اغسطس 2020 الذكرى ال57 لخطبة ” عندى حلم”

اغسطس 2020 الذكرى ال57 لخطبة ” عندى حلم” I have a dream للقس مناهض التفرقة العنصرية الدكتور مارتن لوثر كينغ
الخطبة التى اعتبرت الاكثر قوة و بلاغة فى التاريخ الحديث !!
* عندي حلم بأنه في يوم ما على تلال جورجيا الحمراء سيستطيع أبناء العبيد السابقين الجلوس مع أبناء أسياد العبيد السابقين معاً على منضدة الإخاء.
مارتن لوثر كينغ
” لقد الهم و علم مارتن لوثر كنغ بالطريقة التي تحدث بها ليس فقط الحاضرين المستمعين، ولكنه ألهم وعلم وأعلم كل الناس في كل أميركا وكل الأجيال المقبلة التي لم تُولد بعد”.
النائب في مجلس النواب الأميركي، جون لويس
فى الاسبوع الماضى مرت علينا الذكرى 57 لاشهر خطبة فى التاريخ المعاصر بسبب قو كلماتها وسحر بلاغتها و التاثير الكبير الذى تركته بعد ذلك على مستوى العالم عامة و الولايات المتحدة خاصة و ينظر اليها المؤرخون على انها كانت من اهم معاول هدم التفرقة العنصرية المتجذرة فى الولايات المتحدة ذات التاريخ الطويل و المخزى منذ الحقبة الاستعمارية أي منذ بداية القرن السادس عشر، حيث أُعطي الأمريكيّون البيض امتيازات وحقوق دوناً عن كلّ الأعراق الأخرى، مُنح الأمريكيون الأوروبيّون (خاصة البروتستانت الأنجلوسكسونيون البيض الأغنياء) امتيازات حصريّة في مسائل التّعليم والهجرة وحقوق التّصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائيّة طوال التّاريخ الأمريكي. لم تمنح لغيرهم
ففى يوم 28 اغسطس 2020 كان للتاريخ وقفته ليسجل باحرف من نور الخطبة التى القاها القس الدكتور مارتن لوثر كينغ , الامريكى الاسود الحائز لجائزة نوبل للسلام فى العام 1964 و زعيم حركة الحقوق المدنية التى تدعو الى ازالة التفرقة العنصرية فى المجتمع الامريكى حيث كان الامريكيون من ذوى الاصول الافريقية يعانون من تفرقة عنصرية حادة جدا من قبل البيض تجاه مواطنيهم السود حيث كان غير مسموح للسود بدخول الاماكن التى يرتادها البيض فى المدارس ووسائل النقل و المواصلات وخلافها . ومعروف عن القس مارتن لوثر ايمانه بالتغيير و نيل الحقوق باتباع الوسائل السلمية و الابتعاد عن العنف ويعود ذلك الى خلفيته الدينية و اعجابه بافكار و مبادئ المهاتما غاندى ” الساتياغراها” التى تعنى قوة الحق وهي فلسفة تقوم على المقاومة السلمية اللا عنيفة كوسيلة لتحقيق الإصلاح الاجتماعي والسياسي، حتى انه قد تعرض للانتقاد من قبل بعض زعماء حركات محاربة التفرقة العنصرية مثل مالكولم اكس والذى كان يرى فى منهج مارتن لوثر بانه ضعيف ووديع و طريقته و اسلوبه هذا لا يحقق مطالب و امنيات السود فى المساواة و رفع الظلم عنهم وكانوا يدعون الى مواجهة البيض بالقوة و العنف اللازم , ولسخرية القدر فان مارتن لوثر الذى كان طيلة حياته القصيرة يدعو الى نبذ العنف فان ذلك لم يشفع له اذ انه اصبح واحد من ضحايه اذ تم اغتياله وقتله فى عمر ال39 بواسطة رجل ابيض يدعى جيمس ايرل راى فى 4 ابريل 1968! وهنالك فرضية قوية تقوم على ان هذا الاغتيال لم يكن عملا فرديا قام به احد المتعصبين البيض بل هو عمل تم التخطيط له و تنفيذه بواسطة جهة متنفذة تملك الكثير من الامكانيات التى لا تتوفر لدى الافراد العاديين !!
