فتحي الضو: “3-3” : ما زال الطريق طويلاً أمام النظام لكي يلبي المطلوبات الأمريكية العصية.. كل من لبى دعوات النظام تعاطى الحرام عمداً

فتحي الضو: “3-3” * “أوان العودة اقترب وإن طال السفر” * المعارضة لم تستطع حتى الآن الوصول إلى الطموحات المواطن الحقيقية في شتى بقاع الوطن * ما زال الطريق طويلاً أمام النظام لكي يلبي المطلوبات الأمريكية العصية
* الكثير من أرباب الأنظمة المغضوب عليها يظنون أن مجرد تصريح إيجابي عابر لمسؤول أمريكي يعني تحسن العلاقة!
* النظام يريد “زواج متعة” مع الإدارة الأمريكية ليست فيه أي واجبات
* أشعر بشيء من الشفقة على نظام رفع عقيرته ذات يوم وبشر أمريكا بدنو عذابها.. واليوم ضربته الذل والمسكنة ويريدها أن ترفع عنه عذابها!
* لا أستطيع أن اقول إن الربيع العربي فشل أو نجح.. الشعوب في حالة صيرورة دائمة
* المنطقة العربية عموماً ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً أشبه بالرمال المتحركة
* روسيا تتغلغل في حماية حلفائها بعقلية انتهازية واستغلت ضعف إدارة أوباما في السياسة الخارجية
* “داعش” جاءت من مساماتنا وغفلتنا وممارساتنا وفهمنا الخاطئ لعقيدة سامية
* أشعر بكثير من الأسى عندما أقرأ لبعض الزملاء ممن يمارسون فهلوة الحواة وينسون أمانة القلم!
* تجربتي في أمريكا أرهقتني بالمقارنات وأثقلتني برفاهية لا أجد لها طعماً
* المشاريع المطروحة على مستوى الكتل المعارضة في الجبهة الثورية أم نداء السودان هل ستصل لغايتها وتجد المساندة الشعبية؟
– أي مشاريع لا تحظى بمساندة شعبية واسعة وقوية لن تحقق غايتها. من خلال هذا المنظار يمكن القول إن المعارضة الممثلة في الجبهة الثورية أو نداء السودان لم تستطع حتى الآن الوصول إلى الطموحات الحقيقية التي يتأملها المواطن السوداني في شتى بقاع الوطن. النخبوية ما زالت هي العامل المسيطر على أنشطة هذه القوى، أي وقعت في نظرية ما يُسمى بالهرم المعكوس. أما العامل الثاني الذي يحد من مساندة مشاريع تلك القوى فهو يكمن في التطبيق العملي، إذا نظرت لأطروحات هذه القوى على المستوى النظري تصل لنتيجة مفادها أنها لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ووضعت لها حلاً، ولكنها تعجز عن تطبيق ذلك على أرض الواقع.
* أمريكا من جانبها تساند النظام يمكن ملاحظة ذلك في جلسات مجلس حقوق الإنسان. وبالمقابل فقدت المعارضة سندها الدولي الذي تعول عليه كثيراً؟
– لا.. لا ليس الأمر بهذه البساطة. ما زال الطريق طويلاً أمام النظام لكي يلبي المطلوبات الأمريكية وهي عصية، ولا أعتقد أن الإدارة الأمريكية يمكن أن تقدم على خطوة كهذه في ظل مناخ الانتخابات الماثل. ماكنيزم القرار في الإدارة الأمريكية معقد جداً، بعض من في السلطة يعتقد أنه من شاكلة (النار ولّعت وأتوطأ فوق جمرها) هناك الكثير من أرباب الأنظمة المغضوب عليها يظنون أن مجرد تصريح إيجابي عابر لمسؤول أمريكي يعني تحسن العلاقة. النظام في الخرطوم يريد (زواج متعة) مع الإدارة الأمريكية ليست فيه أي واجبات. والحقيقة أشعر بشيء من الشفقة على نظام رفع عقيرته ذات يوم وبشر أمريكا بدنو عذابها، واليوم ضربته الذل والمسكنة ويريدها أن ترفع عنه عذابها.
