احتفالات يزيد في عاشوراء: تأملات في زمن كربلائي آخر

د. عبدالوهاب الأفندي

لم يحدث في وقت قريب أن كان لذكرى عاشوراء، وهي مناسبة دينية وسياسية وتاريخية متعددة الأبعاد، هذه الأهمية المباشرة، لأن الأمة لم تمر بمرحلة تمزق مماثلة حتى في أيام كربلاء وصفين. وهذا في وقت شهد تزايداً وحماساً غير مسبوقين في إحياء ذكرى عاشوراء وتأمل دروسها، بما يشي بأن هناك علاقة عكسية بين تلقي الدروس واستيعابها. بل إن عاشوراء تحولت إلى واقع في كثير من ديارنا، بحيث لم تعد هناك حاجة لتذكرها. يكفي أن تشاهد الأخبار كل مساء. فهناك إرهابيون يفجرون المساجد ويقتلون الركع السجود وهم يهتفون ?الله أكبر?، وهناك من يقاتل في جيش يزيد العصر وهو يحمل راية الحسين!
وليس هذا بجديد في تاريخ الإسلام، وهو تاريخ مليء بجماعات ترفع راية وتعمل بخلافها، خلافاً للتحذير القرآني: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون؟

فكل الدول التي تعاقبت على ديار الإسلام منذ نهاية الخلافة الراشدة، بكل مذاهبها من شيعية أو سنية اتبعت نفس المنهج الذي سنته الدولة الأموية، أو ما سميته في مقام آخر ?نموذج دمشق? (مقابل نموذج المدينة). وهذه ظاهرة تحتاج إلى تأمل عميق، حيث لا يكفي لوم الطغاة، وإنما التأمل في أسباب الطغيان. فليس صدفة أن كل الدول التي رفعت راية الإسلام عملت بخلافها.

لهذا السبب، أصبح ملحاً اليوم العودة إلى عبر ودروس عاشوراء وتأملها بعمق. ولعل أول تصحيح لفهمنا عن واقعة كربلاء هو أنها لم تكن معركة، بل هجمة من جيش على فئة من المدنيين جلهم من النساء والأطفال (أشبه بما حدث في رابعة العدوية في القاهرة في أغسطس الماضي). فلم يكن الحسين عليه السلام يقود جيشاً، وإنما كان على سفر مع أفراد أسرته والمقربين منه، فاعترضه جيش يزيد لاعتقاله، فرفض الاستسلام. وبحسب كل الروايات فإن الحسين سعى بقدر الإمكان لتجنب المواجهة، ولكن لم يترك له خيار.

من هذا المنطلق فإن انتقادات المفكر الإيراني البارز عبدالكريم سوروش لتناول علي شريعتي لواقعة كربلاء تحتاج إلى مراجعة. فقد انتقد سوروش شريعتي لأنه كما قال اختار كربلاء رمزاً للتوجه الشيعي ?الثوري?، في حين أنها كانت الاستثناء لا القاعدة، وأهمل توجهات أخرى تصالحية، مثل توجه الإمام علي والإمام الحسن والأئمة الرضا والصادق وغالبية الأئمة في الواقع. ولكن التأمل في واقعة كربلاء يؤكد أنها لم تخرج عن التوجه العام للأئمة في تفضيل الدعوة السلمية ووحدة الأمة، وعدم اللجوء إلى المواجهة إلا كحل أخير. فقد كان الإمام الحسين حين وقع اعتراضه في طريقه إلى العراق ليلتحق بأنصاره، والعمل معهم بصورة طوعية على صياغة وضع سياسي يكون مرضياً لغالبية المسلمين.

من هذا المنطلق فإن الحسين لم يكن ?ثائراً? بمعنى أنه لم يكن قد اختار طريق العنف، حيث لم يكن في حاجة لاستخدام العنف حتى يجمع الناس حوله. كما أنه بالقطع لم يكن طائفياً، أي أنه لم يخرج من أجل تمكين طائفة أو حزب سياسي معين على رقاب العباد، بل بالعكس، كان هدفه تحرير كل المسلمين من ربقة الطغيان. ويؤكد شريعتي في تناوله للظاهرة الحسينية أن هدف الإمام كان إحياء ما اندثر من الدين وإعادة أمر الأمة إلى نصابه بعد انحراف القيادة عن النهج النبوي السليم. وليست هذه النقطة موضع خلاف بين المسلمين.

