مقالات سياسية

الحل في الفَرمَتَة

فيصل بسمة

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

{ ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ یَكُ مُغَیِّرࣰا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ }
[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٥٣]

و الفَرمَتَة هي مفردة مشتقة من الكلمة الإنقليزية فُورمَات Format ، و تستخدم في مجال علوم الحاسوب (الكمبيوتر) ، و تعني تهيئة الجهاز عن طريق مسح التطبيقات القديمة بالكامل ثم القيام بتحميل تطبيقات جديدة…

يعتقد كثيرون أن جذور مسببات الفوضى و التناقضات و العبث و اللامعقول الذي يسود عوالم: السياسة و الإقتصاد و القانون و الأمن و الإجتماع و التعليم و الصحة و الإعلام و بقية مناحي الحياة في بلاد السودان تعود جميعها إلى طبيعة الإنسان السوداني و سلوكياته و ممارساتهم ، فالإنسان السوداني ما هو إلا:

١- ذلك النظامي الذي يعمل في القوات المسلحة و جهاز الأمن و الشرطة و المليشيات المختلفة مثل: الدفاع الشعبي و الجنجويد (الدعم السريع) و الحركات المتمردة المسلحة بكآفة مسمياتها و توجهاتها…
النظامي (الدَّيَاشِي) الذي رُسِّخَت في ذهنه أنه مختلف ، و أنه يتفوق على جميع المَلَكِية (المدنيين):
لو رَجَّعُوا المَلَكِيَة…
دَيَاشِي يوزن مية…

النظامي الذي لا يلتزم بالقانون بحسبان أنه فوق القانون و لا تطاله المحاسبة…

القيادي النظامي/المتمرد/الإنقلابي الذي يلجأ إلى الخطاب التعبوي الكاذب الذي يستغل/يأجج المشاعر ، يضرم/يذكي نيران العداوات و يكرس الإنقسام…

النظامي الذي يلجأ إلى إستخدام القوة و ممارسة العنف و البطش و التعذيب و القتل و الحرق و التخريب ضد المواطنين العزل و ذلك إلى جانب إستغلال النفوذ و ممارسة الفساد و الإفساد…

٢- و هو ذلك الإنسان ”الزعيم“ الذي يتربع على قيادة ”الحزب السياسي“ و الطآئفة بصفة الدم الشريف و الإنتمآء إلى ”البيت“ ، و ليس بصفة الجدارة و مقدرات القيادة ، الزعيم الذي يقود الحزب و الطآئفة اللذان يفتقدان إلى النظام و المنهجية و المؤسسية…

٣- و هو الزعيم القبلي الجهوي الذي أفسدته السياسة و الأنظمة و المطامع الشخصية ، فعمد إلى إستخدام/إستغلال جماعته و قبيلته و إقحامها في الصراعات السياسية و النزاعات القبلية و الإثنية…

٤- و هو السياسي الذي لا يمتلك رؤى أو برامج ، و لا يتقن السياسة أو العمل العام ، و لا يفهم من السياسة سوى: الخطابة و مفاوضات المحاصصات و التحالفات التي تخدم المصالح الذاتية ، كما يجيد ترتيب المكآئد و الدسآئس للخصوم ، و ينشط كثيراً في ممارسة الفساد و الإفساد و العمالة و الإرتهان للأجنبي/الشيطان و النفاق و الإرتزاق و التطفل…

٥- و هو المسئول الذي يقبل الوظيفة التي عرضت له عن طريق المحسوبية/الولآء ، و هو المفتقر إلى المؤهلات و القدرات التي تتطلبها تلك الوظيفة ، و الذي يعلم جيداً في قرارة نفسه أنه ليس الأجدر أو الأنسب أو الأنفع لتلك الوظيفة…

٦- و هو الإعلامي اللامهني الذي يداهن السياسي الفاسد و يوالي الأنظمة الطاغية الفاسدة ، و لا يمارس سلطات السلطة الرابعة المتمثلة في: نشر المعرفة و المعلومات الصحيحة و التنوير ، و ممارسة الرقابة على السلطات: التنفيذية و التشريعية و القضآئية ، و المساهمة في تثقيف و تشكيل الرأي العام ، و المشاركة/المساهمة في الدفاع عن قضايا و حقوق المواطنين…

