أجواء ما قبل الـ25 من أكتوبر.. “الفلول” يُخصبون التربة لـ(شتل) الردة

إعداد : عبد الناصر الحاج
بعد تشكيل الحكومة التنفيذية للمرحلة الانتقالية بعد توقيع سلام جوبا، ودخول كوادر سياسية حزبية في حكومة النسخة الثانية لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بدأ واضحاً بأن تحالف الحرية والتغيير – الشريك المدني- في الحكومة، لم يعد متماسكاً أو متوافقاً فيما بين مكوناته، خصوصاً بعد أن غادر الحزب الشيوعي التحالف، وكذلك بعد أن انشطرت فصائل الجبهة الثورية الموقعة على سلام جوبا لمجموعتين.
وفي أغسطس من العام 2021، انقسمت الحرية والتغيير لمجموعتين: مجموعة المجلس المركزي والتي كان أبرز مكوناتها ، حزب الأمة القومي، المؤتمر السوداني، حزب البعث الاشتراكي، التجمع الاتحادي، والجبهة الثورية فصيل عقار، والطاهر حجر، والهادي إدريس، ونجحت هذه المجموعة في استمالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى جانبها، ومجموعة التوافق الوطني والتي أبرز مكوناتها، حركة مناوي، جبريل إبراهيم، خميس أبكر، ومجموعة مبارك أردول، ومجموعة التوم هجو، بجانب حزب البعث السوداني، وهي المجموعة التي ظلت تؤيد المكون العسكري في كل أنشطته داخل الحكومة.
وفي سبتمبر تكالبت مجموعات قبلية من شرق السودان، بقيادة الناظر محمد الأمين ترك، تحت غطاء المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، وأعلنت رفضها لحكومة حمدوك وطالبت بحلها وحملتها مسؤولية حماية اتفاق الشرق المنصوص عليه في اتفاق سلام جوبا، وقامت هذه المجموعات بإغلاق الشرق وسط تهاون واضح من قبل المؤسسة العسكرية، ومما دفع الشارع لرفع علامات استفهام غليظة حول موقف العسكر والذي لم يكن خافياً على شعب السودان مدى ضيقه بأية أنشطة ثورية لشباب الثورة داخل الخرطوم وبقية المدن، وكيف كان يُقابل أدواتهم الثورية المتمثلة في (تترييس) الشوارع بالعنف المُفرط، هذا فضلاً عن سكوت كثير من المنصات الإعلامية لـ(فلول) المنظومة البائدة عن إغلاق الشرق، رغم أنها ذات المنصات التي كانت تُحرم شرعاً وقانوناً وأخلاقاً تتريس الشوارع الصغيرة في الخرطوم من قبل الثوار.
وفي سبتمبر من العام نفسه، شاع خبر المحاولة الانقلابية الفاشلة التي خطط لها عدد من الضباط المحسوبين على النظام البائد، وهي المحاولة التي قال عنها رئيس الوزراء حمدوك حينها، إن المحاولة الانقلابية سبقها تخطيط عبر خلق الفوضى في المدن وإغلاق الطرق شرق البلاد. وحين استيقظ أنصار الثورة على خطر المهددات التي باتت تحيط بالفترة الانتقالية من قبل الفلول وأنشطتهم التحريضية للعسكر وللمجموعات التي تكن العداء للثورة ولتحالف الحرية والتغيير تحديداً، بدأت صراعات واختلافات كبيرة تظهر على السطح بين المكون العسكري ولجنة تفكيك النظام البائد، وهي اللجنة التي يعتبرها أنصار الثورة بأنها هي قلب الثورة النابض حينها، فقام البرهان وحميدتي بإعلان ضيقهم الواضح منها ومن قادتها، وكان ذلك في وقت بدأت تقترب فيه فترة نهاية الدورة الرئاسية لمجلس السيادة من قبل المكون العسكري وفقاً للوثيقة الدستورية وكان من المقرر أن تأتي فترة ولاية المدنيين على مجلس السيادة. ثم تكالبت جميع المكونات التي يجمعها الرغبة في إنهاء حكومة حمدوك والحرية والتغيير وتفويض العسكر لقيادة الفترة الانتقالية حتى النهاية، وسيرت تظاهرات كبرى في الخرطوم انتهت في اعتصام في ساحة القصر الجمهوري وسط تواطؤ بائن من قبل المكون العسكري. ومثل اعتصام القصر الجمهوري رافعة سياسية للمكون العسكري ودافع تحريضي وتبريري بامتياز للانقضاض على حكومة الفترة الانتقالية، ورغم أن أنصار الثورة والحكم المدني أدركوا ذلك جيداً وفهموا أن فلول النظام البائد نجحوا في تحشيد كل المجموعات المناوئة للثورة وللتحول المدني الديمقراطي وقادوها لتخليق فوضى كبرى لهدم كل ملامح الأمل في التغيير واستقرار الدولة السودانية، إلا أن حراكهم الثوري الكبير في 21 أكتوبر من العام 2021م لم ينجح في قطع الطريق على طموحات المكون العسكري المؤيد من وراء حجاب من المنظومة البائدة، رغم شعارات تلك المليونية الرافضة لحكم العسكر والداعية لحكم مدني كامل وتحقيق غايات ثورة ديسمبر المجيدة.
الجريدة