ولكن واقعة كربلاء تتعلق بمسألة جزئية في هذه المعركة الكبيرة. فقد كان أمام الحسين في كربلاء عدة خيارات، حيث كان بإمكانه أن يستسلم للأسر، مما كان يتيح له فرصة قيادة المعركة من موقع آخر وفي وقت آخر. ولكنه كان يدرك أيضاً أنه يدافع عن رمزية مكانته كممثل لبيت النبوة ورمز التحدي للظلم والطغيان، وأي قبول بإهانة هذا الرمز سيشكل ضربة لمكانته وأهميته، وصدمة معنوية لأنصار الحق القادمين والراهنين. وهذا هو لب الرؤية الحسينية، وهي أن الحفاظ على القيمة الرمزية والمعنوية ومحتوى الرسالة مقدم على الحفاظ على التجسيد المادي لهذه الرسالة.

ويذكرنا هذا بتحليل سيد قطب لمسألة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم عرض قريش بأن يكون ملكاً عليها، حيث تساءل: ألم يكن بوسعه أن يقبل بالملكية ثم يتخذ موقعه كزعيم لفرض الإسلام على الناس؟ ويستنتج قطب من هذا ضرورة رفض أي صفقة ذات طبيعة مرحلية من أجل تطبيق النهج الإسلامي، أو أي منهج ذرائعي في هذا الاتجاه. وهناك خطأ واضح في قراءة قطب هذه، لسببين، أولهما أن عرض قريش الزعامة على الرسول الكريم كان يشترط التخلي عن الرسالة، وبالتالي فإن قبوله صلى الله عليه وسلم بهذا الشرط مخادعة هو ما لا يليق بالأنبياء (ولا بأي شخص شريف). وهذا يبطل الحجة الأساسية حول المرحلية واستخدام وسائل القوة الأخرى لدعم الرسالة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه استفادوا من بعض الأعراف القائمة، مثل نظام الجوار، ومن مصادر القوة القائمة من قبلية وعرفية واقتصادية لتعزيز الدعوة. ولكن المرفوض دائماً هو استخدام وسائل تتناقض مع الرسالة.

إذن مغزى القرار الحسيني والنبوي هو نفسه: إن الوضع القيادي الشكلي لصاحب الرسالة، وحتى بقاءه، لا معنى له ما لم يجسد معاني الرسالة. وهكذا جاء في نص رفض الرسول الكريم لعروض قريش: والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته. فهنا كما في كربلاء، كان خيار الشهادة مقدماً على أي تهاون في حمل الرسالة كاملة. وهنا كما في كربلاء، كان هذا الرفض انتصاراً لا هزيمة. فتماماً كما أكد شريعتي، فإن الحسين لم يختر الموت، وإنما اختار الحياة عندما اختار الشهادة، وهي حياة، واختار العزة والكرامة، ورفض أن يمرغ الراية التي يحملها في وحل التنازلات.

وهذا يقودنا للخطأ الآخر المتأصل في فهم كربلاء على أنها كانت هزيمة للحق ونصراً للباطل، وكارثة تستوجب النوح والنحيب، بدلاً من انتصار يستحق الاحتفال. ذلك أن مثل هذه القراءة تستبطن الاعتقاد بأن يزيداً وعبيدالله بن زياد كانا المنتصرين في تلك الواقعة، وأن الحسين وفئته كانوا المهزومين. وهذا بدوره يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن إعادة الأمور إلى نصابها يستوجب أن يكون أنصار الحسين في مكان يزيد، أن يكونوا في موقع السلطة والقوة المادية بأي ثمن.