* التشكيلات في منطقة القرن الأفريقي حسب تجربتك.. كيف تنظر لها؟
– دعني أقول لك شيئاً، قضيت عشر سنوات متجولاً في كل دول هذه المنطقة، غطيت حروبها ونقلت أنشطتها التنموية والسياسية والثقافية، وأستطيع أن أقول إنها كانت أخصب الفترات في حياتي العملية، استفدت منها حتى في تشكيل شخصيتي المهنية، وورثت منها علاقات إنسانية مع شرائح متعددة من تلك المجتمعات ما زالت مستمرة ومصدر اعتزازي. هذه المنطقة ما تزال بكراً في كل شيء، مأساتها تتمثل في الحروب والديكتاتوريات القابضة على مصائرها. وددت لو أن الصحافيين السودانيين اتجهوا إلى هناك لرصد مجريات الأحداث فلربما أفادوا القارئ واستفادوا معرفةً وتثقيفاً.
* الصراع حول المياه وخاصة سد النهضة إلى أين سينتهي برأيك؟
– لا أعرف كبير شيء من الناحية العلمية عن هذا الموضوع، لكنني أثق جداً في ما ظلَّ يطرحه صديقنا خبير المياه الدولي دكتور سلمان محمد أحمد سلمان. لكن ما أود أضيفه هو التأكيد على أن هذا العالم ليس غابة كما يظن البعض، إذا كانت هناك خطورة من هذا السد فهل تعتقد أن ذلك سيكون حصراً على السودان ومصر؟ وهل يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدى أمام سد يهدد ملايين بانهياره؟ أعتقد أن ما يروجه البعض لا يجد سنداً ولا منطقاً، لذا أتوقع أن يمضي في طريق اكتماله وسيصبح واقعاً ملموساً وفق ما خططت له إثيوبيا، وما على الآخرين سوى النظر في كيفية التعامل مع هذا الواقع بالفوائد والمنفعة المشتركة.
* التحالف العربي وأثر الربيع العربي مفردات وطلاسم أين نجد حلها؟
– هي مصطلحات وتسميات عبرت لا وجود لها على أرض الواقع، فلا تحالف يذكر ولا ربيع يذكر أيضاً، وستظل كذلك كجزء من التراث الذي تحب الذهنية العربية الانغماس فيه. أنا لا أستطيع أن اقول إن الربيع العربي فشل أو نجح، لأن الشعوب في حالة صيرورة دائمة للبحث عن النظم التي تتواءم معها. يخطئ بعض المراقبين حينما يحاولون تأطير كل دول الربيع العربي في كتلة واحدة، علماً بأن لكل بلد خصائصه التي تختلف عن الآخر، ولهذا من الطبيعي أن تكون النتائج متباينة.
* السعودية صعدت نوعاً ما على حساب مصر وروسيا تغلغلت إلى الآخر في حماية حلفائها بقوة السلاح؟
– المنطقة العربية عموماً ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً أشبه بالرمال المتحركة، ذلك ما انعكس على التحالفات التي بدأت تأخذ منحىً جديداً. وفي ذلك يجب التركيز على أن هذا صراع قوى كبرى تظل فيه الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الأوروبيين القوة المؤثرة. روسيا تتغلغل بعقلية انتهازية واستغلت ضعف إدارة أوباما في السياسة الخارجية. لكن لا أظن أن ذلك يمكن أن يدوم طويلاً، لأنها في الأساس محاصرة من دول الاتحاد الأوروبي في ما يخص أوكرانيا. السعودية إذا حققت أهدافها في حرب اليمن فلسوف تفرض هيمنتها على دول المنطقة بالتنسيق مع مصر، هذا بالرغم من اختلاف مصالحهما في الملف السوري، ولكن هذا أيضاً لن يستمر طويلاً. إذن نحن أمام واقع متحرك كما ذكرت.
