أخبار السودان

عمالة الأطفال.. قصص مؤلمة

* محليات أمبدة، وأم درمان ووحداتها الإدارية الصغرى ترتزق وتتكسب من وراء الأعمال الشاقة للأطفال

* مدير وحدة سوق ليبيا بمحلية أمبدة: مُجبرون على مخالفة اللوائح القانونية لحقوق الطفل والسماح لهم بالعمل داخل الأسواق

* سوق ليبيا: المحلية لا تقوم بتأجير الدرداقات للأطفال، ويتم ذلك عبر شركة امتلكت تصديق رسمي بتوجيهات واضحة لحفظ النظام بالسوق

* المساعد الاداري مكتب التعليم بمحلية أمبدة: نسبة التسرب (7) ألف تلميذ، أي بنسبة 10%

* مدير الإدارة العامة للتنمية الاجتماعية: الظروف الاقتصادية الصعبة تدفع الأطفال إلى ترك المدرسة والانصراف إلى الأعمال.

تتطلب الطفولة بوصفها مرحلة من مراحل نمو الإنسان، العناية والتهذيب والتربية والتدريس، وليس الإهمال والتعب والشقاء لجهة أن الأطفال ثروة البلاد ومستقبلها الزاهر، وهو ما يحتم ضرورة مراعاة تنشئتهم في بيئة صالحة تسمح لهم بالنمو الطبيعي بعيداً عن أجواء القهر والحرمان والمعاناة والذلة والإهانة، الأمر الذي يجب أن يكون ضمن أولويات أي حكومة راشدة، إلا أنه بسبب الوضع المادي لكثير من الأسر الفقيرة تسرب ابنائها من دائرة التعليم، لجهة أنها لا تستطيع الإيفاء بمتطلبات أبنائها الطلاب من المصروفات المدرسية التي اصبحت جميعها تقع على عاتق الأسر اصبحت في الآونة الأخيرة هاجساً كبيراً لهم مما أدى الى تسرب التلاميذ من المدارس الحكومية والخاصة على السواء، ودفعت بهؤلاء الأطفال اللجوء الى العمل في الأعمال الهامشية في الأسواق، بالاضافة الى عمل الكثير منهم على العربة اليدوية (الدرداقة).

تحقيق ـ فدوى خزرجي

مخالفة للوائح الدولية

كان من الواضح من خلال التحقيق بأن كافة المحليات أمبدة، وأم درمان ووحداتها الإدارية الصغرى داخل الاسواق كانت عاجزة عن رعاية الأطفال وضمان حقوقهم، بل ترتزق وتتكسب من وراء الأعمال الشاقة التي يقومون بها، حيث كان يمارسون أعمالا تعرض حياتهم للضغوط والخطر المتواصل مثل عمل (الدرداقات) التي تجبر أجسادهم الضعيفة على سحب حمولات ثقيلة وأكبر من قدرتهم بكثير، حيث كشف التحقيق رصد لعمالة الاطفال داخل الاسواق واتضح أن اكثر من (3) ألف طفل يعملون (بالدراقات) التي يتم استئجارها مقابل مبلغ مالي قدره (500) جنيه لليوم، بالاضافة الى أن (الدرداقات) تحمل اسم تعريفي باسم الوحدة التي تتبع بالاضافة الى كتابة رقم تعريفي متسلسل، أحد المتعهدين باحدى المواقع أكد بأن المحلية من تقوم بتأجير الدرقات داخل السوق.

وفي المقابل أكد اكثر من (200) طفل يعملون بتلك الاسواق، بأن المحلية تؤجر لهم (الدردقات)، حسب افادتهم لـ(الجريدة)، مما يشير إلى أن الاتهامات تدور حول المحلية ووحداتها الإدارية بالأسواق.

حمل البضائع

وكان من بين هؤلاء الأطفال، الطفل محمد الطاهر الذي كان يرتدي زيه المدرسي ويظهر عليه التعب، ورغم ذلك كان مبتسما يروي لـ(الجريدة) تفاصيل اسباب اختياره العمل على (درداقة) في السوق وقال: أبلغ من العمر ثلاثة عشر ربيعاً، اسكن نيفاشا الحارة ٦٣ ، نسبة للظروف المعيشية لم استطع تسديد رسوم الامتحانات التي تقدر بمبلغ 4 ألف جنيه، مما دفع ادارة المدرسة لطردي، وأسرتي لم تستطع تسديدها مما أجبرني أن اعمل في حمل البضائع على الدرداقة في السوق عقب انتهاء اليوم الدراسي لتوفيرها، وأقوم بتأجيرها من المحلية بمبلغ 500 جنيه يومياً، وأكد في ذات الوقت بأنه يوجد عدد كبير من رفاقه يعملون في السوق بسبب ذلك، والبعض الآخر منهم ترك الدراسة نهائياً.