وهذا يفسر ما سمعناه ونسمعه مؤخراً ممن يرون في نصرهم ليزيد دمشق الجديد (وهو تشبيه معكوس، لأن المنطق يستدعي أن نشبه يزيد القديم بخلفه الذي تفوق عليه في كل مجال) انتصاراً لراية الحسين عليه السلام. وهكذا يعتقد البعض أن انتصار الدكتاتورية الطائفية في هذا البلد أو ذاك، بالاستعانة بدكتاتوريات أخرى أشد كفراً، وفرض الإذلال على شعوب المنطقة على المنهج اليزيدي هو انتصار لمبادئ كربلاء. ولو كان هذا هو الأمر لما كانت هناك حاجة لاستشهاد الحسين، حيث كان الأيسر هو التحالف مع يزيد، وعقد ?صفقة? هاشمية-أموية للحكم.

ولكن الحسين عليه السلام رفض هذه الفكرة، وفضل الشهادة ليبقى المبدأ حياً، والرمز منزهاً عن الإهانة والإذلال. وعليه فإن الاغتيال الحقيقي للحسين عليه السلام هو ما نراه اليوم، من رفع راياته بين يدي يزيد، وتخضيب تلك الرايات بدماء النساء والأطفال، مثلما يكون الاغتيال النهائي لأبي الفضل العباس إطلاق اسمه على المجموعات الإرهابية وفرق القتل. إن الحسين وأبا الفضل لم يموتا في كربلاء، ولكنهما يقتلان كل يوم هذه الأيام.

لا شك أنه من حق أي طائفة أو فصيل سياسي أن يتخذ من الخيارات السياسية ما يناسبه، ويكون الحكم على هذه الخيارات من الشعوب والتاريخ. فهناك فصائل سياسية اختارت الانحياز إلى نظام القتل والإرهاب، وربطت مصيرها بمصيره، وقررت دفع الثمن الأخلاقي والسياسي كاملاً لهذا الخيار. وهناك فصائل أخرى اختارت كذلك نهج التسلط الطائفي وشن الحرب على طوائف من شعبها. وفي اعتقادنا أن هذه خيارات غير مبررة أخلاقياً ومدمرة سياسياً. وهناك مجموعات إرهابية رأت كذلك في القتل على الهوية مذهباً ووسيلة مشروعة. ولكن هذه مسألة وإلباس هذه الخيارات لباساً دينياً مسألة أخرى. فمن كان يرى أن مستقبله في الانحياز لطواغيت الكفر، فهذا شأنه، وإن كنا نعتقد أنه سيكون مستقبلاً مظلماً أخلاقياً وسياسياً.

أما أن يوصف مثل هذا الحلف الشيطاني بأنه تجسيد وإحياء لرسالة الحسين عليه السلام، أو يدعي بعضهم أن تفجير المساجد قربة إلى الله، فهذا ما لايجب أن يسمح به. فقتل الأطفال والنساء والأبرياء، من مسلمين وغيرهم، جريمة كبرى حسابها العاجل والآجل عند الله تعالى. أما اغتيال الحسين مجدداً بتدنيس اسمه الشريف وربطه بهذه المجازر، فهو جريمة من درجة أخرى لا ينبغي إطلاقاً التهاون مع مرتكبها. وكذلك الزعم بأن الله تعالى يأمر بقتل الأبرياء وتفجير المساجد، فهو جريمة في حق الله تعالى الذي لا يأمر بالفحشاء أو المنكر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فالإجرام في حق الله من الكبائر، أما الإجرام باسم الله فمسألة أخرى تماماً.

? كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
القدس العربي

تعليق واحد

  1. (( لم أخرج أشراً أو بطراً وإنما خرجت لإعادة سنة جدي رسول الله)) ،،، هذا كان شعار سيدنا الحسين ،، حسين السودان هو محمود محمد طه الذي سعى لتعليم الناس ما هي سنة رسول الله جد الحسين فقتله نفس الذين يقصفون مناطق جبال النوبة والهامش بطائرات الانتنوف والسوخوي،،

  2. انتو يا الافندي مش قتلتوا المدنيين العزل في جبال النوبة ودارفور وفي المعتقلات ؟
    مالك ما بتتكلم عن الحاجة السويتوها لمن انت كنت منظر ومفكر الانقاذ ؟

  3. ما هو جديد، الدكتور. عبد الوهاب الأفندي، ما كنت واحد من أبناء ، و انتم الذين اعلنت الجهاد ضد الجنوب وتم قتل الجنوبيين باسم الاسلام ، اين كنت فى ذلك الوقت ؟؟؟…..