* داعش حركة بلا أبوة شرعية ويحتار المراقب في تصنيفها حتى الآن.. هناك من يحتاج أن يراها عبر عدستك؟
– أبوتها يا صديقي تجلس بالقرب منك في الخرطوم. إذا احتار العالم كله فلا ينبغي علينا في السودان أن نندهش أو نحتار. فقد شهدنا الكثير من ممارسات داعش وأكثر. فهي قد جاءت من مساماتنا وغفلتنا وممارساتنا وفهمنا الخاطئ لعقيدة سامية. عموماً تحليل الظاهرة نفسها يطول فيه الحديث ولكن مع كل هذه الضجة المثارة، فأنا أميل إلى أنها حالة طارئة، ستبقى بيننا ردحاً من الزمن، ولكن ستذروها الرياح حتماً. ستبقى مجرد جيوب هنا وهناك مثل القاعدة.
* الرفاق والزملاء والأساتذة إخوان الخنادق.. أين انتهى بهم المطاف؟
– هذا سؤال عاطفي مؤثر، بطبعي أنا كائن اجتماعي أحب الناس، وأعتبر أصدقائي وقرائي هم زادي في هذه الرحلة الطويلة، التي صمد فيها من صمد وسقط فيها من سقط ورحل فيها من رحل. ما زلت أعتز بأصدقاء وزملاء يعضون على قضية هذا الوطن بالنواجذ، لا أعرف أحداً خنع من الذين يعيشون في الخارج عدا اثنين أو ثلاثة. أما الذين في الداخل، فأنا أشعر بكثير من الأسى عندما أقرأ لبعض الزملاء من الذين يمارسون فهلوة الحواة وينسون أمانة القلم وأن للتاريخ عينا راصدة. بالقدر نفسه أحيي زملاء آخرين وهم يبذلون فوق طاقتهم رغم الواقع المرير الذي يعيشون فيه.
* هل لديك أي اتصالات مع النظام وهل وجهت لك أي دعوة للعودة للخرطوم؟
– لا.. ليست لدي اتصالات، ولم توجه لي دعوة، بل لا أنتظرها، وحتى إن جاءت فهي مرفوضة سلفاً، وأعتبر أن كل من لبى دعوات النظام قد تعاطى الحرام عمداً. مع ذلك فأنا أشعر بأن أوان العودة اقترب وإن طال السفر.
* أسالك: ماذا تعلمت من الهجرة والمنافي؟
– قضيت أكثر من ثلثي عمري وأنا أحمل قضية وطني من مهجر إلى منفى.. وهذه قصة طويلة، تعلمت منها الكثير بحسب البيئات التي عشت فيها. فأنا عشت في الخليج وفي مصر وفي منطقة القرن الأفريقي وأخيراً في الولايات المتحدة الأمريكية، وزرت العديد من دول العالم. لكن لو قدر لي أن أذكر عاملاً مشتركاً لقلت إنني استفدت كثيراً من التنوع الثقافي في كل هذه البلدان وكيف أثرى حياتي بالتعامل الإيجابي معه. وتبقى التجربة الأخيرة في أمريكا مهمة جداً لأنها أرهقتني بالمقارنات، حين أرى تعليم أبنائي يقفز ذهني مباشرة إلى الذين ما زالوا يبحثون عن قلم وكراسة، وحينما أذهب مستشفياً لدور صحية تأتيني صور الذين لا يجدون الدواء، بل حتى تجدني حزيناً كلما مارست حقي الانتخابي وحريتي في الاختيار، أتذكر الذين يعذبون لمجرد الإدلاء برأيهم. وهكذا تجدني مثقلاً برفاهية لا أجد لها طعماً.
* إذن عن ماذا يبحث فتحي الضو؟
– باختصار أنا أبحث عن من يحب هذا الوطن.. وبالمفهوم السارتري الوجودي أنا أبحث عن ذاتي. وأشكرك أن جعلتني أتحسسها من خلال هذا الحوار، لا كما تحسس جوبلز وزير الدعاية الهتلري مسدسه، ولكن كما يتحسس الطفل ثدي أمه. ولكني أخشى يا عزيزي أننا حينما نجده يكون الوطن قد تلاشى.. والله يكضب الشينة أو كما قيل!
