خاطرة أم درمانية ? مطرة المولد

في أيام المولد الماضي تذكرت هذه الخاطرة ولكن لم يكن هناك متسع للكتابة . عام 1964 هطلت مطرة قوية في الايام الاخيرة في المولد . وكان بعض بائعات الهوي في أم درمان عندما يمر الناس بمنازلهن دون توقف يقولن : هي يا البتسو السوتو المطرة في المولد .
وبما أن المطرة كانت في المساء ففي الصباح كانت الطرقات مليئة بماء الامطار وبينما انا حاملا حقيبة ادوات من شاكوش ومنشار ومفكات ناداني احد شيوخ الطرق الصوفية واظنه من القادرية وخيمتهم في الركن الجنوبي الغربي في المولد . وأنا كنت في طريقي إلي اللالوبة الكبيرة خارج المولد وعلي بعد امتار من المدخل الجنوبي الشرقي لجامع الخليفة . وتحت تلك الشجرة كان نادي التربية البدنية الذي كان امام بوابة عبد القيوم قد اقام سوقا خيريا تحت شجرة اللالوب . وقمت انا بصنع الترابيز العالية التي كان يمارس فيها “اللبس تكسب” والمشمع وهو عبارة عن مربعات ابيض واسود يقذف الانسان بالقرش او التعريفة واذا كانت قطعةالعملة داخل المربع بالظبط يكسب الانسان خمسة اضعاف وهنالك “نوامة” او دوارة . وهي مربع من الزجاج بستة اقسام هلال مريخ موردة بيل اهلي تحرير وظهر يدور . وكنت وقتها في طريقي لإصلاح احد الترابيز التي انهارت اثر هروع الناس للخروج من المولد هربا من الامطار.
الشيخ الصوفي أحبط عندما قلت له بأنني لست بكهربائي فطلب مني أن أحاول مساعدتهم لأن كل الأسطوات مشغولين بالخيم الأخري . وكانت عندي فكرة عن الكهرباء فقد كاني صديقي الحبيب متعه الله بالصحة عثمان ناصر بلال ميكانيكيا ويجيد عدة مهن منها توصيلات الكهرباء والمواسير . وتعلمت علي يده النجارة وكنت أقوم بالكثير من أعمال النجارة وكانت عندي عدة نجارة كاملة.
ومن منشئاتي كشك المرطبات الذي كان في شارع الأربعين في تقاطع شارع مرفعين الفقرا .
من أول نظرة كان واضحا لي أن الأمطار هي سبب العطل فقد كان توصيل اللمبات عن طريق الدبوس . وهذه طريقة دفن الليل اب كراعا مارقة . فبدلا عن تعرية السلك وتوصيل سلكين قصيرين سالب وموجب تدلي منهما اللمبة اكتفوا بغرس دبوس في الخط الرئيسي وقاموا بلف الأسلاك المتدلية حول الدبوس . ومع الرطوبة والماء حصل التماس “شورط” . ولاحظت أن الكهربائي صديقي والرجل الفيلسوف عوض حمد يعمل في احد الخيم الكبيرة فهرعت إاليه . فنصحني بفصل الأسلاك التي فيها سخانة لأن هذا يعني أن هنالك إلتماس . واعطاني شريط كهرباء .
وبعد نصيحة عوض حمد لم تنجح العملية فأتي بنفسه ولاحظ أن اللمبات مختلطة بعضها “زمبة” وبعضها “قلوظ” فطلب مني فصلهم الزمبة براهم والقلوظ براهم وأن أقوم بعملية تجفيف .
عوض حمد كان كهربائيا ماهرا وكان يسكن فريق حمد وهو الحي جنوب ميدان الربيع ، وكان نحيف الجسم وكان شخصا مؤثرا في محيطه ومجتمعه يحترمه الجميع . قدم في في احدي المرات نصيحة . ونصيحته كانت : في بعض الناس المعاملة الكويسة ما بتنفع معاهم والأدب بيعتبر عندهم ضعف . وأبدا ما تقول الزول ده أضعف مني وما أرفع عليه يدي ، في ناس ما بتجي إلا بالكف .