  4. الأستاذ عبد الوهاب الأفندي
    السلام عليكم ورحمة الله وبعد
    ليتك تقرأ تعقيبي عليكم في الراكوبة فتعيره بعض الإهتمام
    صدقني أخر الفاضل ، لقد ظلت أجتهد منذ سنوات في قراء حوادث ووقائع تاريخنا الإسلامي منذ مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 35هـ مرورا بكل سنوات خلافة علي بن أبي طالب من 35هـ إلى 40هـ ثم صلح الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان حتى موت معاوية وبدء حكم يزيد بن معاوية سنة 60هـ مرورا بكربلاء محرم 61هـ مرورا بما بعدها من سنوات حكم عبد الله بن الزبير إنطلاقا من مكة المكرمة بدءا من سنة 64هـ بعد وفاة يزيد بن معاوية مرورا بكل سنوات الخلافة الأموية حتى بدء الخلافة العباسية سنة 132هـ ، وجمعت النصوص من مصادر مختلفة وقمت بترتيبها في سياقها الزمني (بقدر الإمكان)
    أستاذي وأخي الفاضل :
    أقول لك صراحة ، عبر كل هذه السنوات ظلت الدهشة تتراكم في داخلي من الإهمال الواضح والقفز فوق العديد من النصوص في سياق قراءتنا الإحتفالية والمتحيزة.
    نعم ، أرجو أن تسامحني على استخدام هذا التعبير : القراءة الإحتفالية والمتحيزة
    فيبدو لي والله أعلم أنه بقدر ما تراكم عبر الزمن من لعنات على يزيد وعبيد الله بن زياد وبني أمية ( حيث أن من دعاء بعض الشيعة : اللهم ألعن بني أمية قاطبة) !!، يبدو أن ذلك كله أو بعضه قد أثر حتى على لا وعينا أو على وعينا نحن الذين نسمي أنفسنا أهل السنة والجماعة فصارت قراءتنا للتاريخ تقفز فوق النصوص والوقائع التي يمكن أن تفسر لصالح بني أمية وتمارس تجاهها نوعا من التجاهل ، ودعني أ,ضح أكثر.
    قلتكم في مقالكم : (( فلم يكن الحسين عليه السلام يقود جيشاً، وإنما كان على سفر مع أفراد أسرته والمقربين منه، فاعترضه جيش يزيد لاعتقاله، فرفض الاستسلام. وبحسب كل الروايات فإن الحسين سعى بقدر الإمكان لتجنب المواجهة، ولكن لم يترك له خيار))
    وهنا يسأل عقلي ولا ينطلق لساني :
    ألم يقم الحسين بن علي بإرسال إبن عمه مسلم بن عقيل للكوفة لأخذ البيعة له قبل أن يتحرك الحسين من مكة إلى الكوفة يوم التروية 8ذي الحجة 60هـ ؟
    في الكوفة ألم بايع الآلاف مسلم بن عقيل وكان والي الكوفة النعمان بن بشير يعلم بنشاط مسلم بن عقيل ويقابله بتجاهل أقرب للتواطؤ فلما علم ذلك يزيد بن معاوية لم يفعل أكثر من أن استبدله بأخيه غير الشقيق (وفي حقيقة الأمر المختلف في نسبه إلى أبي سفيان ): عبيد الله بن زياد والذي كان وقتها واليا على البصرة فضم له الكوفة.
    حين وصل عبيد الله بن زياد للكوفة جرت محاولة لاغتياله من قبل شيعة الحسين بن علي وفشلت لتفاصيل مذكورة في كتب التاريخ ، وعلم عبيد الله بن زياد أن المحاولة تمت في منزل أحد أعيان الكوفة وهو :هانئ بن عروة المرادي ‏
    بعد اكتشاف محاولة الإغتيال تم اعتقال هانئ بن عروة المرادي
    بعد اعتقال هانئ بن عروة المرادي تحرك مسلم بن عقيل بأنصاره ( حوالي ستة عشر ألفا ) الذين بايعوه لنصرة الحسين بن علي فحاصر قصر عبيد الله بن زياد
    فشل الحصار سلميا فقط بواسطة حرب نفسية شنها عبيد الله بن زياد بواسطة رؤساء القبائل الذين كانوا معه داخل القصر وقام كل منهم بمخاطبة أفراد قبيلته مطالبا إياهم بالتفرق قبل أن يأتي جيش أهل الشام