٧- و هو ذلك القانوني الذي يدافع عن مدبري الإنقلابات و قيادات الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) ، قاهري و قاتلي الشعوب السودانية ، و في ذات الوقت يترأس اللجان التي تبحث في أمور المجازر و الإبادات الجماعية التي إرتكبتها الجماعة ، كما يشارك في صياغة مواثيق الثورة التي قامت للقضآء على نظام ذات الجماعة!!!…

٨- و هو المواطن الموظف في القطاع المدني و الإقتصادي و القانوني الذي يُسَهِّلُ الفساد و يجد له القنوات و يصوغ له المبررات…

٩- و هو المواطن السوداني الموظف في الخدمة المدنية الذي يمارس التسيب و عدم التجويد في العمل و الغلول و الرشا و الفساد و الإفساد و يبرع في إزدرآء المراجعين و تنغيص حياتهم و زيادة معاناتهم…
١٠- و هو المواطن العامل في مجال التربية و التعليم المساهم بمشاركته و مباركته في العمليات المفضية إلى التدني في مستويات التعليم و تدمير المرافق التعليمية الحكومية التي لا ترقى لتكون مؤسسات تعليمية ، العملية التعليمية التي تم تحويلها إلى نشاط إقتصادي إستثماري/طفيلي يتربع على قمة إدارته ”المعلم“ جنباً إلى جنب مع المستثمر/المرابى…

١١- و هو المواطن العامل في المجال الصحي الذي أصبح يتفنن في صناعة/تجارة الصحة التي تدر له الأموال و الأرباح الطآئلة عن طريق الإستثمار في مصيبة المرض و إستغلال حالات الضعف الإنساني ، و هو المشرف/العامل في الخدمات الطبية التي تفتقر إلى أدنى مقومات العناية الطبية و لا تقدم سوى صناعة الموت و الإعاقة…

١٢- و هو الإنسان المواطن البسيط الذي تمت برمجته على نسخة مشوهة من الدين الإسلامي لا تعرف من الدين سوى التكفير و القتل…
١٣- و هو الإنسان المواطن الذي يرى/يظن أن الوطن قصيدة و أغنية و رقص مع فنان/مقلد هابط ، أو مشروع/حلم وطن إشتراكي تقدمي يتم بنآءه في ندوة أو عند أقدام بآئعة شاي…
١٤- و هو ذلك المواطن السوداني الذي يُسَهَّلُ و يشاركُ الأجنبي في إستغلال موارد و ثروات البلاد و تهريبها إلى الخارج نظير الفتات…

١٥- و هو المواطن السوداني المساهم في النشاطات الإقتصادية الطفيلية التي تغرق البلاد بالسموم و المنتوجات الإستهلاكية الفاسدة المصنعة محلياً أو المستوردة من دول الجوار…
١٦- و هو ذات المواطن السوداني الذي ينشط في تجارة المخدرات و في القوادة العابرة للحدود و البلدان و القارات…
١٧- و هو المواطن الإنسان السوداني اللامبالي و الغير مكترث لما يدور من حوله من عبث و فوضى و غياب للأمن و الإستقرار…

١٨- و هو المواطن الذي لا تهمه صحة البيئة ، و لا يجزع مطلقاً للنفايات و القذارات المتراكمة التي تلوث البيئة من حوله ، و الذي لا يعنيه التلوث و فوضى الأسواق و ردآءة الأغذية و الأطعمة…

١٩- و هو المواطن الذي لا يأبه للخدمات المقدمة له ، إن وجدت ، الخدمات البالغة الردآءة التي تفتقر إلى أبسط الأبجديات…
٢٠- و هو ذات المواطن الذي لا يجرؤ على مواجهة القوادين و العاهرات من حوله إلا من خلال الإستنكار في الوسآئط الإجتماعية…

٢١- و هو المواطن السوداني المسلوب الإرادة الذي لا يتخذ أي إجرآء ، حتى و لو أضعف الإيمان ، حيال شقيقه النظامي القاتل و أخيه السمسار العاطل اللذان يشاركانه السكن أو قريبه السياسي الفاسد المرتزق أو صديقه المتأسلم المتطرف أو جاره العامل/الموظف المتسيب/الفاسد/المرتشي أو قريبه المهني المنافق/الأرزقي/الطفيلي الذي إغتنى عن طريق أكل السحت و المال الحرام و المحسوبية و إستغلال النفوذ و خداع الغلابة…