اليوم التالي
الله يطول في عمر من أجل هذا السودان الذي في غفلتنا دخل الكيزان أبناء الحرام ديل وعملوا عمائلهم التي يخاف الشيطان حتي الوقوق ليكون شهاد عليها يوم القيامه.
(وتبقى التجربة الأخيرة في أمريكا مهمة جداً لأنها أرهقتني بالمقارنات، حين أرى تعليم أبنائي يقفز ذهني مباشرة إلى الذين ما زالوا يبحثون عن قلم وكراسة، وحينما أذهب مستشفياً لدور صحية تأتيني صور الذين لا يجدون الدواء، بل حتى تجدني حزيناً كلما مارست حقي الانتخابي وحريتي في الاختيار، أتذكر الذين يعذبون لمجرد الإدلاء برأيهم. وهكذا تجدني مثقلاً برفاهية لا أجد لها طعماً.)عبرت عني تماما استاذنا الجليل… نقول شنو بس,, الله غالب
شخصية قوية حفظك الله في حلك وترحالك
أرشحك لوزارة الثقافة والاعلام بعد انقلاع بني كوز
كما رشحنا مولانا سيف الدولة لوزارة العدل
تسلم يا استاذ فتحي
والله يا أستاذ فتحي الضو يمكن لنا أن نتفق ونختلف معك علي أشياء كثيرة أوردتها في هذا الحوار بإعتبار أن إختلاف الآراء لا يُفسد للود قضية، لكن إجابتك علي سؤال داعش تحديداً لم تكن موفقة وفيها تلميح غير كريم بأن السودان مسؤول عن داعش أو أن داعش قد خرجت من صلب السودان، وفي هذا الصدد لا أستطيع سوي أن أطلب منك أن تصنع لنا مقارنة إحصائية بين ضحايا داعش في سوريا والعراق وسوريا وليبيا وحتي مصر القريبة هذه، ثم تعطينا حالة داعشية واحدة حدثت في السودان لمواطن سوداني تم قطع رقبته أو بتر يده أو حرقه بالنار أو صلبه علي الأعمدة كما تفعل داعش.
ياخي إتقي الله في بلدك وعارض حكومتك بالمنطق والحُسني فداعش لم ولن تدخل السودان لا لشئ إلأ لأن الحكومة تقبض علي الجمر وتحمي هذه البلاد وتحرس حدودها طولاً وعرضاً.
لا أستبعد أن يلتفت جهاز الأمن لتصريحك هذا عن داعش ويطلبك للإستجواب ليطرح عليك أسئلة صعبة من شاكلة: إذا كنت تري أن أمريكا لن ترفع العقوبات عن السودان كما ذكرت لأن السودان يبحث عن زواج متعة بلا واجبات، وفي ذات الوقت تتهم أنت السودان بأن له صلة بداعش، فهل تقف أنت في صف السودان أم في صف أمريكا التي تحمل جنسيتها؟ وهل يخدم كلامك هذا السودان أم أمريكا؟ وما رأئك في القول السائد أن أمريكا هي التي صنعت داعش وهناك من الشواهد والأدلة والأفلام الوثائقية الكثير الذي يدلل علي ذلك؟
وهي أسئلة مشروعة ومنطقية جداً يا أستاذ فتحي.