    تفرق الآلاف وبقي مسلم بن عقيل وحيدا يتلدد في أزقة الكوفة إلى أن لجأ جائعا مرهقا إلى بيت إمرأة عجوز
    واستطاع عبيد الله بن زياد والي الكوفة الوصول لمخبأ مسلم بن عقيل (نهمل هنا الكثير من التفاصيل تجنبا للإطالة )
    والحسين بن علي في هذه الأثناء كان قد غادر مكة منذ أيام يغذ السير نحو الكوفة.
    قبل مقتله توجه مسلم بن عقيل توجه بطلب أخير إلى عبيد الله بن زياد هو : أن يسمح له بالحديث منفردا مع عمر بن سعد بن أبي وقاص (قائد الجيش الذي واجه الحسين في كربلاء)
    نظر مسلم بن عقيل إلى القوم وهم جلساء ابن زياد، وفيهم عمر بن سعد؛ فقال: يا عمر، إن بيني وبينك ‏قرابة دون هؤلاء، ولي إليك حاجة، وقد يجب عليك لقرابتي نجح حاجتي، وهي سر، فأبى أن يمكنه ‏من ذكرها ( أي أن عمر بن سعد رفض حتى مجرد أن يستمع لهذا الطلب الأخير من رجل يعلم أنه مقتول بعد قليل)
    (هنا تدخل عبيد الله بن زياد قائلا):
    فقال له عبيد الله بن زياد: لا تمتنع من أن تنظر في حاجة ابن عمك، فقام معه ( عمر بن سعد) وجلس ‏حيث ينظر إليهما ابن زياد – لعنه الله ( اللعنة من النص )- ،
    فقال له ابن عقيل: إن علي بالكوفة ديناً استدنته مذ قدمتها ‏تقضيه عني حتى يأتيك من غلتي بالمدينة، وجثتي فاطلبها من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين ‏من يرده.
    فقال عمر (ابن سعد) لابن زياد: أتدري ما قال؟
    قال: اكتم ما قال لك (تصور ، عبيد الله بن زياد هو الذي يطلب من عمر بن سعد الاستماع للطلب الأخير لرجل حكم عليه بالقتل ، ثم هو للمرة الثانية يطلب من عمر بن سعد أن يحافظ على السر ، وبالرغم من ذلك يصر عمر بن سعد على إفشاء طلب مسلم بن عقيل)
    ، قال: أتدري ما قال لي؟ قال: ‏هات، فإنه لا يخون الأمين، ولا يؤتمن الخائن.
    قال: كذا وكذا،
    قال (عبيد الله بن زياد) : أما مالك فهو لك، ولسنا نمنعك ‏منه فاصنع فيه ما أحببت (أي أن عبيد الله بن زياد لم يصادر مال مسلم بن عقيل )وأما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه، وأما جثته ‏فإنا لا نشفعك فيها، فإنه ليس لذلك منا بأهل، وقد خالفنا وحرص على هلاكنا.‏
    (قال عبيد الله بن زياد ذلك لأنه علم أن مسلم بن عقيل كان موجودا في منزل هانئ بن عروة المرادي وقت محاولة اغتياله الفاشلة ولأنه حاصره بعدد 16 ألف ثائر)
    = ولعقولنا المرهقة أن تسأل : ماذ كان سيكون تصرف مسلم بن عقيل إذا تمكن من من عبيد الله بن زياد والي يزيد على الكوفة ؟
    ثم قتل مسلم بن عقيل وقتل معه هانئ بن عروة المرادي.
    وقام عمر بن سعد بتنفيذ وصية مسلم بن عقيل ( بموافقة عبيد الله بن زياد) فأرسل رسالة للحسين بن علي يخبره فيها خبر مسلم بن عقيل
    = يوم التروية 8 ذي الحجة 60هـ غادر الحسين مكة نحو الكوفة
    وساروا (الحسين بن علي) فمروا بالتنعيم، فرأى بها عيراً قد أقبلت من اليمن بعث بها بحير ‏بن ريسان من اليمن إلى يزيد بن معاوية، وكان عامله على اليمن، وعلى العير الورس ‏والحلل، فأخذها الحسين وقال لأصحاب الإبل: من أحب منكم أن يمضي معنا إلى العراق ‏أوفينا كراءه وأحسنا صحبته، ومن أحب أن يفارقنا من مكاننا أعطيناه نصيبه من الكراء؛ ‏فمن فارق منهم أعطاه حقه، ومن سار معه أعطاه كراءه وكساه.‏
