلف نفسها بتوفير الحد الأدنى المناسب من المرعى لهم. وهي حالة ثقافية وصفها الباحثان الأميركيان »جابرييل ألموند« و«سيدني فيربا« في كتابيهما عن »الثقافة المدنية« في 1965 عندما ميزا بين ثلاثة أنواع من الثقافة السياسية أحدها الديمقراطية المشاركة التي تهتم وتكترث والثانية السلبية الضيقة التي لا تبالي بشيء والثالثة الرعوية التي تكرس التبعية والوصاية والولاءات الأولية.
و من مصدر اخر
(تشكيل العقل الحديث -the shaping of modern mind كرين برينتون)…نكتفي بما جاء بقلم المترجم و تصديره للكتاب.
اذا ما اورده الدكتور النور حمد او كما جاء في وصفه عن كونها ( بنية العقل الرعوي )، إنما تتسلل من ثقوب بنية الحضارة القائمة، حين تهزل الأخيرة، وتنحل قواها، فتسيطر بنية العقل الرعوي على مركزها.
فالرجل معتوب عليه عدم امعانه للوصف و الشرح في تثبيت بنيته و اخذت عليه جريرة الانتساب للجمهوريون او كما قال دكتور منصور خالد اولاد محمود ..فهل هي الطعون في الشخوص او طعن الظلال و ترك الافيال تمر بهدمها للبلاد و العباد .فظني مثقفاتي السودان شغفوا بابستمياتهم و تعاليهم اكثر من انتاجهم الهادف او الذي يمكن ان يفضي الي مشروع نحو مستقبل ينشد…!!! و لم نقل فجر طالما شموسنا سوداء او سريعة نحوه …!!!
و طالما الرجل اتي بمحافيره لدفن ابينا الانقاذ (و نحن جيل الدردرة) فلماذا ندس محافيرنا ..؟؟؟
يا عبد الله مالك تتحامل على النور حمد بهذا التشفي و لك في وصف “أستاذك و مؤدبك” عبد الخالق محجوب سابقة حينما وصف هذه الرعوية ب”عنف البادية” و لكنه الغرض و الحماس “الرعوي” الذي حملك على ما تظنه حيطة قصيرة، ألا و هو النور حمد- الذي لي مآخذي عليه- لا يمكن نكران هذه الظاهرة مهما تنطعت على خصومك.
يا عبد الله مالك تتحامل على النور حمد بهذا التشفي و لك في وصف “أستاذك و مؤدبك” عبد الخالق محجوب سابقة حينما وصف هذه الرعوية ب”عنف البادية” و لكنه الغرض و الحماس “الرعوي” الذي حملك على ما تظنه حيطة قصيرة، ألا و هو النور حمد- الذي لي مآخذي عليه- لا يمكن نكران هذه الظاهرة مهما تنطعت على خصومك.
دكتورنا العزيز ،، بهذا العنوان ( نطاح الحداثه والرعويه ) انت ايضا لن تسلم من شمول رعوية النور حمد ومألات عقلها الذى ارجعنا القهقرى كما يظن . وليس فقط منصور او البطل او الجزولى ..
الحداثه لا تعنى التطور ، والخلط بينهما لا يجوز ..
ففكرة الحداثة هى اللحظة الراهنة بخيرها وشرها ، والتي يتعذر استمرارها باندفاع حركة التاريخ ، ولذلك لا يجب التعويل عليها ، فهى مقدمة التاريخ لا نهايته ، ولذلك قيل بانه لا وجود لحداثة مطلقه دون ارتباط لها بالوراء . سواء ان كانت هذه الحداثة مستشرفه ، او مستعرضه ، او مستنكها ، او متنطعه … فالاديان حداثه ، والبلشفيه حداثه ، والاقطاع حداثه ، والثورة الفرنسيه حداثه ، والاستعمار حداثه ، والى الان حداثه ، اللوح الرقمى ، الانترنت ، وكل جديد حداثه والليالى حبلى …
اما التطور فهو ماكينزمات النهضه وتحليلها الوصفى ، والارتقاء في مدارج العيش ، ونشوء الابتكار لسبر اغوار جديده لانماط الحياه توفر الرخاء والاذدهار ، وتلك قد اعوزتنا منذ كوش الصغرى ثم علوة المسيحية ثم السلطنة الزرقاء ثم التركيه السابقه واللاحقه .. وهى حقب اتسمت جميعها بالاستعباد والاسترقاق والمظالم ، اضطهد الكل واستغل الكل ولم يستثنى احد ، رعاة وحضر ، ولاشك فى مثلها اغلال يتعذر النهوض على اية كائن وكيان . وما مشروع الجزيرة الا وجه اخر لشركة الهند الغربية .. وما محمد احمد المحجوب الا بلورة لمنهج استعماري في صياغة طليعة تحمل خمسة ألقاب ويعوزها عود ثقاب تضئ به الظلام ، وما محمود محمد طه الا مثال لصدمة ارتدادية جعلت المساح يترك الارض ليمسح فى السماء .
