اجواء الوطنية تهيمن عقب اطاحة نداء تونس بحركة النهضة الاسلامية في الانتخابات البرلمانية، وتونسيون: عادت بلادنا وعدنا اليها.

فرحة عارمة

تونس ? قال تونسيون ان فوز حزب نداء تونس العلماني في الانتخابات البرلمانية التونسية يمثل “عودة التونسيين إلى تونس وعودة تونس إلى أهلها” بعد أربع سنوات من “الاغتراب الفكري والسياسي” عمقته السياسات الفاشلة التي انتهجتها حكومة النهضة الاسلاتمية خلال عامي 2012 و2013 واضطرت إلى التنحي عن الحكم في بداية 2014 تحت ضغط قوي مارسه التونسيون مسنودين بالقوى الوطنية والديمقراطية.

ويقول مختصون في علم الاجتماع وعلم النفس “إن هزيمة حركة النهضة لم تكن هزيمة انتخابية تتوقف على عدد المقاعد التي تحصلت عليها في البرلمان بل هي (هزيمة سياسية وحضارية) أنهت حالة الاغتراب النفسي والاجتماعي التي عاشها التونسيون في ظل سطوة الحركة الإسلامية والجماعات السلفية على المجتمع والدولة.

وقال عبدالرحمن الرياحي، وهو سائق لسيارة الأجرة، اثناء انصاته لصوت مذيع الراديو وهو يقدم نتائج فرز صناديق الاقتراع الانتخابات البرلمانية التونسية “الحمد لله لقد عدنا إلى تونس وعادت إلينا”.

وأضاف “كنت مغتربا عن تونس وأنا أجوب شوارعها وأحيائها، كنت خائفا على أن يؤول مصيرنا إلى مصير ليبيا والصومال، لكن الحمدلله هزم الغنوشي، وانقشع الكابوس”.

وقال “طيلة أربع سنوات كنت أشعر بأن النهضة اختطفتنا من تونس واختطفت تونس منا، اليوم انتهت المأساة فقد عدنا إلى تونس وعادت إلينا”.

وأكد بعينين شاخصتين “كانت تونس عبارة عن طائرة مختطفة من عصابة يشعر فيها الراكبون بالذعر، فلا هم في رحلة جوية آمنة ولا هم واثقون بأن تحط بهم الطائرة سالمين”.

وكان السائق يتحدث عندما وصلت السيارة أمام نزل إفريقيا وسط شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة التونسية عندما قال “افتك (انتزع) رجال تونس وحرائرها البلاد من عصابة النهضة”.

لم يكن موقف سائق سيارة الأجرة الحامل لشهادة جامعية عليا في اختصاص الحضارة الإسلامية، نشازا ولا مفتعلا إذ يعكس حالة اجتماعية ونفسية كانت تعصف بأغلب فئات المجتمع التونسي الذين لا يترددون في القول أن الحركة الإسلامية قادت التونسيين إلى “غربة فكرية وسياسية واجتماعية ودينية”.

وبرأي رشيد منيف، أستاذ العلوم الاجتماعية بالجامعة التونسية، فإن العملية الانتخابية التي جرت يوم الأحد هي “أعمق من حدث انتخابي” لأنها “عملية سياسية بامتياز حيث كان الناخبون أمام خيارين إما التصويت لنداء تونس باعتباره ينتصر للمشروع الوطني بعناوينه الأساسية مثل الوحدة الوطنية ومدنية الدولة والدفاع عن خصوصيات المجتمع، أو التصويت لحركة النهضة التي تسعى إلى فرض نمط مجتمعي مشرقي غريب على التونسيين”.

ويضيف منيف أن “نسبة المشاركة المرتفعة نسبيا على صناديق الاقتراع التي قادت إلى فوز نداء تونس تؤكد أن الناخبين كانوا واعين بأنهم يخوضون معركة سياسية لا انتخابية، معركة من أجل استعادة تونس إلى مسارها الوطني وعراقة تاريخها السياسي الليبرالي من حركة النهضة التي سعت بكل الوسائل إلى اجتثاث المشروع الوطني من أجل إسقاط وزرع مشروع إسلامي في مؤسسات الدولة والمجتمع”.