    ماذ نسمي ما حدث أعلاه ؟ يقول النص : (( … وعلى العير الورس ‏والحلل، فأخذها الحسين ….))
    معقول هكذا بكل بساطة ؟ فأخذها الحسين !!!
    والعقل يسأل : كيف أخذها ؟ كرها أو صلحا ؟ بيعا وشراءا أم غلبة واستيلاءا ؟ وبأية منطق فقهي ؟
    إن العير كانت تحمل صدقات اليمن (أموال الزكاة والجبايات ) من ولاية اليمن إلى عاصمة الدولة في الشام ، فهل قيام الحسين بن علي بهذا العمل عمل سلمي أم حربي ؟
    في مرحلة من مراحل الرحلة وبعد مغادرة منطقة إسمها (زرود) وقبل الوصول إلى كربلاء ، علم الحسين بن علي بمقتل مسلم بن عقيل .
    قالوا: ولما رحل الحسين من زرود تلقاه رجل من بنى اسد، فسأله عن الخبر.‏
    فقال: لم اخرج من الكوفه حتى قتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروه، ورايت الصبيان يجرون ‏بأرجلهما.‏
    فقال: إنا لله، وإنا إليه راجعون، عند الله نحتسب أنفسنا.‏
    فقال له: أنشدك الله يا بن رسول الله في نفسك، وانفس اهل بيتك، هؤلاء الذين نراهم معك، انصرف ‏الى موضعك، ودع المسير الى الكوفه، فو الله ما لك بها ناصر.‏
    فقال بنو عقيل ( إخوة مسلم بن عقيل) وكانوا معه: ما لنا في العيش بعد أخينا مسلم حاجه، ولسنا براجعين حتى نموت.‏
    فقال الحسين: فما خير في العيش بعد هؤلاء، وسار.
    الحسين بن علي يستلم الرسالة الأخيرة من مسلم بن عقيل بواسطة لا من عمر بن سعد ومحمد بن الأشعث:
    فلما وافى زبالة وافاه بها رسول محمد بن ‏الاشعث، وعمر بن سعد بما كان ساله مسلم (ابن عقيل) ان يكتب به اليه من امره، وخذلان اهل الكوفه اياه، بعد ‏ان بايعوه، وقد كان مسلم سأل محمد بن الاشعث ذلك. ( الكتاب: الأخبار الطوال – المؤلف: أبو ‏حنيفة أحمد بن داود الدينوري (المتوفى: 282هـ)‏
    أي أن إثنين من قيادات أهل الكوفة استجابا لطلب مسلم بن عقيل بإرسال رسالة تحذيرية للحسين بن علي هما عمر بن سعد ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي
    (محمد بن الأشعث بن قيس والدته فروة أخت أبي بكر الصديق )
    لماذا أصر الحسين بن علي على مواصلة السير وقد استبان له من أكثر من مصدر أن خروجه للكوفة لم يعد مجديا من الناحية الحربية على الأقل ؟
    لا أود الإطالة ، ولكن العشرات والعشرات من النصوص والوقائع تؤكد جميعها أن خروج الحسين بن علي لم يكن خروجا سلميا وإن انتهى نهاية مأساوية .
    ويسأل عقلي : لماذا في كل الزخم الإحتفالي بمأساة عاشوراء يتم تجاهل تفاصيل قصة مسلم بن عقيل وهي المقدمة الحقيقة لما حدث في كربلاء يوم 10 محرم 61هـ ؟!
    يتعب عقلي يا أستاذ من التفاصيل والنصوص المهملة ، ويرتاح في كل مرة عند قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (… « الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». سنن الترمذي – 4136)
    بمثل هذا النص يرتاح عقلي من سيل الأسئلة المحيرة المنطلقة من النصوص المهملة في كتب التاريخ ، يرتاح عقلي لأن هذا النص من الحديث النبوي لا يقدم لي واقعة تاريخية في الحياة الدنيا، لكنه يقدم لي نتيجة وخاتمة مطاف الحسن والحسين في الحياة الباقية
    وتقبل احترامي