ثم جاءت الدوله فى نمطها المعاصر ، واخفقت ايضا فى الاخذ باسباب البحث العلمى في شقه الانتاجى والصناعى ، واسرفت فى دراسات الحقوق والتجارة ، فانتجت برجوازية صغيره كما تكرمت ، طفيلية نهمه ، سياسيا واقتصاديا ، وتتطور الامر من مجرد فرد يسعى الى السلطة والمال ، الى مجموعات باكملها تدافع بقدها وقديدها الى الاستئثار بها ، وكما قال نزار ( فقبائل اكلت قبائل ، وعناكب سحقت عناكب ) . دونما وازع وطنى او اخلاقى .
الامر يحتاج الى اكثر من مقال ، يحتاج الى ثورة حقيقية تعالج كل هذه الاخطاء ، وتطوى كل هذه الصفحات ، وتضع هويتنا السياسيه والوطنيه والاقتصاديه في مقدمة الحداثه .
واخيرا ،،، ما استوقفنى في اخر كلمات الترابى رائد الرعويه كما ارتئيت ليست هى ( نسبة تخلفنا لرعويتنا ) بل اعترافه بانه لم يقرأ التاريخ جيدا ، وبالطبع يقصد التاريخ العربى الاسلامى ..
لازلنا في السودان نلهث وراء المصطلحات الرنانة والاسماء الغربية ذات المدلول الغربى لكل ما له من علاقة بل=الحاثة التي تجاوزها الزمن او ما بعد الحداثة المستهجنة حتى في بعض دول التغريب
الموضوع الذى تناوله الدكتور عبدالله كان يمكن ان يطرح بلغة سهلة ودارجة بمعنيالتبسيط ……. ولو طبقنا نظريات التفكيك واستبعدنا ما زائد في المقال لوجدنا انفسنا وبين أيدينا مجرد كلمات كان يمكن لأى مبتدئ في علم الكلام ان يقولها وبدرجة اكبلا من الفهم وتوصيل المعنى .ومن قبل قبلها ابوحيان التوحيدي با المعانى والكلمات موجودة ومفروشة على قارعة الطريق فقط تحتاج لمن يحسن غختيارها وتقديمها للناس
الأستاذ النور حمد رجل لايمكن تجاوز فكره بتعدد مجالاته ولا اعتقد ان اللعب على قاموس المصطلحات واللعب والاستشهاد ببعض الكتاب الغربيين قد يخل بمنظومته الفكرية .
شيئ آخر ومهم ان بعض كتابنا عندم يقول فلان من الكتاب الآخرين فكأنما قد بالقول الفصل في الوقت الذى ان فلانا هذا مثار نقد وتتويق لما قد طرحه من أفكار
المصطلحان حادثان، وصراحة ظللت في هذه الأيام قبل قراءة هذا المقال اكرر القول لنفسي وللآخرين أن مصيبتنا في العقلية الرعوية السائدة لدى حكامنا منذ ما يسمى بالاستقلال قبل 60 عاماً. هذه العقلية متلبسة السودانيين أحسوا بها أم لم يحسوا. مشكلتنا أننا لم نعط أنفسنا فرصة للتفكير الهادئ لدراسة التاريخ دراسة محايدة، فالجانب الإيجابي في تحليل د. النور حمد من خلال مقالة د. عبد الله علي ابراهيم أن هناك هبات رعوية تاريخية حقيقية وحسبنا الهبة الرعوية المهدوية التي اقتلعت الحكم التركي/ المصري دون أن تقدم بديلاً وطنياً لا على مستوى العدالة ولا على مستوى الحداثة بل كل ما هنالك شلالات من دماء الأهلين وترسيخ ظلم وعسف دونه العسف التركي/ المصري، ومع ذلك ما زلنا نمجد الهبة المهدوية الرعوية كظامئٍ يتغنى للسراب! أما هبات ما بعد الاستقلال فقد تجلى العقل الرعوي الشغبي في جميع مراحلها بصورة أو أخرى إذ بات حكامنا منذ ذلك الحين يتخذون مظهراً حداثوياً هنداماً وخطابة وتقليداً لذوي الحداثة الحقيقيين بينما العقل الرعوي يشرئب من خلال مشاغباتهم ومؤامراتهم وانقلاباتهم وتصفياتهم ضد بعضهم بعضاً في عالم السياسة. فلولا العقلية الرعوية الأثيلة في مجتمعاتنا لتأصلت بيننا قيم التداول السلمي للسلطة والديمقراطية الليبرالية والعدل والمساواة.