الولايات المتحدة في مرحلة التضعضع وليست ادارة أوباما فحسب …روسيا دخلت كلاعب أساسي في الصراع الدائر في المنطقة العربية وتحديدا سوريا . فشلت الولايات المتحدة في المؤامرة ضد روسيا في جورجيا وأوكرانيا وهاهي تحصد فشلها في سورياأيضا بعد أن فشلت مسبقا في العراق . العقوبات ضد روسيا لن تجدي كما لم تجدي العقوبات ضد العراق لمدة 13 عاما فكان الغزو المباشر الذي أدي لانهيار الآلة العسكرية الأمريكية بعد هزيمتها في العراق فهل تستطيع الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري ضد روسيا ؟ أقصى ما ستفعله الولايات الولايات المتحدة هو حبك المؤامرات ضد روسيا عن طريق الدول المجاورة لروسيا …
أشعر بأن أوان العودة قد اقتترب وان طال السفر….. كلنا ذاك الرجل .
مالم يستوعبه النظام الحاكم في السودان او يتغافل عنه هو ان امريكا لن تطبع علاقاتها ابدا مع النظام الحاكم في السودان لان الاصلاحات والاستحقاقات الخاصة لا يستطيع النظام الوفاء ولو 1% منها لانها تعني ببساطه سقوط النظام ومن وجهة نظر امريكا ان هذا النظام ساقط ولكن بطريقة الخنق الذي هو المقاطعه والتضييق بديلا عن الغزو المباشر مثلما حصل للعراق وليبيا وغيرهما لان السودان لا يمثل جدوى واوليه لامريكا والغرب ولا توجد مصالح فعليه بالتالي لا يستحق عناء اكثر من تعذيب نظامه بالعقوبات حتى يضيق الشعب السوداني ويكمل المهمه وقد بلغ سعر صرف الدولار تمام ال11 جنيه وهذا مالن يحتمله المواطن السوداني كاعلى سقف للغلاء المعيشي وما يعني الحد بين الجد واللعب للشعب السوداني الذي يتفق مع النوايا الامريكيه ولو انه اتفاق غير معلن او له حيثيات ولكن انه اتفاق فطري بضرورة ذهاب هذا النظام الذي يكتم انفاس الدوله السودانيه وحتى اقليميا ومع انحياز النظام لبعض الدول المؤثره مثل السعوديه والخليج الا انهم يرون في ذلك مجرد تكتيك وبيع للمبادئ لكون النظام الحاكم في لسودان سلسل لتنظيم الاخوان المسلمين وهو مهدد للامن القومي لهذه الدول ولكنهم لا يمانعون من مهادنته لنفس الاسباب الامريكيه املا في سياسة الخنق والموت البطئ وكلاهما يعول على الشعب السوداني اكمال ثورته التى بداها في سبتمبر
ده الموضوع على بلاطه كده والداير يفهم والماداير يفهم ستفهمه الايام لانها سياسه طويله النفس ولكنها مجربه وحتميه
لا أعرف أحداً خنع من الذين يعيشون في الخارج عدا اثنين أو ثلاثة.
من هم يااستاذ فتحى الضو
ارجو ان لايكون مصطفى البطل وخالد المبارك ومحمد محمد خير من ضمن اصدقائك
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الفوضى الخلاقة سلاح ذو حدين
د. أحمد قايد الصايدي
يتحدث مسؤولون أمريكيون منذ سنوات عما أسموها الفوضى (الخلاقة) وعن إعادة رسم خارطة المنطقة، تحت إسم (الشرق الأوسط الجديد). وتمثل الفوضى الخلاقة في هذا السياق مرحلة تمهيدية، تهدف إلى تهيئة الأوضاع في الوطن العربي لتقبل الخارطة الجديدة، أو بتعبير أدق، التقسيم الجديد، بعد أن أضحى تقسيم سايكس ـ بيكو تقسيماً غير كافٍ لتوفير الطمأنينة لمصالح الغرب الإستعماري وللوجود الصهيوني في فلسطين. ومن شأن التقسيم الجديد، إذا مانجحت الفوضى الخلاقة في إنضاج شروطه، من شأنه أن يضع حداً لطموحات الشعب العربي في امتلاك قراره السياسي ومصادر ثرواته وبناء قاعدته الإقتصادية القوية وإنجاز نهضة تعليمية وثقافية، ذات طابع وحدوي، وصولاً إلى تحقيق الحلم العربي، المتمثل بقيام دولة عربية واحدة قوية، مستقلة بقرارها السياسي والإقتصادي، متحكمة بثرواتها. وهذا مايخشاه الغرب على وجه التحديد. فقيام دولة عربية واحدة في منطقة بالغة الأهمية، كهذه المنطقة، ذات الإمتداد الواسع والكثافة السكانية والثروات المتنوعة، وعلى رأسها مصادر الطاقة المحركة لاقتصاد العالم، وبما تختزنه هذه المنطقة من موروث حضاري مؤثر في تكوين الإنسان العربي وفي تحديد خياراته، سيشكل من وجهة نظر الغرب خطراً لايهدد نفوذ الغرب السياسي والإقتصادي في الوطن العربي وفي العالم فحسب، بل سيهدد نمط حياته ومستوى رخائه.