استيعاب أطفال في شركات

وبعد الرصد والمتابعة لـ (الجريدة) لتلك المشكلات التي ظلت تلاحظها باستمرار بعدد من أسواق العاصمة الشعبية، بأنه يتم استيعاب الأطفال في شركات لديها سجل تجاري مثل شركة (سندان لتأجير الدرداقات)، بالإضافة إلى عمالتهم في عدد من القطاعات غير المهيكلة في الأسواق وفي البناء وغيرها من الأعمال التي قد تكون ذات خطورة على حياتهم في أحيان كثيرة.

مخالفة حقوق الطفل

عقب ذلك توجهت (الجريدة) الى مباني الوحدة الادارية لسوق ليبيا والتقت بمدير وحدة سوق ليبيا صلاح جبريل اكو بمكتبه، ووجهت له جملة من الاسئلة حول الاتهامات التي ترتبت نتيجة اجراءاتهم في تنظيم الأسواق وفرض رسوم على استئجار العربات اليدوية (الدراقات) باستلام عائد عمل للأطفال ثم يمنحهم الفتات ويتقاسمون الأموال لاحقا مع المحليات؟ وماهي الجهة التي تقوم بتأجيرها لهم؟ وهل هناك ضوابط لتأجيرها؟

للرد على ذلك ابتدر حديثه مؤكدا بأن المحلية لا تقوم بتأجيرها بل يتم ذلك عبر شركة تسمى شركة (سندان) مسؤولة من ذلك، وقال : اولا اوضح بأن في إطار حفظ النظام بالأسواق طرحت المحلية عطاء الشركات المتعهدة في ذلك المجال بالأسواق وعقب ذلك تم إرساء العطاء لشركة “سندان” وامتلكت تصديق رسمي بتوجيهات واضحة لحفظ النظام بالسوق، وتسدد مقابل ذلك ايجار شهري للمحلية قدره 2 مليار 250 ألف شهريا، واضاف: أما فيما يخص الضوابط المحلية اشترطت للشركة عدم تشغيل العمالة دون سن الـ18 عاما، وان يتم تأجيرها بالرقم الوطني أو ضامن، مؤكداً الوقت بأن المحلية تقوم بشكل دوري بمتابعة ومراجعة الشركة حتى تتأكد بأنها لا تحالف تلك الضوابط .

ومن جانبها اكدت (الجريدة) في الوقت لمدير الوحدة بأنها رصدت عدد أكثر من (500 ) طفل دون سن الـ18 يعملون بالدرداقات بسوق ليبيا ووجهت له بسؤال آخر كيف يتم ذلك؟ رد متهما اشخاص يقومون بتأجيرها دون ضوابط لهؤلاء الأطفال دون علم الشركة، ووصفها بالظواهر المخالفة بتأجيرها من خارج الشركة دون ضوابط، ثم عاد واستدرك قائلا: لكن بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة للأسر واعتمادهم على ابنائهم لتوفير لقمة العيش أصبحنا مجبرين كمدراء وحدات بالأسواق على مخالفة اللوائح القانونية لحقوق الطفل والسماح لهم بالعمل داخل الأسواق لتوفير ذلك.

اسباب التسرب المدرسي

وحسب الاحصائيات التي حصلت عليها “الجريدة” لعمالة الاطفال داخل الاسواق من لجان الخدمات والتغيير بالأسواق التي تؤكد بأنه ارتفعت نسبة تسرب التلاميذ من المدارس نسبة لتفاقم الازمة الاقتصادية الاخيرة التي أثرت على كثير من الاسر الفقيرة، هذا ما اكدته مدير الشؤون التعليمية بمحلية ام درمان ازهري مصطفى عبد الله بأن عدد تسرب التلاميذ للعام 2022 م _2023م من المدارس 6 ألف و809 تلميذ بنسبة 10% من المدارس الحكومية بمحلية ام درمان، وقال في تصريح لـ”الجريدة”: بان عدد المدارس بمحلية ام درمان 225 مدرسة حكومية، بها 68 ألف و93 تلميذ، ومنوها إلى أن أكثر التلاميذ ترسبا من المدارس الحكومية في المناطق الطرفية، وارجع ذلك الى الضائقة المعيشية التي اثرت على دخل الأسر بشكل مباشر مما أجبرهم بدفع أبنائهم للعمل في الأعمال الهامشية لتوفير لقمة العيش.