ما اجملك يا ددكتور و انت تمارس النقد الممنهج الجزيل و كأديمي و مثقف سوداني وافر العطاء و شديد النبل في كتابة فانا من المعجبين حقاً بدراسة العميقة المميزة فرسان كنجرت. اصابتني كتابة الدكتور النور حمد التي تناولتها في مقالك المهم بنوع من الرعب لأنها في مجملها تحاول إلغاء فكرة مهمة في نظرتنا للتاريخ فأنا من الناظرين إليه كمسيرة متقدمة و تقدمية في درب حلزوني و ليس مستقيماً أو علي الأقل متعرج. و دكتور النور يؤسس لحتمية الانحدار للفوضي بعد التقدم و هذا غير صحيح بالطبع. لكن لنفهم منطلقات دكتور النور في هذا المقال علينا العودة لكتابته اليائسة عن المعارضة السودانية و لقد تميزت كتابته عن المعارضة بالتركيز علي معارضة منظمات المجتمع المدني و ليس المعارضة بفهمها الشعبي العميق تلك المعارضة الشاملة للظلم و فساد الحكم عند الانسان السوي كان في حزب او منظمة او كان مستقلاً. هذا النوع من النقد مفيد و مهم يساعد الناس علي إجلاء فهمهم. فشكرا يا دكتور عبد الله علي ابراهيم أيها الاستاذ المميز
البيغلبو عمر القراي يقبل على النور حمد
انصفوا الرجل طالما انشد هدم الانقاذ…!
جاء في وصفه عن كونها (بنية) فدعونا من رعويتكم..!
هل ضبط الانثروبلوجي وصفه بعيدا عن الايدلوجي….؟
فالرعوية كما هي عند النور حالة “لبس تكسب” أكثر منها مصطلحاً منضبط سائغ.
يعني المشكلة بقت ترمية…(terminology)…
عن ضبط ( البنية )
(…وبذلك يقدم جان بياجيه تعريفا شاملا للبنية باعتبارها نسقا من التحولات : ” يحتوي على قوانينه الخاصة ، علما بأن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم به هذه التحويلات نفسها ، دون أن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق أو أن تستعين بعناصر خارجية ، وبإيجاز فالبنية تتألف من ثلاث خصائص هـــــــــي : الكـــــــلية totalité و التحولات transformations وبالضبط الذاتي auto-reglage ).
من وصف الانثروبلوجيون
… أماالانتروبولوجي الفرنسي ( كلود ليفي ستراوش ) فإنه يحدد البنية بأنها نسق يتألف من عناصر يكون من شان أي تحول يعرض للواحد منها أن يحدث تحولا في باقي العناصر الأخرى ” ومن خلال هذا التعريف يتجلى أن وراء الظواهر المختلفة يكمن شيء مشترك يجمع بينها ، وهو تلك العلاقات الثابتة التجريبية ، لذلك ينبغي تبسيط هذه الظواهر من خلال إدراك العلاقات لأن هذا الأخير أبسط من الأشياء نفسها في تعقدها وتشتتها. ومعنى هذا ” أن المهمة الأساسية التي تقع على عاتق الباحث في العلوم الإنسانية إنما هو التصدي لأكثر الظواهر البشرية تعقدا وتعسفا واضطرابا من أجل محاولة الكـــشف عن ” نظام ” يكمن فيما وراء تلك الفوضى وبالتالي من أجل الوصول إلى ” البنية ” التي تتحكم في صميم ” العلاقات” الباطنية للأشياء ، ولكن المهم في نظر ليفي ستراوش هو أننا لا ندرك البنية إدراكا تجريبيا على مستوى العلاقات الظاهرية السطحية المباشرة القائمة بين الأشياء ، بل نحن ننشئها إنشاء بفضل ” النماذج التي نعمد عن طريقها إلى تبسيط الواقع وإحداث التغيرات التي تسمع لنا بإدراك البيئة “.