ومن رحم التوجس والخوف ولدت فكرة الفوضى (الخلاقة)، المتمثلة بالحروب الأهلية والإنفلات الأمني والتشرد وتعميم الفقر والمجاعة وانعدام الرؤية السياسية لدى الأنظمة الحاكمة ولدى قيادات الأحزاب السياسية والنخب الثقافية، وصولاً إنضاج عملية الإصطفافات العرقية والدينية والطائفية، عبر التحريض الإعلامي الموجَّه والنزوح الجماعي من مناطق الإختلاط السكاني إلى مناطق ذات هوية طائفية ـ عرقية واحدة. ليأتي التقسيم الجديد مطابقاً للواقع الجديد، الذي خلقته هذه الفوضى المخطط لها بعناية. و بذلك يتشكل الشرق الأوسط الجديد، الذي سيضم كيانات عربية هزيلة إلى جانب كيانات قوية غير عربية، منها الكيان الصهيوني، ويتبدد فيه الحلم الوحدوي العربي ويهال التراب على أهم مقومات الأمة، وعلى رأسها وحدة الشعب والأرض والثقافة والتاريخ، ووحدة اللغة، التي شهدت تخريباً واضحاً منذ عقود من الزمن، أعطى ثماره السامة، ضعفاً مشهوداً في المهارات اللغوية، لدى المثقفين والإعلاميين وأساتذة المدارس والجامعات، ورطانة صادمة لكل محب للغته العربية الجميلة، شغوف بها مدرك لأهميتها في المحافظة على هوية الأمة ووحدتها.
ولأن الفوضى الخلاقة لاتحدث تلقائياً، فلابد إذاً من تصنيعها. وقد تكفلت بعملية التصنيع أجهزة غربية متعددة. منها أجهزة استخبارات ومؤسسات تمويل ومراكز بحوث متخصصة ووسائل إعلام ومعاهد إعداد للعناصر المجنَّدة أمنياً، تزودهم بالمعارف والمهارات اللازمة، للقيام بأدوارهم المحددة في تفجير الفوضى وقيادتها وإدامتها، حتى تنجز أهدافها. وقد يلزم في حالات معينة التدخل العسكري المباشر، لإعطاء إشارة البدء بهذه الفوضى، كما حدث في العراق مثلاً. وفي معظم الحالات يكون التدخل خفي وغير مباشر، كما حدث في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، إعتماداً على بعض القوى السياسية المؤثرة، المرتبطة عضوياً بالمشروع الغربي، وعلى العناصر المجنَّدة، التي سبق إعدادها.