الظروف الاقتصادية

وكانت ظاهرة ارتفاع عمالة الاطفال بالأسواق و الاستوبات في الفترة الأخيرة تشير بان هناك نسبة تسرب التلاميذ من المدارس بصفة عامة، ولتأكيد ذلك التقت “الجريدة” بالمساعد الإداري لمكتب التعليم بمحلية أمبدة بالإدارة العامة للشؤون التعليمية لمرحلة الاساس عبد القادر عبد الله أحمد، الذي تحسر قائلا: على الرغم من أن التعليم منة الله للناس في الأرض لكن هنالك بعض الظروف قد تحول في مواصلة التلاميذ لدراستهم ذات تأثير بشكل كبير جداً خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في الآونة الاخيرة التي تعتبر ذات أثر مباشر في تسرب الكثير من التلاميذ من المدارس وخاصة المدارس التي تقع بالقرب من الاسواق، كاشفا عن عدد المتسربين من المدارس الحكومية بمحلية أمبدة هذا العام 7 الف تلميذ، بنسبة 10% بمحلية أمبدة، ولفت الى أنه يبلغ عدد المدارس الحكومية بمحلية أمبدة 308 مدرسة حكومية وبها اكثر من 70 ألف تلميذ.

وفي رده على سؤال (الجريدة) حول ترويج المخدرات بالمدارس؟ قال: في الحقيقة زراعة هذا السم لم تبدأ اليوم أو الأمس بل بدأت قبل فترة طويلة من الزمن خاصة بالمناطق الطرفية، وكنا نلاحظ بأن هناك جهات تقوم برمي بعض من الحبوب المخدرة في أزيار مياه الشرب بالمدارس مما تسبب في قوع عدد من حالات اغماء وسط الأطفال وعند نقلهم الى المستشفى كانت نتيجة الفحص تثبت وجود نسبة مخدر بالجسم، واتهم بعض الحركات المسلحة باستغلال الأطفال وتجنيدهم.

أسباب تدعو للتسرب

هناك جملة من الأسباب التي تدعو الى التسرب من التعليم الاسباب الاقتصادية، الاجتماعية، النفسية، هذا ما نوهت إليه مدير الإدارة العامة للتنمية الاجتماعية سمية إدريس مصطفى، وقالت في تصريح لـ(الجريدة) أن الظروف الاقتصادية الصعبة هي التي تدفع بالأطفال إلى ترك المدرسة والانصراف إلى الأعمال، حيث البعض منهم يتكفل بمصروفات الأسر لعدم مقدرة الأب لأسباب مختلفة أو عدم وجوده في الأسرة، واضافت: من هذه الأعمال بيع المناديل والأشياء الصغيرة في الاستوبات أو العمل في الدردقات أو في المحال التجارية بالأسواق أو كمساري في وسيلة مواصلات لتوفير لقمة العيش، وحذرت من مخطورة تلك الأعمال خطرة بالنسبة للأطفال لوجودهم في وسط لا يتلائم مع عمرهم من حيث الممارسات والاخلاقيات.

وجزمت بأن ضعف المرتبات مقارنة بالوضع الاقتصادي الراهن السبب الرئيس للتسرب من التعليم كما أنه يعد أكبر الدوافع لذلك، واوضحت: عدم ايفاء الأسر بمتطلبات ابنائها الطلاب من المصروفات المدرسية في الآونة الأخيرة التي اصبحت جميعها تقع على عاتق الأسر مما أدى الى تسرب ابنائها المدارس الحكومية والخاصة على السواء، ولفتت الى يكون في بعض الأحيان أكثر من خمسة طلاب الاسرة الواحدة، وأردفت: كل تلك الاشياء وعدم الأيفاء بها يجعل الطالب أو الطالبة يزهد في الذهاب الى المدرسة.

وتابعت: أيضا من تلك الأسباب توجد اسباب اجتماعية مثل التفكك الأسري سواء كان بالطلاق أو الهجر أو الزواج من أخرى حيث يتخلى الزوج أو الأب عن دوره كرب للأسرة والانصراف منها للزواج من أخرى أو الرحيل خارج البلد وترك الأم لوحدها وهي لا تستطيع السيطرة على الأبناء وخاصة الكبار نوعاً.

وذكرت بالاضافة إلى ذلك توجد اسباب نفسية تتسبب في التسرب حيث يجد الطالب نفسه وحده لا يجد من يهتم به أو يراجع معه الدروس فالأب غير موجود بجانبه والأم منشغله وذلك قد يجعل الطالب يكره الدروس ويكره المدرسة وربما يشعر بالدونية وسط الطلاب وأنه أقل من رفاقه في المدرسة من حيث المستوى وهي مرحلة الفشل الدراسي حيث لا يجد من يعينه على حفظ دروسه أو فهمها ويترك المذاكرة أو الدروس أولا وثانياً المدرسة، ونوهت الى أن اكثر المناطق تسربا من التعليم بأم درمان المناطق الطرفية وخاصة مناطق الريف الجنوبي.

الجريدة

 

تعليق واحد

  1. الذين تتحدث عنهم الصحفية الاغلبية العظمى منهم غير سودانيين .. ارجو ان تتطرق الى هذه النقطة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..