كما اورد دكتور( إبراهيم عرفات) .. جولة في مراعينا الفكرية
15 June 2015
( من الحرف القديمة التي علّمت الإنسان دروساً عظيمة وعلّمت أيضاً على وجه الإنسانية حرفة الرعي. فالرعي يُعلم الصبر والجلد وفنون الترحال والقدرة على توقع المخاطر، هذا بجانب التأمل والحديث والشعر والغناء والبحث عن الحكمة. هي حرفة عجيبة. برغم ما تبدو عليه من بساطة وتواضع إلا أن لها قواعد حاكمة وأصولا واجبة من اتبعها سلم ومن خالفها هلك وهلكت معه أو بسببه الثروة التي خرج يرعاها. ولهذا يتعين على الرعاة الأكفاء أن يعرفوا الدروب التي يسلكونها بقطعانهم ومناطق العشب وموارد المياه الكافية لكي لا تنفق مواشيهم جوعاً أو عطشاً. كما ينتظر منهم أن يلموا بأساليب مسايسة الحيوان: كيف يحركونه أو يوقفونه أو يوجهونه يميناً ويساراً.
وبرغم تلك المهارات ما زالت صورة الراعي في المخيلة العامة صورةً مبتورة. فكثيراً ما يصور على أنه رجل بدائي يُطلق أغنامه لتأكل وينطلق هو وراءها مهرولاً حاملاً عصا يلكزها بها مستعيناً بكلب أو أكثر تجري وراء القطيع هنا وهناك حتى لا يشرد بعيداً وحتى يبقى الراعي دائماً هو المسيطر على حركته. وتلك هي عبقرية الرعاة. يعطون حيواناتهم فرصة الحركة لكنهم أبداً لا يمنحونها الحرية. يجعلونها تسير لكن على هواهم وتأكل لكن بتوجيهاتهم وتشرب لكن بأوامرهم، وتعود إلى الحظائر لكن بنواهيهم. إنها عبقرية أن يبدو شخص ما في عيون الناس بدائيا بينما يمتلك القدرة على التحكم التام في قطيع بأكمله.
وما البشر إلا قطعان كبيرة. كثيراً ما ينفون عن ذاتهم وصف القطيع ويدعون لأنفسهم تميزاً عن باقي المخلوقات، ومع هذا تبقى أكثر القواعد التي تحكم سلوك الحيوان تحكم أيضاً تصرفاتهم. فكل فرد يبحث بالغريزة مثلاً عن قطيع ينتمي إليه وعن راع يتبعه. يسعى بالفطرة للبقاء داخل السرب لكي يشعر بالأمان. ومثل هذا السلوك الرعوي التلقائي هو ما جعل »الرعوية« مصطلحاً مناسباً للإنسان كما للحيوان. الرسول الكريم يقول »كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته«. وهذا هو الشكل الراقي للرعوية. إنها رعوية المسؤولية عندما يعتني الراعي بأخذ »قطيعه« إلى مراع آمنة مادياً وفكرياً. فالمراعي متى طابت، طابت الرعية أما لو خابت لخابت الرعية.
لكن للرعوية جانبا آخر بائسا عرفه العرب قبل الإسلام وما زال يخنق حياتهم ويشلها إلى الآن. إنها الرعوية الوصائية أو الرعوية المستبدة التي تحرم الناس حقوقها في ورود المراعي المناسبة، سواء كانت مراعي الثروة أو الفكر. إنها رعوية تعتمد على الولاءات الضيقة والشللية وظلم الناس وحرمانها من حقها في المرعي بل وتجويعها فكرياً ومادياً كي تتبع من يجوعها. وهذا ما لا يفعله الرعيان مع حيواناتهم. فالراعي لا يجوّع أغنامه وإنما يطعمها كي تتبعه. أما رعوية البشر الوصائية فتفعل ذلك. تطالب الناس بالطاعة العمياء دون أن تكلف نفسها بتوفير الحد الأدنى المناسب من المرعى لهم. وهي حالة ثقافية وصفها الباحثان الأميركيان »جابرييل ألموند« و«سيدني فيربا« في كتابيهما عن »الثقافة المدنية« في 1965 عندما ميزا بين ثلاثة أنواع من الثقافة السياسية أحدها الديمقراطية المشاركة التي تهتم وتكترث والثانية السلبية الضيقة التي لا تبالي بشيء والثالثة الرعوية التي تكرس التبعية والوصاية والولاءات الأولية.
