عودة خفيفة لقضية رد المظالم

الحكاوي كمقدمات مقبولة أو أتمنى ذلك. قابلت خلال اليومين الماضيين أحد مديري التعليم بأحدي ولايات الغرب مصادفة، حكي أنه قابل وكيلة التربية والتعليم الجديدة وشكرها على قرارها بفتح التقديم للولايات لفرص الانتداب لمدارس الصداقة التابعة للوزارة في بعض الدول وكانت حصرا على منسوبي الوزارة الاتحادية، على إثر القرار جاءها عدد كبير منهم محتجا على الظلم الذي لحق بهم جراء القرار، وعندما واجهتهم بلماذا حصرا عليكم وليس معلمو الولايات وهم ايضا مواطنون سودانيون، لم يحروا جوابا. الضمائر تنام عندما تهدد المصالح الشخصية كما هو الحال دائما.
وكتب أحد الاصدقاء معلقا على موضوع “العدالة والسلام يتحققان برد المظالم ” الذي نشر الاسبوع الماضي والذي أشرت فيه إلى أهمية التمييز الإيجابي قائلا بأن الأنظمة الشمولية عملت تمييز على طريقتها ولم يحقق شيئا. ذكر الخارجية كمثال وأن إدخال عناصر من الهامش لم يحقق عدالة. نعم، لأنه كان إرضاءات لبعض المتنفذين الجدد من الأطراف الذين وزعوها بدورهم كمغنم على أهليهم. وعلي ذكر حديث الرجل والتمييز الإيجابي فقد منح نظام الإنقاذ مناصب عليا “ديكورية” لمنطقتين من الهامش هما دارفور والشرق، مساعدي ونواب رئيس، لم يشعر أحد بشاغليها إلا من تصريحاتهم النارية المتشبهة بصقور الإنقاذ . كانوا مصادر للتندر حتى وسط مناطقهم لهوانهم على الإنقاذ. أقيل أحدهم من منصب نائب الرئيس وتمت اذاعة الخبر إعلاميا ولم يتم إخطاره بالأمر حتى وهو يستعد لمغادرة الخرطوم في زيارة رسمية. سمع الخبر مثل الآخرين وفي وقت متأخر عنهم لوجود ضيوف لم يجرؤوا على إخباره. ذلك كان استهبالا وشراء ذمم وليس مشاركة في السلطة.
ما يلي جزء من مداخلة قدمتها في مؤتمر (فاعلين) سودانيين في الدوحة في سبتمبر 2012 وهي ذات علاقة.” أسبقيات المثقفين تختلف عن هموم غمار الناس، فهي تتعلق بمفاهيم مثل الديمقراطية والدولة المدنية وهل يكون الدستور علمانياً أم إسلامياً (تطبيق الشريعة) الخ. أما أسبقيات العامة فتتمركز في الحاجيات الأساسية كتوفير الخبز والرعاية الصحية والمياه والتعليم والسكن والمواصلات وهي تمثل لهم حقوق الإنسان. هموم النخبة إذا هي أسبقيات ميسورين (أي الناس الشبعانين)، أما المحرومين المسلمين بالفطرة فهمومهم غير. قبائل التماس مع دولة الجنوب مثلا هل أسبقياتهم أسواق السلام وانسياب التجارة والبهائم بين الحدود المرنة مع دولة الجنوب أم تطبيق الحدود الشرعية؟ إذا طبقت الشريعة- بأي فهم – أو لم تطبق فهم مسلمون وتهمهم المعايش أولاً.
الدستور مهم. نعم. لكن سرعان ما يلتفت الناس إلى جوهر التغيير. هل أدى تحقيق الحرية والديمقراطية إلى تغيير في حياة الناس إلى الأفضل، العيش الكريم وتحقيق الأمن في المال والنفس ورفع المظالم الفردية والجماعية أم لا؟
إن الأزمة الوطنية هي أزمة حكم وشعور بالظلم، وما يولدها هو الظلم وهو الإقصاء والإفقار المتعمد والتوجهات العنصرية للدولة. إذا كان الهدف هو الاستقرار واستدامة السلام المبني على العدالة والمشاركة والتنمية المتوازنة فيجب إعادة هيكلة الحكم.
من يأخذ ماذا؟ وكيف؟ لمن تكون المناصب القيادية وعلى أي أساس يتم الاختيار لها؟
يجب افساح المجال للمتظلمين تاريخياً من عدم المشاركة ليأخذوا دورهم في إدارة الدولة. مثلا كل الأحزاب ترشح أو تدعم مرشحين من الهامش لرئاسة الجمهورية للدورة القادمة (لأن الكل عايز كدَة في السلطة) .
وهنالك تحديات يجب إعطاءها الاسبقية، منها كيف يمكن إعادة هيكلة الدولة لتصبح دولة مواطنة فعلاً لا مجازاً وعكس التمكين – بالتفضيل الايجابي للمظلومين – حتى يشعر الجميع أنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات. وربما يتطلب الاستقرار أيضا حواراً حول الأحزاب نفسها ومحاولة إقناعها بإعادة هيكلة أجهزتها لتواكب الأوضاع السياسية الجديدة. مثلاً تقليل هيمنة المكاتب السياسية على مواقف الحزب بأن تكون كلمة جماهير الحزب الممثلة في نوابه المنتخبين ديمقراطياً هي العليا وأن يتكون الحزب من فروعه شبه المستقلة.”
طرحت مقترح “مرشح من الهامش “لتنفيس بالونة الاحتقان، في عدة منابر، في الدوحة ونيروبي والخرطوم وأمام مثقفين وقادة الأحزاب الكبيرة ولم يتكرم أحد بالتعليق عليه “لا بي شين ولا بي زين”. هل هنالك استنكار لمجرد الفكرة؟
يا مكونات الحرية والتغيير غرقوا الساس وضعوا المداميك المتينة للعدالة وعلاج المظالم أو افسحوا المجال لشبابكم المتمرد فهو قدرها. احذروا ثورته فقد “قلب الطاولة” من قبل على الحكومة والمعارضة معا.
صديق امبده
11 يناير 2020
[email protected]