وُلد مارتن لوثر كينج ، في ولاية جورجيا، مدينة اتلانتا في15 يناير 1992 فى حي “سويت أوبورن”؛ وهو الحي المخصص للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية. وكان والده يعمل قسًا معمدانيًا ويُدعى السيد “مارتن”، وأمٍ تعمل معملة وتُدعى “ألبرتا ويليامز كينج”. لم يكن الاسم الحقيقي لكينج هو “مارتن” بل كان “مايكل”، وهو نفس الاسم الذي كان يحمله والده، ولكن مايكل الأب قام بتغيير كلا الاسمين وأصبح الاسم الجديد هو مارتن لوثر تيمنًا بالمصلح واللاهوتي الألماني “مارتن لوثر”. مارتن لوثر والذى ولد فى مدينة اتلانتا معقل العنصرية فى الولايات المتحدة فى في مدينة أتلانتا التي كانت وقتها تعج بأبشع مظاهر التفرقة العنصرية، بانه كان يجد صعوبة فى فهم او تفسير لماذا يتجنبه أقرانه البيض، ولماذا كانت الأمهات تحذر ابنائهن من اللعب معه , فعندما كان بعمر السادسة، تم الفصل بينه وبين صديق أبيض وذهب كل منهما إلى مدرسة مختلفة، وعندما وصل إلى عمر الرابعة عشر أُجبر على إعطاء مقعده في الحافلة لراكب أبيض في طريق عودته إلى جورجيا. بعد هذه الواقعة فاز كينج بمسابقة للخطابة تحدث فيها عن المساواة في الحقوق، وكان ذلك الفوز الحافز الذي دفعه لمواجهة ظلم التمييز العرقي. ، ومع ذلك كان دائما يتذكر قول أمه “لا تدع هذا يؤثر عليك بل لا تدع هذا يجعلك تشعر أنك أقل من البيض فأنت لا تقل عن أي شخص آخر”. ويقول مارتن لوثر بان كلمات والدته هذه ظلت محفورة فى ذاكرته الى الابد ! وبعدها دخل كينغ المدارس العامة في سنة 1935، ومنها إلى مدرسة المعمل الخاص بجامعة أتلانتا ثم التحق بمدرسة “بوكر واشنطن”، وكان تفوقه على أقرانه سبباً لالتحاقه بالجامعة في آخر عام 1942، حيث درس بكلية مورهاوس التي ساعدت على توسيع إدراك كينغ لثنايا نفسه والخدمة التي يستطيع أداءها للعالم. وفي سنة 1947 تم تعيينه مساعدًا في كنيسة أبيه، وصار قس معمداني، ثم حصل على درجة البكالوريوس في الآداب في سنة 1948، ولم يكن عمره تجاوز 19 عاما، ثم حصل على الدكتوراة في الفلسفة من جامعة بوسطن وفي عام 1951م حصل على بكالوريوس في اللاهوت، وفي عام 1955م حصل على درجة الدكتوراه
وبالعودة الى الخطبة التاريخية والتى القاها فى حشد يقدر ب 250 مليون شخص من المشاركين فيما يعرف ب” المسيرة الكبرى الى واشنطن” المدنية الى واشنطن وامام النصب التزكارى للرئيس الامريكى ابراهام لينكولن 1809-1856 الذى يعتبر واحد من اعظم رؤساء الولايات المتحدة برغم الفترة القصيرة التى قضاها فى الحكم ( 4 سنوات فقط) وللمصادفة المدهشة بان كلا الرجلين ( ابراهام لينكولن و مارتن لوثر كينغ) يشتركان فى العديد من الاشياء فكلاهما حاربا العبودية و التفرقة العنصرية و كلاهما قد تم اغتيالهما من قبل العنصريين و توفيا قى سن صغيرة نسبيا ( لينكولن عن 56 عام و مارتن لوثر كينغ عن 39 عام) كما ان كلاهما قد اشتهرا بالبلاغة و اجادة الخطابة فلنكولن قد اشتهر بخطبته التاريخية الشهيرة المسماة “خطبة غيتسبيرغ” والتى لاتزال كلماتها تدرس الان والتى يقول فيها ” وأن هذه الأمة، تحت سلطة الرب سوف تنعم بنهضة جديدة للحرية وأنه حكم للشعب، و بيد الشعب، ومن أجله، ويجب أن يبقى كذلك ويُحفظ من الفناء.” وخطبة مارتن لوثر كينغ ” عندى حلم” والتى والتى هى موضوع مقالتنا هذه .
هنالك الكثير من التحليل و النقد لخطبة مارتن لوثر من ناحية البلاغة , ولكن هنالك اتفاق عام على ان الخطبة كانت و لازالت تحفة بديعة اذ انها جمعت بين قوة المنطق مع جمال الاسلوب , ومن اهم ما جاء فى هذه الخطبة:
* عندي حلم بأنه في يوم ما على تلال جورجيا الحمراء سيستطيع أبناء العبيد السابقين الجلوس مع أبناء أسياد العبيد السابقين معاً على منضدة الإخاء.