هذه صورة إجمالية للفوضى الخلاقة ودوافعها وأهدافها، نستنتجها مما أُعلن على لسان بعض كبار السياسيين الأمريكيين، ومما تسرب من معلومات متناثرة، ومما يفصح عنه الواقع الحالي في الوطن العربي، بصراعاته العسكرية ومليشياته المتقاتلة واصطفافاته الإجتماعية، العرقية والمذهبية، التي يُنشِّطها الغرب الإستعماري ويرعاها رعاية لم تعد مخفية. وهي صورة إجمالية لاتغني عن التفاصيل. لكن الخوض في التفاصيل الآن أمر متعذر. لأنه يتطلب توفر المعلومة الدقيقة من مصادرها الأصلية. أي يتطلب قراءة الوثائق الدبلوماسية والإستخباراتية في أرشيفات الغرب نفسه. وهذا النوع من الوثائق سيبقى، كما هو معروف، طي الكتمان والسرية ثلاثين عاماً على الأقل. وقد تتسرب بعض العناوين المجتزأة. ولكنها ستبقى مجرد عناوين، لا تسعف الباحث الرصين ولا تسمح إلا بوضع اجتهادات وتخمينات واستنتاجات، مبنية على التحليل والربط المنطقي، أكثر مما هي مبنية على المعلومة الأكيدة.
ومع ذلك يمكننا أن نرى ونلمس، بل ونعيش فصول هذه المؤامرة، الماثلة أمامنا على صورة فوضى تعبث بالوطن العربي كله وتسعى، عبر حروب أهلية طاحنة، إلى تفتيت نسيجه الإجتماعي المتجانس وإحداث اصطفافات طائفية وعرقية، تنتهي إلى إقامة دويلات صغيرة هزيلة، يسهل التحكم بها وتسخيرها لخدمة مصالح الغرب، على حساب مصالح شعوبها. وعلى هذا النحو يُقبر حلم الوحدة العربية إلى الأبد، وينتهي أي احتمال لنشوء دولة عربية قوية تتحكم بثرواتها وتمتلك قرارها السياسي المستقل وتتعايش مع العالم، تعايش الأنداد.
لقد دُمِّر العراق بذرائع كاذبه، يخجل منها الإنسان العادي، ولكن السياسيين لايخجلون. وقبل العراق دُمِّرت فلسطين ثم الصومال. وبعد العراق دُمِّرت وماتزال تُدمَّر كل من السودان وليبيا وسوريا واليمن. وسيأتي الدور، وفق سيناريو الفوضى الخلاقة، التي يراد لها أن تشمل الوطن العربي كله، سيأتي الدور على بقية بلدان شمال أفريقيا وما تبقى من بلاد الشام (الأردن ولبنان). كما سيأتي الدور حتماً على بلدان النفط الثرية في شبه الجزيرة العربية، . وعندما تكتشف حكومات هذه البلدان أن الثور الأسود أُكل عندما أُكل الثور الأبيض، سيكون هذا الإكتشاف متأخراً وغير مجدي.
ولكن السؤال، الذي يمكن أن يُطرح هنا هو: هل ما يخطط له الغرب الإستعماري قدرٌ لا فكاك منه، أم أن حسابات الحقل يمكن أن تكذِّب حساب البيدر؟ الجواب بطبيعة الحال يتوقف علينا نحن. فنحن المسؤولين بالدرجة الأولى عما يصيبنا. ولايعني هذا أننا نكابر وننكر وجود المؤامرة، كما يفعل بعض المثقفين العرب. لكننا ندرك أن الغرب يُلحق بنا الأذى ويتآمر علينا حماية لمصالحه. وهذا أمر طبيعي. أما نحن فنقتتل فيما بيننا ونبتلع مايضخه الإعلام الغربي والإعلام المرتبط به من سموم طائفية وعرقية، تهيئنا لتمزيق أنفسنا وتبديد قوانا والتضحية بمصالحنا وتدمير حاضرنا ومستقبلنا. ولا نسأل أنفسنا لمصلحة من نفعل هذا كله؟ ولو أننا استطعنا أن نطور وعينا وندرك مصالحنا العليا الجامعة ونتشبث بها، ونرتقي إلى مستوى التحدي، فنحشد قوانا ونرص صفوفنا ونوحد أنفسنا ونؤجل خلافاتنا الصغيرة التافهة ونتمسك بهدف كبير أسمى وأعز، وهو حماية وطننا وأمتنا والمحافظة على وحدة شعبنا ونسيجه الإجتماعي المتآلف والدفاع عن مصالحنا الوطنية وعن مستقبل أجيالنا القادمة، لضمنا النصر في هذه المعركة، التي تستهدف وجودنا كأمة، وأحبطنا مخططات الغرب الإستعماري، وحينئذٍ سيكذِّب حساب البيدر حسابات الحقل المسبقة، دون شك.