٢٢- و هو المواطن الذي إختار الإبتعاد و الهروب من جحيم بلاد السودان عن طريق الإغتراب/الهجرة ، و آثر الجهاد عن طريق إرسال المعونات من خلال بوابة السوق الموازي (الأسود سابقاً)…

جميع نشاطات و ممارسات و سلوكيات الإنسان/المواطن السوداني (النظامي/الزعيم/السياسي/المرتزق/المتأسلم/الإعلامي/التقدمي/المهني/المسئول/الموظف/الطفيلي/العامل/العاطل/المغترب/المهاجر) تتحكم فيها صفات و أخلاق و قيم متجذرة في أعماق النفس السودانية ، صفات و قيم أخلاقية توجه و تقود إلى محصلات نهآئية سالبة تضر كثيراً بالإنسان السوداني و ما حوله ، هذه الصفات قد تجذرت في الإنسان السوداني حتى أصبحت من ذاته و طبيعته ، من هذه الصفات على سبيل المثال و ليس الحصر:

– الحسد
– الجهل
– الأنانية
– السبهللية
– اللامؤسسية
– اللامنهجية
– اللامبالاة
– اللافعالية

يمارس الإنسان السوداني ما يمارس ظناً منه أنه يحافظ على ”المكاسب“ و هو يجهل أنه بفعله ذلك و ممارساته و سلوكه الغير سوي يسبب لذاته و الآخرين الضرر البليغ ، و غالباً لا يعلم أن بإمكانه الحصول على نتآئج أفضل و مردود إيجابي في حالة الإقلاع عن الأفعال و السلوكيات السالبة و الإحجام عن ممارسة الفساد و الإنخراط في العمل الجآد الصالح و ممارسة الحياة القويمة في ظل سيادة دولة القانون و المؤسسات…

و قد/ربما تبدو الفقرة الأخيرة منطقية و معقولة بإفتراض أن الإنسان السوداني لديه القابلية للتغيير و الإستعداد للعقل و التدبر و العمل ، لكن حقيقة الأمر تشير إلى أن الأمر ليس بذلك اليسير ، بل أنه جد عسير ، و ذلك لأن التغيير دوماً يواجه بالرفض ، و يستغرق زمناً ، و يتطلب الكثير من الجهد و الصبر…

كما أن الوقآئع و دلآئل الأحوال تُبَيِّنُ/تشير إلى أن الإنسان السوداني قد طرأت عليه الكثير من التغيرات السالبة نتيجة عقود من حكم الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) الغير راشد ، مما أدى إلى أصابة/تلوث فكره و سلوكه بسموم تعاليم الفكر (الكيزاني) الضآل/الفاسد ، لذلك و قبل البدء في عملية التغيير الشآقة فلا بد من مسح جميع التطبيقات الملوثة/الفاسدة التي ترسبت في أعماق عقل و نفس الإنسان السوداني ، ثم الشروع فوراً في (فَرمَتَة) ذلك الإنسان و تشغيله على برنامج جديد مدروس و متفق عليه ، أو على أقل تقدير إعادة ضبطه على برنامج المصنع الأصلي!!!…
و يمكن محاولة تطبيق ذلك بتبني مشروع ثورة التغيير الشاملة ، التي تهدف إلى إعادة صياغة الإنسان السوداني و تأهيله عن طريق بوابة التربية و التعليم…

الإنسان السوداني الجديد الذي أعيدت (فَرمَتَتَه) و صياغته حتماً سوف يكون فاعلاً و قادراً على بنآء الوطن الجديد الذي يصلح العيش فيه و يطيب لجميع مكونات الشعوب السودانية…

الختام:
يجب أن يعلم الإنسان السوداني أنه في سباق مع الزمن ، و يجب عليه الإسراع في تفعيل (مشروع الفَرمَتَة) و التغيير حتى يتسنى له الإفلات من حالة الخسران التي يمر بها:
{ وَٱلۡعَصۡرِ (١) إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ (٢) إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ (٣) }
[سُورَةُ العَصۡرِ: ١-٣] و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..