تعديل الموازنة في السودان .. محاولة حصار الأزمات ؟

تقرير: أحمد قسم السيد
يبدو أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تحاصر الحكومة من كل جانب جعلتها تتحرك في كل الاتجاهات للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة، آخر التحركات الحكومية هي المضي في إجراء تعديلات على موازنة الدولة المؤقتة التي حُدِّدَ لها (6) أشهر. بالمقابل هناك ضوء يلوح في آخر النفق وهو الدعم الذي وعدت بتقديمه عدد من الدول في مؤتمر شركاء السودان الأخير ببرلين والذي يمثل أحد جوازات عبور الاقتصاد السوداني. والمؤكد أن التعديل الأخير في الموازنة – على الرغم من بعض الصعوبات التي سيعانيها المواطنون جراء تطبيقها والمتمثلة في رفع الدعم عن البنزين والجازولين – من المؤكد أن الحكومة ماضية في إنفاذها لإصلاح الخلل الهيكلي في الاقتصاد ومحاصرة الأزمة الاقتصادية.
انتقاد التعديلات
التعديلات الجديدة على الموازنة قوبلت بانتقاد حاد من اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير. وأكد عضو اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير التيجاني حسين في حديثه لـ(السياسي) أن الاتجاه للتعديل التدريجي في سعر الصرف والدولار الجمركي وترشيد الدعم للمحروقات يعني الاستمرار في نفس سياسات وزير المالية السابق، التي تستند على تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي التي وصفها بالمدمرة للاقتصاد الوطني والمفقرة للجماهير، واستدل بما حدث في بعض بلدان العالم، التي حاولت أن تستجيب لشروط الصندوق.
وأعلنت اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، في بيان، رفضها لتعديل الميزانية وللسياسات المعلنة وطالبت بتطبيق برنامج السياسات البديلة الذي قدمته قوي الحرية والتغيير للحكومة فى أكتوبر ٢٠١٩ وما تمخص عنه من بدائل طرحتها اللجنة في مذكرة البدائل المعدلة التي سلمت لوزيرة المالية المكلفة.
إجراءات صعبة
وعلى نحو مفاجئ عقد مجلس الوزراء اجتماعاً استعرض من خلاله تعديل الموازنة. وقالت وزيرة المالية المكلفة، د.هبة محمد علي، إن سبب تعديل الموازنة هو الحاجة لتبني سياسات من شأنها تخفيف التأثير السلبي لجائحة كورونا على الوضع الاقتصادي حيث انخفضت الإيرادات العامة بنسبة 40%، وأقرت بأن العجز صار كبيراً جداً مما استدعى مراجعة الميزانية واتخاذ إجراءات طوارئ من بينها التعديل التدريجي لأسعار الصرف والدولار الجمركي علي مدى عامين للوصول للسعر الحقيقي.
وأشارت هبة إلى أنه وفي إطار عمل المحفظة التي انشئت بواسطة اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية سيتم ترشيد سعر الوقود عن طريق السماح للقطاع الخاص باستيراد كميات غير محدودة من البنزين والجازولين للتحكم في الندرة.
وقالت هبة إنه وعلى الرغم من صعوبة هذه الإجراءات فإنه من المتوقع أن تساعد على نمو اقتصادي متدرج خلال ثلاث سنوات بحيث يحقق الاقتصاد نمواً متدرجاً بثماني نقاط يخرجه من مؤشر النمو السلبي الحالي كما يساعد في المدى المتوسط والبعيد على التحكم في التضخم الذي وصل أرقاماً عالية ابتداءً من العام المالي 2021، وأكدت استمرار دعم القمح والأدوية وغاز الطبخ في الموازنة المعدلة.
رفع الدعم
بالمقابل، لم يكن أمر الموازنة المعدلة غائباً عن مؤتمر رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك الذي عقده ليل الأربعاء حينما أعلن عن رفع الدعم تدريجياً عن البنزين والجازولين، والإبقاء على دعم خمس سلع أخرى، وأكد أن كل الدول شرعت في تعديل موازنتها بسبب جائحة كورونا.
وأضاف: “استطعنا أن نعدلها بشكل يحافظ على الأهداف الأساسية لدعم الصحة والتعليم”.
ووصف حمدوك سعر الصرف الحالي بالمشوه، وأقر في الوقت ذاته بتراجع كبير في الإيرادات بسبب الجائحة، وقال إنهم يطمحون في تمويلها بشكل حقيقي، مشيراً إلى أن الدولة تدعم 6 سلع استراتيجية.
تغطية عجز الموازنة
في السياق قال الخبير الاقتصادي عز الدين إبراهيم، إن قرار تعديل الميزانية كان متوقعاً، نتيجة لعدم تحقُّق الافتراضات التي بُنيت عليها الموازنة، بجانب عدم وصول التدفقات من المنح الخارجية، التي اعتمدت عليها الموازنة بشكل أساسي في تمويلها، واقترح تغطية عجز الموازنة بالحصول على قرض طويل المدى أو منح، بجانب معالجة مشكلات الإنتاج وتفعيل دور القطاعات الإنتاجية الأخرى، بدلاً عن اللجوء للاستدانة من البنك المركزي في تسديد العجز.
وطالب إبراهيم بتطبيق حزمة من الإجراءات لإصلاح العملية الاقتصادية، من بينها تعديل سعر الصرف.
\\\\\\\\