مقالات متنوعة

عندما غابت العدالة

عندما تغيب العدالة، يغيب معها الضمير وتموت الحقيقة، وتنتهي القيم ويعم الشر وتطفح الكراهية، ويتوالد الحقد ويحل الإنتقام محل العفو والسماح وبالتأكيد ستسود الفوضى وينتشر الفساد وتكون الغلبة للفشل وغيرها من صفات ومفردات أنبتت بذرتها بنجاح سنين الإنقاذ الكالحة، قبل أن يحل عليها طوفان الحراك الشعبي الذي انتظم كافة شوارع العاصمة والكثير من مدن وقرى السودان منذ 19 ديسمبر.

عانى الشعب السوداني من حكم سيئ غير الكثير جدا من معلمه واوشك ان يغير من جناته لولا ستر لله واجتهاد الكفاءات من ابناء الشعب. من مهنيين وسياسيين.

ويحمد للإنقاذ أنها وحدت الشعب السوداني وأخرجت مافيه من صفات نبيلة خبأت خلال حكم الحزب الواحد، وهي صفات قلَ أن توجد في شعب واحد، بل هي الصفات التي إشتهر بها الشعب السوداني من بين جمع الشعوب وهي الثقافة التي ميزته عن الآخرين من بين جميع الثقافات الافريقية والعربية والغربية.

الثورة أخرجت أثقال إنسان السودان من كرم ومروءة وشهامة وحب حقيقي صادق ومجاني للجميع (بإستثناء) من تسبب في الشتات.

بتنا نكن الحب لبعضنا البعض، ونتبادل الحب يوميا ونمارسه بإشكاله المختلفة، (نفتح ابوابنا للثوار، نستقبلهم بحفاوة بالغة، نطعمهم ونسقيهم ونقدم لهم الأمن والسلام) ، حبنا للبعض يظهر بوضوح أثناء التظاهرات حين يحمي الشاب أخيه من ضربات العسس وتعيد الجسورة عبوة البمبان مرة أخر ى حماية للثوار وانجاحا للموكب. ويظهر حبنا لبعضنا ورغبتنا الحقيقية في تحقيق الواقع المنشود بأبتداع وسائل جديدة ومتفق عليها وبحب.

واصبحنا نتقبل أخطاء بعضنا بحب بعد أن كنا نلعن (أبو خاش بعض) ، بتنا نبكي ونئن إن أصاب أحدنا مكروه، ونفرح وتنطلق حناجرنا بالزغاريد والهاتف عندما ننجح في كسب مساحة صغيرة خلال الحراك اليومي، صرنا نتجاوز الصغائر وحتى الكبائر في سبيل وحدة صفنا ومنعا لشقه، أصبح أكبر همنا أن نتآلف ونتفق بعد أن كنا (نتنمَر) على بعضنا وننتظر هفوة الآخر لنستأسد عليه وننقض عليه بعنف لفظي وبدني ونفسي، لم يعد بيننا من ينتظر أن يبادر هذا او تلك، جميعا اصبحنا نبادر في ذات اللحظة، لم نشعر بأننا في حاجة لمن يقودنا ويدلنا على الطريق، فجميعنا يمسك بيد الاخر، صرنا (عكازة) الكفيف، وركَازة الضعيف، وسند المحتاج ووسادة المريض.

مع استمرار حكم الإنقاذ الطويل كدنا أن ننسى من نكون، بل أوشكنا على فقدان هويتنا، وبات البعض يتنكر لها، واليوم صرنا نهتف بالصوت العالي (أنا سودانيين سيف مسلول حداهو درع تقاقيبن تسد الليل مع الحيران وشيخا في الخلاوي ورع).

التوحد العاطفي والوجداني الذي حدث بالسودان مؤخرا لم يحدث من قبل وسيكون نواة لواقع جديد ومدخل لتغييرات كبيرة لم تكن لتحدث لولا هذه الصحوة من المواطنين والعمل الدؤوب من تجمع المهنيين وقوى اعلان الحرية والتغيير.

عدنا مرة أخرى بنفس صفات السودانيين الذين عمل النظام على تغييبهم عنوة، واليوم عادوا وبقوة يكفكفوا دمعة المفجوع، يحبوا الدار يموتو عشان حقوق الجار يخوضوا النار عشان فد دمعة، كيف الحال لو شافوها سايلة دموع،؟ وحري بنا ان نردد مع الشاعر وبفخر : (ديل اهلي يقدموا الغير علي ذاتم يقسموا اللقمة بيناتم يدوا الزاد حتى ان كان مصيرم جوع،) وبدوري اردد : واسفاي لو ما جيت من ذي ديل، واسفاي واا ماساتي وااا ذلي، تصور كيف يكون الحال لو ماكنت سوداني، وأهل الحارة ديل ما اهلي.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..