  5. يبدوا انك لا تتعمق فى صلب المواضيع وانك فقط قرات عنوان الرسالة التانية واشك فة ذلك بل سمعت عنوان الرسالة التانية وتوهمت او تخيلت ما يدور فى الرسالة التانية فقط اقول لك حاول اقراءء وافهم بعد ذلك اطلق الاحكام كما تشتهى فقط بمنطق وعقلانية ….. اما تاويلة واستدلالاتة برفع التكاليف عنة هذا حديث اخوان الشياطين عنة دون سند موضوعى وراجع افادات المكاشفى طه الكباشى الذى اعتقد انك لا تعرفه فهو القاضى الذى حكم علية جزافا بعد ان تقدم بة السن وهرم ماذا اقال فى حقة

  6. يا الأفندي ، مع اختلافنا معك في السياسه ، فانت علم ، ولست بحاجة ان تضيف لأسمك تعريف (كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن)
    وهذا للأسف ما يفعله كثير من كُتابنا وإعلاميينا .
    ما الذي يجعلنا او يجعل القارئ العربي يعرف فهمي هويدي وعزمي بشارة و سمير عطا الله ولا يعرف الأفندي .
    لك التحية .

  7. ما افهمه حول هذه الامة هو انها تنوء تحت تاريخها.
    ما الازمة الا غياب منهج فى الحاضر يفسر الماضي والحاضر معا.
    انظر كمثال دفاع علماء كبار عن تطبيق الشريعة. فى حين ان بوسع طالب من تلاميذهم مبتدئ ان يفهم بانها
    لا تصلح الا لذاك المجتمع المحدد الذى صادفته الرسالة.
    وكارثة اخرى يقبل العرب بمحض ارادتهم ان توصف قرون الحكمة والشعر من تاريخهم بانها جاهلية. نعم الاسلام حقق نقلة نزعية لكن لا يمنع هذا ان يجد الباحثون الان فى كشف قيم الفترات السابقة للاسلام.
    وبنعبير اخر هي نفس الازمة ان تسعى للتطابق مع الماضي او التطابق مع مظاهر من الحضارة الغربية.

  8. ( بل هجمة من جيش على فئة من المدنيين جلهم من النساء والأطفال (أشبه بما حدث في رابعة العدوية في القاهرة في أغسطس الماضي).)
    بل اشبه اكثر بما حدث فى سبتمبر السودان, هجمة سلطة مسلحة على متظاهرين عزل. مع اعتراضنا ايضا على ما حل فى رابعة العدوية, رابعة التى تفهم ان الكعبة صنم وتعزف الناي, وتقول بروح الشعر الطلق:
    اللهم اجعل الجنة لأحبائك…..والنار لأعدائك ……أما أنا فحسبي أنت.