أخونا فلان ده مش بيتهم فيه كل شي كعب لكن زول بيقدر يرفع عينو مافي لأنو أيدو واصلة ، في ناس ما بينفع معاها إلا العين الحمرة .
كان رجلا ساخرا . وكان يردد كثيرا عندما يقابل الناس عندما يري شخصا تعبانا أو يحتاج أن يردد له الكلام فيقول : إنت مالك يا أخي ؟ فاطر فول ؟ .
عندما قلت له في أحدي الأيام ،عوض يا أخي ما كل السودانيين بيفطروا فول . ضحك وقال : أهي دي المشكلة .
بعد عدة زيارات ماكوكية اشتغلت زينة الخيمة فشكرني الشيخ الصوفي ووصفني بالأسطي فقال عوض حمد : أسطي شنو يا أخي ده ما ود ناس بدري وأشار لتمثال بابكر بدري الذي كان في شارع الموردة . فاستغرب الشيخ وقال : إنت يا ولدي أهلك ديل علموا الناس ديل كلهم انت يا ولدي ما علموك ليه ؟ شايل عدتك وحايم ؟ فقال عوض حمد : ما علموه كيف ! علموه وأسه كمان ماشي أوروبا يدرس . وعندما لاحظ عوض حمد نظرة الشيخ الصوفي المستغربة قال : لكن طالقنوا يضايق الناس في شغلهم يوم نجار ويوم كهربجي . فقام الشيخ بالدعاء لي بالنجاح والتوفيق في رحلتي .
كثيرا ما فكرت في عوض حمد . كان فيلسوفا أمدرمانيا . تعلمت منه الكثير . أحد دروسه أنه عندما كان يجالسني في قهوة مهدي حامد في سوق الموية لاحظت لطشة كهرباء تركت أثرا ظاهرا علي الزردية فسألته فعرفت أنه قد سأل أحد زملائه عدة مرات فصلت الكهرباء والرد كان أيوة يا أخي فصلت الكهرباء . وعوض كان يقول لي ما تكضب الناس لكن اعتمد علي نفسك . لو صدقت كلام الراجل ومديت يدي كان أكون الليلة في حمد النيل “مقابر” .
وهذا الدرس من عوض حمد تذكرته كثيرا ولهذا يندر أن أكلف أي إنسان حتى أبنائي بأي شي وأفضل أن أقف علي الأمور بنفسي ، وأتذكر زردية عوض حمد المكسية بالبلاستيك الأحمر وأثر سلك الكهرباء علي فمها .
لك التحية عزيزي وأخي عوض حمد فقد كنت فيلسوفا أمدرمانيا عظيما ولك الرحمة إن كنت قد تركت هذا العالم .
التحية
ع . س .شوقي
[email][email protected][/email]




…الكلام ده بيذكرنى بكاريكتير باحدى الصحف العربية الخليجية ,وهو يظهر منزل الامريكى او الرجل الغربى عموما وبه ادوات والات الحدادة والنجارة والمكانيكا والكهرباء,مفاتيح ,مفكات ,منشار كماشة شاكوش ووووعلى الجدار,,بينما منزل العربى بالجهة المقابلة به قصصات اوراق مكتوب عليها تلفون النجار,تلفون السباك .جوال الكهربجى..جوال غسال السيارة..!!
شكرًا شوقي بدري منتظر منك قصة تكريم الفنان محمد الامين من بشة ، القصة دي اصلو ما واقعة لي ، طبعا الامام الصادق و السيد المرغني ديل قنعنا من خيرا فيهم ،،،
عم شوقي لا تخف من ان تقول لك الرحمة لاني مرة سألتك عن احد مشاهير ام درمان الذي انت كتبته عنه سألتك ان كان مازال على قيد الحياة و لماذا لم تترحم عليه ان كان قد توفى فكان ردك بأنك في احدى المرات كتبت عن شخص و كان ابوه اسمه رحمة الله فظهرت اشاعة بأنه توفى وانت السبب , لذا ظهر خوفك واضحاً في نهاية هذا المقال , و ذلك في عبارة ( لك الرحمة إن كنت قد تركت هذا العالم ) لكن عادي لا يهمك كل شخص تكتب عنه قل له لك الرحمة لان الرحمة للاحياء و الاموات لكن عندنا ارتبطت فقط بالاموات , و لو احد سألك قول ليه الرحمة للاحياء و الاموات و اعمل نايم و اظنك تعرف ذلك . لك الرحمة عمنا شوقي بدري . ههه هههههه ههههه .