* هذا هو أملنا. هذا هو الإيمان بأنه عندما أعود إلى الجنوب… بهذا الإيمان سنكون قادرين على شق جبل اليأس بصخرة الأمل. بهذا الإيمان سنكون قادرين على تحويل أصوات الفتنة إلى لحن جميل من الإخاء. بهذا الإيمان سنكون قادرين على العمل معاً، والصلاة معاً، والكفاح معاً، والدخول إلى السجون معاً، والوقوف من أجل الحرية معاً، عارفين بأننا سنكون أحراراً يوماً ما.
* عندي حلم بأنه في يوم ما سيعيش أطفالي الأربعة بين أمة لا يُحكم فيها على الفرد من لون بشرته، بما تنطوع عليه اخلاقهم.
* دعوا الحرية تدق. وعندما يحدث ذلك، عندما ندع الحرية تدق، عندما ندعها تدق من كل قرية ومن كل ولاية ومن كل مدينة، سيكون قد اقترب هذا اليوم عندما يكون كل الأطفال الذين خلقهم الله: السود والبيض، اليهود وغير اليهود، الكاثوليك والبروتستانت قد أصبحوا قادرين على أن تتشابك أيديهم وينشدون كلمات أغنية الزنجي الروحية القديمة: «أحرار في النهاية! أحرار في النهاية! شكراً يا رب العالمين، نحن أحرار في النهاية!».
* عندي حلم بأنه في يوم ما ستنهض هذه الأمة وتعيش المعنى الحقيقي لعقيدتها الوطنية بأن كل الناس خلقوا سواسية.
* عندي حلم أنه في يوم ما في ألاباما، بمتعصبيها العميان وحاكمها الذي تتقاطر من شفتيه كلمات الأمر والنهي؛ في يوم ما هناك في ألاباما ستتشابك أيدي الصبيان والبنات السود والصبيان والبنات البيض كإخوان وأخوات. أنا عندي حلم اليوم!
* أنا أقول اليوم لكم يا أصدقائي إنه حتى على الرغم من الصعوبات التي نواجهها اليوم والتي سنواجهها في الأيام المقبلة، لايزال عندي حلم، وهو حلم ضارب بجذوره العميقة في الحلم الأميركي.
ويجدر ذكره بان عبارة ” عندى حلم” التى تكررت فى خطاب مارتن لوثر حوالى ال 8 مرات قد استوحاها من المغنية السوداء الراحلة و رفيقة نضال مارتن لوثر ضد التفرقة العنصرية ” ماهاليا جاكسون” التى كانت تلقب بملكة موسيقى التراتيل الكنسية Gospel music
ويبدو ان تاثير الخطبة و الفعاليات التى صاحبتها قد افلحت فيما بعد إلى حد ما حيث وقع الرئيس الأمريكي أنذاك ليندون بينز جونسون قانون الحقوق المدنية معتبراً أن التمييزَ على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس، أو الأصل القومي، امر مخالف للقانون. غير أن الإلغاء الرسمي للتمييز العنصري لم يضع حدا له حيث شهدت الستينيات الكثير من الإحتجاجات وأعمال شغب أدت في واتس عام 1965، وفي ديترويت عام1967، ثم في عام 1968، تأججت باغتيال مارتن لوثر كينغ.،احتجاجات خلفت عشرات القتلى وآلاف الاعتقالات , ويبدو الان ان العنصرية كما الفتنة تماما تظل نائمة الى ان تجد من يوقظها ولنا مثال فى الاحداث التى صاحبت مقتل الامريكى الاسود جورج فلويد بعد ان تعرض للاعتداء من قبل الشرطة فى ابريل الماضى فعمت بعدها الاحتجاجات جميع ارجاء العالم. ي عام 1964م صدر قانون الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية . وفي العام نفسه أطلقت مجلة “تايم” على مارتن لوثر كينغ كينغ لقب “رجل العام” فكان أول رجل من أصل أفريقي يمُنح هذا اللقب، ثم حصل في عام 1964 على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف ، ، فكان بذلك أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة عن35 عاما
وهكذا نرى ان التاريخ يفتح ابوابه و يحتفى بهؤلاء الاشخاص الذين يؤمنون و يقاتلون فى سبيل معتقداتهم , مبادئهم و افكارهم التى امنوا بها و عملوا من اجلها حتى و لو كان الثمن هو حياتهم اغلى ما يمتلكون
والى اللقاء
امير شاهين
[email protected]