و من مصدر اخر
(تشكيل العقل الحديث -the shaping of modern mind كرين برينتون)…نكتفي بما جاء بقلم المترجم و تصديره للكتاب.
اذا ما اورده الدكتور النور حمد او كما جاء في وصفه عن كونها ( بنية العقل الرعوي )، إنما تتسلل من ثقوب بنية الحضارة القائمة، حين تهزل الأخيرة، وتنحل قواها، فتسيطر بنية العقل الرعوي على مركزها.
فالرجل معتوب عليه عدم امعانه للوصف و الشرح في تثبيت بنيته و اخذت عليه جريرة الانتساب للجمهوريون او كما قال دكتور منصور خالد اولاد محمود ..فهل هي الطعون في الشخوص او طعن الظلال و ترك الافيال تمر بهدمها للبلاد و العباد .فظني مثقفاتي السودان شغفوا بابستمياتهم و تعاليهم اكثر من انتاجهم الهادف او الذي يمكن ان يفضي الي مشروع نحو مستقبل ينشد…!!! و لم نقل فجر طالما شموسنا سوداء او سريعة نحوه …!!!
و طالما الرجل اتي بمحافيره لدفن ابينا الانقاذ (و نحن جيل الدردرة) فلماذا ندس محافيرنا ..؟؟؟
يا عبد الله مالك تتحامل على النور حمد بهذا التشفي و لك في وصف “أستاذك و مؤدبك” عبد الخالق محجوب سابقة حينما وصف هذه الرعوية ب”عنف البادية” و لكنه الغرض و الحماس “الرعوي” الذي حملك على ما تظنه حيطة قصيرة، ألا و هو النور حمد- الذي لي مآخذي عليه- لا يمكن نكران هذه الظاهرة مهما تنطعت على خصومك.
يا عبد الله مالك تتحامل على النور حمد بهذا التشفي و لك في وصف “أستاذك و مؤدبك” عبد الخالق محجوب سابقة حينما وصف هذه الرعوية ب”عنف البادية” و لكنه الغرض و الحماس “الرعوي” الذي حملك على ما تظنه حيطة قصيرة، ألا و هو النور حمد- الذي لي مآخذي عليه- لا يمكن نكران هذه الظاهرة مهما تنطعت على خصومك.
دكتورنا العزيز ،، بهذا العنوان ( نطاح الحداثه والرعويه ) انت ايضا لن تسلم من شمول رعوية النور حمد ومألات عقلها الذى ارجعنا القهقرى كما يظن . وليس فقط منصور او البطل او الجزولى ..
الحداثه لا تعنى التطور ، والخلط بينهما لا يجوز ..
ففكرة الحداثة هى اللحظة الراهنة بخيرها وشرها ، والتي يتعذر استمرارها باندفاع حركة التاريخ ، ولذلك لا يجب التعويل عليها ، فهى مقدمة التاريخ لا نهايته ، ولذلك قيل بانه لا وجود لحداثة مطلقه دون ارتباط لها بالوراء . سواء ان كانت هذه الحداثة مستشرفه ، او مستعرضه ، او مستنكها ، او متنطعه … فالاديان حداثه ، والبلشفيه حداثه ، والاقطاع حداثه ، والثورة الفرنسيه حداثه ، والاستعمار حداثه ، والى الان حداثه ، اللوح الرقمى ، الانترنت ، وكل جديد حداثه والليالى حبلى …
اما التطور فهو ماكينزمات النهضه وتحليلها الوصفى ، والارتقاء في مدارج العيش ، ونشوء الابتكار لسبر اغوار جديده لانماط الحياه توفر الرخاء والاذدهار ، وتلك قد اعوزتنا منذ كوش الصغرى ثم علوة المسيحية ثم السلطنة الزرقاء ثم التركيه السابقه واللاحقه .. وهى حقب اتسمت جميعها بالاستعباد والاسترقاق والمظالم ، اضطهد الكل واستغل الكل ولم يستثنى احد ، رعاة وحضر ، ولاشك فى مثلها اغلال يتعذر النهوض على اية كائن وكيان . وما مشروع الجزيرة الا وجه اخر لشركة الهند الغربية .. وما محمد احمد المحجوب الا بلورة لمنهج استعماري في صياغة طليعة تحمل خمسة ألقاب ويعوزها عود ثقاب تضئ به الظلام ، وما محمود محمد طه الا مثال لصدمة ارتدادية جعلت المساح يترك الارض ليمسح فى السماء .