وتؤكد مضامين البرامج الانتخابية أن فوز حزب نداء تونس على النهضة هو فوز سياسي أبعد من أن يختزل في عدد المقاعد في البرلمان القادم، ذلك أن البرامج الانتخابية التي تقدمت بها الأحزاب السياسية تكاد تكون متماثلة باعتبارها ركزت على نفس الكلمات الشعارات مثل التنمية والتشغيل والنهوض بالجهات المحرومة وإنعاش الاقتصاد ومقاومة الإرهاب، وهو ما يؤكد أن الناخبين لم يصوتوا لتلك البرامج بل صوتوا لـ”نداء تونس” الذي يقدم نفسه كمنقد للبلاد من مشروع رجعي ينسف من الأساس مكاسب التونسيين.

وبالمقابل، عاقب الناخبون حركة النهضة عبر صناديق الاقتراع على إمعانها في تجريد التونسيين من وطنيتهم وولاءهم للدولة المدنية وتشبثهم بالمشروع الوطني الذي بدأ رواد الحركة الوطنية منذ منتصف القرن التاسع عشر وتوج باستقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي عام 1956 وإعلان دولة الاستقلال بزعامة الحبيب برقيبة.

تصويت عقابي

وعكس التصويت العقابي حقيقة سياسية تعجز النهضة عن إدراكها أو هي تتجاهلها عن قصد، وهي أن غالبية التونسيين بما فيهم المعارضين وعامة الناس مازالوا مشدودين إلى المشروع الوطني رغم كل المؤاخذات عليه وهم يرون فيه رمز الحداثة والجدار المنيع ضد محاولات نسف المكاسب التي تحققت وفي مقدمتها الدولة المدنية وحرية المرأة ونشر التعليم.

ويشدد طارق النفزي، أستاذ علم النفس في الجامعة التونسية، على أن “الانتماء الوطني مرتبط لدى التونسيين بمسار سياسي واجتماعي جذر خلال عقود الولاء للدولة لا للجماعة والانتصار لجملة من المبادئ التي يقوم عليها المجتمع مثل المسحة الليبرالية والانخراط في الحداثة والتعددية الفكرية والسياسية والتسامح والاعتدال الذي يتناقض تماما مع الإسلام السياسي الذي تقوده النهضة وهو إسلام يعمق لدى الناس الإحساس بالاغتراب الفكري والسياسي”.

ويضيف أن التونسيين “كانوا يشعرون خلال الأربع سنوات الماضية بحالة اغتراب عن كيانهم الوطني وعن منظومة القيم التي يتقاسمونها حتى أنهم باتوا يشعرون بأن تونس تم اختطافها من قبل الإسلاميين الذين يستخفون بالكيان الوطني ويؤمنون بالكيان الإسلامي، كما انهم لا يهتمون كثيرا بالدولة المدنية ولا يؤمنون إلا بدولة الخلافة”.

ويشدد النفزي على أن هذا الاستخفاف السياسي والاجتماعي والثقافي قاد التونسيين إلى حالة من الإرباك ملامحها الأساسية الشعور بالاغتراب أمام مشهد مجتمعي اخترقته الجماعات الإسلامية بفرض اللباس الأفغاني على الرجال والنقاب على النساء”.

والأخطر من ذلك أن الإسلاميين زجوا بالتونسيين في حالة اغتراب ديني بعد أن قطعوا أوصال علاقتهم بالإسلام السني المالكي الأشعري المعتدل والمتسامح ليروجوا للإسلام الوهابي.

وألقى شعور التونسيين بالاغتراب بضلاله على المجتمع التونسي حيث تؤكد البيانات الإحصائية أن نسبة استهلاك الكحول ارتفعت إلى 25 بالمائة منذ الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي لتتصدر تونس المرتبة الأولى على مستوى بلدان المغرب العربي في تناول المشروبات الكحولية.

كما ارتفعت نسبة الإدمان على المواد المخدرة لدى الشباب لتشمل 40 في المائة ولتفتك بأكثر من 30 بالمائة من الفتيات.

وأرجع عماد الرقيق، المختص في علم النفس، هذا الارتفاع الكبير في نسبة الإدمان على الكحول وعلى المخدرات إلى “حالة من التأزم النفسي والقلق وعمق الاضطرابات النفسية التي يعيشها المواطن التونسي منذ يناير (كانون الثاني) 2011”.

ويلاحظ الرقيق أن “سطو الجماعات الإسلامية التي تقود نمطا مجتمعيا غريبا على مقومات الشخصية التونسية ذات المسحة الليبرالية أدى إلى (اهتزاز نفسي حاد) عمقه الإحباط وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل”.