  9. نعم يا ود الحاجة.
    قال الحسين بن علي لطليعة جيش يزيد بقيادةالحر التميمي : ” لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم أن أَقْدِمْ علينا فليس لنا إمام، لعل الله أن يجعلنا بكم على الهدى؛ فقد جئتكم فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلنا منه”.
    كل هذه التفاصيل قرأتها من مصادر عديدة وقمت بترتيبها حسب السياق الزمني ، ولكن أرجو أن تنتبه معي:
    حين قدم الحسين عرضه أعلاه للحر بن يزيد كان قد علم مسبقا قبلها بيومين أو ثلاث المصير الدامي الذي لاقاه مسلم بن عقيل في الكوفة ، وكان قد تلقى أكثر من تحذير أن الناس في الكوفة قد خذلوه أو أخيفوا ، فهو بالتالي كان في غنى عن مواصلة السير نحو الكوفة ، ولكن كانت له أسباب لا يعلمها إلأ الله تعالى ثم الحسين وهي أسباب غيبية .
    وحين نقول أن خروجه كان سلميا ولم يكن حربيا فهو مجرد رأي يتمسك بوقائع البدايات دون محاولة التمعن في التبعات الحتمية لهذا الخروج الذي يبدأ سياسيا سلميا.
    ثم إن تتبع الأحداث منذ أن حدث الصلح بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان منتصف سنة 41هـ وعقب عودتهما للمدينة المنورة ( عودة الحسن والحسين ) يؤكد أن محاولات الشيعة من الكوفة لتحريض الحسن على نقض الصلح لم تنقطع خلال السنوات من 41هـ وحتى 49هـ (أو 50هـ) سنة وفاة الحسن بن علي رضوان الله عليه ، وفي بعض المرات حين انتابهم اليأس من استجابة الحسن لهم لجأوا إلى الحسين فرفض على أساس أن صاحب القرار هو الحسن ، لهذا تجد أن الحسن وهو على فراش الموت شدد على الحسين في عدم الاستجابة للتحريض المستمر من أهل الكوفة .
    كما حدثت بعض الوقائع التي تثبت أن الشعور العدائي من الحسين تجاه بني أمية كان قويا أكثر من الحسن ، وظهر ذلك بوضوح أكثر بعد وفاة الحسن سنة 50هـ و حينها صار الحسين يعتبر كبير بني هاشم (بموافقة عبد الله بن جعفر الطيار وكان أسن من الحسين بحوالي 14 عاما) ، وأرجو أن تراجع في المصادر التاريخة كيف قام الحسين بن علي بإفشال محاولة معاوية بن أبي سفيان تزويج ولده يزيد من إبنة عبد الله بن جعفر الطيار لتعلم إلى أية درجة كان كره الحسين بن علي لمعاوية ويزيد ، وحدثت هذه الحادثة قبل أن يقوم معاوية بإخذ البيعة ليزيد بسنوات خلال الفترة التي اعقبت وفاة الحسن.
    وخلال الفترة التي اعقبت وفاة الحسن استمرت وفود الشيعة في القدوم للمدينة المنورة خاصة خلال موسم الحج من كل عام ، وكانت كل هذه المحاولات التحريضية من أهل الكوفة والممتدة من 41هـ إلى 59هـ معلومة ومرصودة لدى معاوية بن أبي سفيان بواسطة عيونه في المدينة المنورة ، لهذا تجد معاوية وهو في مرض الموت يوصي إبنه يزيد قائلا:

    = وانظر أهل العراق: فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملا فافعل، فإن عزل عامل أيسر من أن ‏يشهر عليك مائة ألف سيف (الكتاب: الكامل في التاريخ – المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم ‏محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: ‏‏630هـ))‏
    وقال معاوية وهو يوصي من حضر موته (كان يزيد غائبا ):
    ‏= . واعلماه (يقصد يزيد) انى لست اخاف عليه الا اربعه رجال: الحسين بن على، وعبد الله بن عمر، وعبد ‏الرحمن بن ابى بكر، وعبد الله بن الزبير. فاما الحسين ابن على فاحسب اهل العراق غير تاركيه ‏حتى يخرجوه، فان فعل، فظفرت به، فاصفح عنه . ( الأخبار الطوال – المؤلف: أبو حنيفة أحمد بن ‏داود الدينوري (المتوفى: 282هـ))‏
    = وقال: انظر حسين ابن فاطمة، فإنه أحب الناس إلى الناس، فصل رحمه، وارفق به، فإن بك منه ‏شيء، فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ‏‏- المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)‏
    لم يكن معاوية بن أبي سفيان يقرأ من كتاب الغيب ، لكنه كان يتوقع المآلات مما تراكم من أحداث ومعلومات.
    وكل ثورات العلويين ( زيد بن علي بن الحسين 121هـ ) ومحمد بن الحسن المثنى بن علي بن أبي طالب (145هـ زمن العباسيين ) وما تلاها ، كلها بدأت سياسية سلمية وانتهت بمواجهات قتالية .
    رضي الله عن الحسن والحسين ومعاوية أما يزيد فأمره إلى الله والله أعلم بحاله
    وتقبل احترامي
    أم درماني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..