ثم جاءت الدوله فى نمطها المعاصر ، واخفقت ايضا فى الاخذ باسباب البحث العلمى في شقه الانتاجى والصناعى ، واسرفت فى دراسات الحقوق والتجارة ، فانتجت برجوازية صغيره كما تكرمت ، طفيلية نهمه ، سياسيا واقتصاديا ، وتتطور الامر من مجرد فرد يسعى الى السلطة والمال ، الى مجموعات باكملها تدافع بقدها وقديدها الى الاستئثار بها ، وكما قال نزار ( فقبائل اكلت قبائل ، وعناكب سحقت عناكب ) . دونما وازع وطنى او اخلاقى .
الامر يحتاج الى اكثر من مقال ، يحتاج الى ثورة حقيقية تعالج كل هذه الاخطاء ، وتطوى كل هذه الصفحات ، وتضع هويتنا السياسيه والوطنيه والاقتصاديه في مقدمة الحداثه .
واخيرا ،،، ما استوقفنى في اخر كلمات الترابى رائد الرعويه كما ارتئيت ليست هى ( نسبة تخلفنا لرعويتنا ) بل اعترافه بانه لم يقرأ التاريخ جيدا ، وبالطبع يقصد التاريخ العربى الاسلامى ..
لازلنا في السودان نلهث وراء المصطلحات الرنانة والاسماء الغربية ذات المدلول الغربى لكل ما له من علاقة بل=الحاثة التي تجاوزها الزمن او ما بعد الحداثة المستهجنة حتى في بعض دول التغريب
الموضوع الذى تناوله الدكتور عبدالله كان يمكن ان يطرح بلغة سهلة ودارجة بمعنيالتبسيط ……. ولو طبقنا نظريات التفكيك واستبعدنا ما زائد في المقال لوجدنا انفسنا وبين أيدينا مجرد كلمات كان يمكن لأى مبتدئ في علم الكلام ان يقولها وبدرجة اكبلا من الفهم وتوصيل المعنى .ومن قبل قبلها ابوحيان التوحيدي با المعانى والكلمات موجودة ومفروشة على قارعة الطريق فقط تحتاج لمن يحسن غختيارها وتقديمها للناس
الأستاذ النور حمد رجل لايمكن تجاوز فكره بتعدد مجالاته ولا اعتقد ان اللعب على قاموس المصطلحات واللعب والاستشهاد ببعض الكتاب الغربيين قد يخل بمنظومته الفكرية .
شيئ آخر ومهم ان بعض كتابنا عندم يقول فلان من الكتاب الآخرين فكأنما قد بالقول الفصل في الوقت الذى ان فلانا هذا مثار نقد وتتويق لما قد طرحه من أفكار
بخصوص التناطح أنا والله يعجبني “تناطحك” والنور حمد لأنه “نطاح” فيه ثمرة لا قرنا كسر ولا بطنا “بعج” بل تناطح صحى ومتعافي أما بخصوص العقل الرعوي فعقلية البدوي الذي ذكرت بأنه يستثمر الأرض البلقع لينتج سعية تدر عملة صعبة يتصرف فيها البرجوازي بسفه ، ولكن هذا ينطبع أيضا على العقل الحضري الذي يستصلح أرضا بلقع وينتج منها قطنا أبيضا وقمحا أصفر يوفر عملة صعبة تتيح للبرجوازي سفها ما بعده سفه…. الأمر الثاني العقل الرعوي بادئ في بساطته يتوسد عصاته ويلتحف السماء