طائرة مختطفة

وخلال الأربع سنوات الماضية بدت تونس كما لو أنها طائرة مختطفة في الجو من قبل الجماعات الإسلامية على حد تعبير سائق سيارة الأجرة عبدالرحمن الرياحي.

وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يقود خطابا إخوانيا منبت عن الثقافة السياسية التونسية، لا يصغي إليه عدا أتباعه، أما غالبية التونسيين فإنهم يرون فيه خطابا صالحا في ليبيا أو في الصومال أو في اليمن، لذلك فشل في إقناع حتى عامة الناس، وبدا خطابا صالحا لكل زمان ومكان باستثناء تونس وهي تشق طريقها بصعوبة إلى إنهاء آخر مراحل الانتقال الديمقراطي.

والمفارقة التي لم يعها الغنوشي هي أن خطابه الإخواني السلفي الممزوج بليبرالية انتهازية قاد حركته إلى حيث لم يكن يتوقع حيث انفض من حوله المتعاطفون وعدد كبير من كوادر الحركة ونشطاؤها فتحولت النهضة إلى ما يشبه “الطائفة” المغلقة والمكتفية بذاتها لتزج بنفسها في حالة اغتراب فكري وسياسي واجتماعي وديني وتخطو نحو الانتخابات مجردة من أي مصداقية.

وإزاء هذا الخطاب بدت المرأة التونسية الحلقة الأكثر هشاشة، وبالتالي المستهدف الأول من مشروع نسائي يرمي إلى ضرب حريتها ومكاسبها ولعل هذا ما يفسر الإقبال الكبير لنساء تونس على صناديق الاقتراع والتصويت لنداء تونس من أجل حماية حقوقها المدنية والسياسية.

بالمقابل قاد الباجي قائد السبسي، زعيم حزب نداء تونس، خطابا سياسيا ينتقي مفرداته من خصوصيات الواقع التونسي ومستلهما عناوينه الأساسية من خطاب زعيم تونس التاريخي الحبيب بورقيبة الذي مازال ساكنا في الذاكرة الجماعية التونسية.

وجد التونسيون في خطاب السبسي”عودة الروح” للمشروع الوطني بما يعنيه ذلك من إنهاء حالة الاغتراب التي فرضها عليهم خطاب الجماعات الإسلامية وهو ما يفسر أن رجل بورقيبة لم يستغرق من الوقت سوى عامين اثنين ليجعل من نداء تونس قوة سياسية وطنية كسرت شوكة النهضة في معاقلها التقليدية.

وبدا نداء تونس بالنسبة لغالبية التونسيين الملاذ الآمن لإنهاء حالة الاغتراب والأكثر قدرة على إرجاع تونس المختطفة إلى التونسيين وهو ما يفسر سرعة انتشاره في المدن وفي الأرياف مسنودا بشخصية كاريزمائية قوية كلما خطبت استعاد من خلالها الناس صورة الرئيس التونسي الاسبق الحبيب بورقيبة.

ويقول المتابعون للشأن التونسي إن نداء تونس لم يستمد قوته من برنامجه الانتخابي ولم يصوت له الناخبون على أساس وعود إنما يستمد قوته من طبيعة المشروع السياسي الوطني الذي حرك في التونسيين الوعي بأن تونس التي يمتد تاريخها إلى أكثر من 300 سنة تبقى عصية على طائفة حركة النهضة.

ويشدد المتابعون على أن الناخبين الذين تدافعوا أمام صناديق الاقتراع بدوا وكأنهم يحاولون إنهاء اغترابهم واستعادة كيانهم الوطني من حركة النهضة التي اختطفته خلال انتخابات 2011 مستغلة احتكارها للمشهد السياسي.

ميدل ايست أونلاين

تعليق واحد

  1. مبرووك للتوانسه رجوع بلادهم من اصحاب الفكر الضال . عقبال بلدنا السودان يتحرر من العصابه الحاليه.

    تحـــــياتي

  2. هذا شعب متحضر لكن نداء تونس لحم راس ويجب ان لا ينتخب الباجى قائد السبسى للرئاسة لانه سوف ينتج نظام ابن على وكذلك لسنه فيبلغ من العمر 88 سنة هل يعقل ذلك؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..