يا سلام يا استاذ شوقي كتاباتك غير والله انت انسان ممتع وموهوب بشكل ما عادي وبضيف كمان لدعوة الشيخ الصوفي ربنا يديك الصحه والعافيه. المرة القادمه ارجو ان تحكي لنا عن تجاربك وانطباعاتك في زىارتك لبيت الله الحرام ارجووك
جميل
” و إيه الدنيا غير .. لمّة ناس في خير .. أو ساعة حزن ” .
لك التحية و الإحترام عمنا و أستاذنا شوقي ، أحيانا نلاقي أناسا في حياتنا لهم فلسفتهم و مبادئهم التي لا تتزحزح مع الأيام و الدهور ، منهم :الراجل النكتة ، أو الجادي ” صعب و عينه حمرا ” ، أو الطيب الذي تطمئن له القلوب و هكذا . هؤلاء من يستحقون الصداقة و الإحترام و “المشورة” .
التحية لك استاذنا شوقي بدري واطال الله عمرك ومتعك بالصحة والعافية كما تمتعنا
بقصصك وحكاويك الشيقة والمليئة بالتجارب الغنية .. انا وجدت في مقالك نصيحة من
صديقك المعلم عوض حمد عجبتني كثيرا جدا وهي:( ما تكضب الناس لكن اعتمد على نفسك )
وقد ذكرتني بالحكمة الجميلةالتي يتداولها المصريون و تقول ( حرص ولا تخون).
انا ساعمل بنصيحة المعلم عوض حمد واقول له اللهم لك الرحمة حيا وميتا .
يديك الصحة والعافية عمنا شوقي بدري انتا بتثري فكرنا بثوابت الامة السودانية الجميلة
واكون سعيد عندما اجد لك مقال واحاول اجد له الزمن المريح عشان اقراهو بي مزاج واعيدقراته
عدة مرات ربنا يخليك لينا وشكرا
?لا تبكي على الماضي فقد ذهب ولا تنزعج من المستقبل لأنك لم تعيشه بعد ، عش الحاضر واجعله جميلا :)
دائما تؤكد بانك حكاي بارع ، انا المستغرب ليهو انت بتتذكر الحكاوي دي كيف ؟
زمان كان الشغل عادي وجميع الشباب في الاجازة بيشتلغوا في مهن يدوية وكان تلقي الواحد الاجازة دي صبي نجار وبعدها صبي كهربائي وهكذا وطبعا مهنة من لا مهنه له هي طلبة مونة مع معلم بناء.
في مدني كان اعمامي ، الجماليه ، اصحاب ورش نجارة ، وكنت احب جدا قضاء الاجازة وسطهم ، ففي المنطقة الصناعية كل شئ مباح فجميع انواع الاكل متوفر وبنات الفلاته يمرون علي الورش يحملون ما لذ وطاب من الخيرات ، فول وتسالي وحلاوة مندكو وحلاوة حلي وتابوت وحلاوة فولية وسمسمية وفول مدمس ومسلوق ….. وعينك ما تشوف الا النور
شوية يجيك بياع النيفة ( وهي الكوارع مطبوخة بالبخار ) والاكل علي الوقف و، بتاع التبش بالشطة والعجور وقصب السكر والبتيخ والشمام واللالوب والنبق ….. اييييك !
غير ان الذ ما في الموضوع هو ان المنطقة الصناعية في مدني كان يجاورها حي لنا فيه ذكريات مدهشه وهو في ذلك الزمن الجميل ، مكان الترفيه الشعبي الرسمي للمدينه وكان محميا ومنظما بقوة القانون وبصراحة كان مكانا عبقريا مدهشا ،كان حلا عبقريا لاشياء موجوده في كل زمان ومكان .
المهم في الموضوع ان الحله الجديدة كانت زاخرة بكل ما لذ وطاب لنا نحن طبقة الصبيان والمراهقين في ذلك الزمن الجميل الحلم حيث يطول الحكي عنه وليس من وقت
مع تحياتي وتقديري