مقالات وآراء

البُرهان بخُورُو إتْشمّ

ظللنا نتابع كغيرنا من المتابعين والمراقبين، ما دار ويدور، من هرجٍ ومرجٍ، وعجٍّ وخجٍّ، في سُوح سوداننا: الصحية، والسياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، والأمنية، سيما سيولتها الأمنية، وسوء تردي حالتها المعيشية.

وبالطبع فإنه ليس من المنطقي، أن يوضع شعبنا الثائر هذا، في مثل هذه الحال، التي لا تشبه تضحياته، التي فقد فيها كثيرًا من المُهج والأرواح، مكافحًا في سبيل عيشه الكريم؛ فثار وزأر وزمجر ضد الظلم والدكتاتورية، حتي إنتصرت إرادته بزوال رأس الطغيان.

وبعد مرور عامٍ علي تشكيل الحكومة الإنتقالية، قدم رئيس مجلس وزرائها، د. عبد الله حمدوك، جردًا حسابيًّا، بمناسبة مرور عام علي توليه رئاسة الحكومة، لخّص فيه، ما تحقق وما لم يتحقق!، ومن بين ما ذكر: أن ولاية وزارة المالية علي المال العام، لم تتعدي نسبة الـ (١٨%)، فقط، وهو ما يشير إلي ما نسبته الـ (٨٢%)، خارج دائرة السيطرة، ممّا يتطلب إعادته إلي حضن الوزارة، لأنه لم يكن تحت تحكّمها وتصرّفها؛ وبالتالي فالمستفيد الأول، هي الرأسمالية الطفيلية، التي تتكاثر في ظل الشمولية وغياب المؤسسية.

ما يعني أن شركات ومؤسسات التجارة والإستثمار الخاصة: بالجيش، والأمن، والشرطة، والدعم السريع، والأمن الشعبي، والدفاع الشعبي، والشرطة الشعبية، والأمن الطلابي، والأمن الإقتصادي، و…. الخ صارت خارج ولاية وزارة المالية، الأمر الذي عزز من فرضية، دور هذه المؤسسات ومساهمتها في سوء تردي الأوضاع المعيشية، والإقتصادية، وسيولتها الأمنية التي تعيشها بعض الولايات.

كما أن ذلك ذات صلة مباشرة بطمع بعض القيادات العسكرية، التي تأبي الفطام، وتظهر رغبتها الجامحة في السيطرة علي مقاليد الحكم، لطالما هي التي تسيطر علي (قفة ملاح الشعب)، وتدفعه إلي أتون الحرب والإقتتال؛ لتبرهن لبسطائه، قدرتها علي إعادة الأمور إلي النصاب، بعد أن فشلت السلطة المدنية، وأثبتت عدم قدرتها علي إدارة الأمور.

فالبرهان رئيس المجلس السيادي، ربما لم يرق له أو يعجبه خطاب حمدوك، الذي لخص فيه الأزمة وصبّ جمّ غضبه علي تلك الشركات، خارج ولاية وزارة المالية؛ فذهب البرهان مخاطبًا قيادات الجيش، ومغاضبًا، ومهدّدًا بل ومحمّلًا، سوء الأحوال المعيشة والإقتصادية، للحكومة المدنية، وبدا يلفّ حبل فشله في الحفاظ علي الأمن، علي عنق الحكومة المدنيّة، ليغازل من يخاطبهم ويخُطب ودّهم، بأنه رهن الإشارة.

لتشْتمّ من خلال حديثه، وهو القائد العام للقوات المسلحة روائح تزكم الأنوف، جاءتنا من بخوره الذي أحرق عوده علي هواء الجيش الطلق، دون مراعاة لحدود اللباقة والكياسة، لعلّه يجد دعمًا ومساندة من القوم؛ بيد أن العالمين بأسرار وبواطن البخور قالوا: إنه ليس بخورًا زكيًا، وليس عطرًا فواحًا مُستذاقًا، يحبه شعبنا، الذي عشق وأدمن حبّ الثورات وعطورها المدنية.

ولأهل دارفور مثَلهم الشعبي القائل: (العِندُو بخُورْ بِتْشمّ)، ولكأنما عنوا بمثلهم هذا ما نشتمه هذه الأيام، من روائح إنقلابٍ عسكري علي السلطة المدنية، ولكي لا نُتهم بالإدّعاء الباطل، نطرح سؤالًا.. ماذا يعني البرهان بقوله: (أنا رهن الإشارة)؟؛ إشارة ماذا؟ ولماذا يا برهان؟ أهي إشارة الإنقلاب؟!؛ أليس من الأوفق لكم، ترك ولاية شركاتكم وإستثماراتكم علي وزارة المالية؟!.