وقد ننطلق من السؤال السابق إلى سؤال آخر أكثر اتصالاً بعنوان المقال: هل ستصيب أضرار الفوضى الخلاقة شعبنا العربي وحده، أم أن شظاياها ستلحق الأذى بصانعيها أنفسهم، أي بالغرب الإستعماري ومجمَّعاته الصناعية وبنوكه وبورصاته المتحكمة بالعالم؟ أظن أن الجواب على هذا السؤال أصبح واضحاً إلى حد كبير. فقد صاحبت هذا التدمير، الذي حققه الغرب في الوطن العربي آثار جانبية مست الغرب نفسه. ويمكن رؤية بعض هذه الآثار الجانبية في الأزمات الإقتصادية والمالية المتتالية، التي عانت وتعاني منها بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. فقد قرأنا وشاهدنا، منذ وقت ليس ببعيد، الآثار السلبية على الإقتصاد الأمريكي، من جراء العدوان على العراق، حيث تحدث الإعلام العالمي عما تكبده الإقتصاد الأمريكي من خسائر فادحة، أثرت على ميزانه التجاري وأسواقه المالية ومصارفه ومجمعاته الصناعية، وأجبرت الحكومة الأمريكية على اتخاذ تدابير، تمثلت بتدخل الدولة المباشر في توجيه الإقتصاد. فبسطت هيمنتها ورقابتها على البنوك والأسواق المالية وعلى الحركة الإقتصادية بمجملها، لإنقاذ الإقتصاد الأمريكي من الإنهيار العام. وهي إجراءات طالما رأى فيها منظرو الرأسمالية الغربية وأرباب الصناعة والتجارة والمال، طالما رأوا فيها إجراءات إشتراكية شيطانية، لايطيقون مجرد التفكير بها. ولكنهم أُجبروا على اللجوء إليها مرغمين.
ولم تمس الآثار الجانبية للفوضى الخلاقة في الوطن العربي إقتصاد الغرب فحسب، بل مست وضعه الأمني، كما أحدثت نزوحاً بشرياً هائلاً من مناطق الفوضى الخلاقة، التي أحدثها الغرب، إلى قلب البلدان الغربية، بكل ما يترتب على هذا النزوح من آثار سلبية، تتجاوز الحياة الإقتصادية والأوضاع الأمنية، إلى البنية الثقافية الغربية، التي أصبحت مهددة بغزو ثقافي غير مسبوق، وبحضور قوي لتقاليد وعادات وطرائق في التفكير والسلوك غريبة عما ألفه الغرب، سينتج عنها حالة من التوتر الإجتماعي والصدام الثقافي، تمهد لانهيار الحضارة الأوربية الحديثة أو تهجينها. وهذا يفسر لنا ما يحدث في الشارع الأوربي وفي الأوساط السياسية والثقافية الغربية من ردود أفعال حادة، تجاه هذا النزوح الجماعي، ومن حراك سياسي واجتماعي، ينذر بحدوث فوضى خلاقة من نوع آخر، ستُحدث تغييرات عميقة في أوربا المعاصرة، قد لاتقل خطورة عما تحدثه الفوضى الخلاقة، التي صنَّعها الغرب الإستعماري وصدَّرها إلى وطننا العربي. فالفوضى الخلاقة، التي فُرضت علينا ودمَّرت حياتنا، سلاح ذو حدين، سيفتك في نهاية الأمر بصانعه نفسه. ولنتذكر وحش فرانكنشتاين الخيالي، الذي كان صانعه فخوراً بما صنع. لكنه في نهاية الأمر عجز عن التحكم به أو حتى حماية نفسه منه، وانتهت حياته على يديه. ومن عاش سيرى.