وأعتقد أنه لم يرُق للبرهان ذلك، بعد تذوقه طعم السلطة، وتوهطه في كرسيها الوثير، بدأ يتحسس باحثًا عن حاضنة إجتماعية وسياسية، تعزز له ذلك قبل إقدامه علي ما ينوي فعله؛ لكنه هيهات هيهات .. فلا جنٌ عسكري، يؤمن بخطوته .. ولا سحرٌ إسلاموي، يعينه علي ذلك؛ فالشعب قادرٌ علي أن يسوّي أمره، ويفرض سلطته وإرادته؛ ومهما جوّعتموه أو قدّمتموه لقمة صائغة للطامعين، بالسيطرة علي أمواله، أو بالفرط علي أمنه؛ فلن يركن إلي ذلك سبيلًا، ولن يدع طريقًا لغزعبلات الفاسدين.

والشعب الذي إستطاع إزاحة أعتي طاغوت، جثم علي صدره، راقصًا ثلاثين عامًا ونيف، بإمكانه إدخال سدنته وبوقه، ونافخي كيره في الجحور، وكفّ أيديهم عن الخراب؛ لذلك فإن السودانيين لن يخيفهم مثل هذا الحديث، لأنه من المؤسف حقًا سماعه، من جيشٍ ظللنا نفاخر ونتفاخر به، وما زلنا نمُنّ نفسنا أن يحمي البلاد، بدلًا عن توزيع قياداته لورود الحبّ الرمادية، ينافقون فيها ويخادعون.

وتجد تلك القيادات العسكرية، دومًا ما تعبّر في خطاباتها، عن حرصها علي أمن وسلامة الشعب، بل تؤكد وقوفها معه ودعمها لثورته، نافية رغبتها وطمعها في الحكم والتسلط؛ وعجبًا إذا ما أسقطت حديثها علي أرض الواقع، تجدها كاذبة خاطئة! لا ترعي إلًّا ولا ذمّة؛ والواقع يشهد أنها كافرة بذلك، لأنها المسيطرة علي أدوات الحكم والسلطة، والقابضة علي مقدرات الشعب وثرواته، بل الباسطة أيديها علي وسائل معاشه وإقتصاده، و(برضو تقولو لي زاهدة عن الحكم- بالله).

فالمتتبع لخطاب البرهان إبان خطاب حمدوك، يدرك تمامًا دون ريبٍ أو شكّ، ما يخطط له الرجل وبعضًا من رهطه العسكريين، بهدف الإستيلاء علي السلطة، تحت دواعي وذرائع: خروج الأوضاع عن السيطرة، وعدم أهلية المدنيين علي الحكم، ولكأنها هي القادرة عليه.

وقطعًا هي كلمةُ حقٍ أُريد بها باطل، لأنه ربما نست أو تناست، أن أيديها ملطخة بدماء العباد، مثلما إمتدت إلي ثرواته؛ لذلك فالسبب الحقيقي، هو خوفها من حبال المشانق، لما إرتكبته من جرائم ضد الشعب، آخرها فض إعتصام القيادة (وحدس ما حدس)؛ لأنها ظلت وما زالت دمية، بيد ساداتها وكبرائها، من لدن قائدها المفدي- (المشير البشير)- حفظه الله، أسد أفريقيا، والحاكم بأمر الله، والقائم بشؤون عباده علي الأرض.

لذلك سعت مرارًا وتكرارًا ولم تملّ في سعيها، لكنه ينبغي لها ألّا تأمن مكر الحي القيوم، فاطر السموات والأرض، وألّا تأمن كذلك ثورة الشعب وغضبه، المحفوف بسياج الدعوات، من المظلومين المقهورين، ومن أسر الشهداء، وغيرهم؛ لأن الشعب هو صاحب الكلمة الفصل، والحق الأصيل، في من يتولي أمره.

دنيا دبنقا: نور الدين بريمة
[email protected]>

 

‫3 تعليقات

  1. احسنت اخي الكريم على هذا المقال لكن الخطا واللون يقع علينا بأننا سلمنا رقابنا للجنة البشير الامنية ولذلك يجب أن تصحح الخطا القاتل بابعاد العدو من المشهد

  2. والله برهان وجماعتة لوشربوهم عرقى دنقلا .ما يقدر يعمل انقلاب بعد تحذير سيد الناس بومبيو وهم شاف ٢٠ من المارينز وقف الحال.انتبهوا شديد اذا حصل ثانى شئ ذى ماحصل فى القيادة من قتل المدنيين عندها حتعرف البحصل لهم أية خلاص ولى زمن الانقلابات والفوضى.البرهان وجماعتة هم البهد فى الحكومةالمدنية وضدها. ذى ماقال الاخ الفاضل بريمة العسكر يجو ويقول البلد حتضيع نحن البنجيب الامن .والله هم الضيع البلد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..