مقالات وآراء

إعلام البلابسة.. حين يميل القلم حيث مال الجنرال 

حسن عبد الرضي الشيخ

حسن عبد الرضي الشيخيكتب عثمان ميرغني كما لو كان المتحدث الرسمي باسم الجنرالات، لا الصحفي الذي يُفترض أن يحرس الوعي العام ويحمل هم الناس. فحينما يتمايل الفريق إبراهيم جابر في مشهد الخرطوم، نجده يتمايل معه بالقلم والعبارات الملساء. المقال الأخير الذي خاطب فيه الجنرال “ناصحًا” ليس سوى درس عملي في كيف يحوِّل الإعلام المأجور التناقضات والخدع العسكرية إلى “رؤى استراتيجية” و”خطط عمرانية”.

هل يمكن لعاقل أن يقرأ هذه السطور دون أن يضحك من هذا التماهي الفجّ؟ الجنرال الذي دمّر الخرطوم وأحالها إلى أطلال، يصبح في قلم عثمان “المخطط الحضري” الذي يبشر بمدن جديدة ومشروعات أسواق عصرية ومولات تلمع في الخيال! أي عبث هذا؟ أي استخفاف بعقول الناس؟

عثمان ميرغني يتحدث عن “الخطة الاستراتيجية” وكأن الخرطوم لم تُمسخ بالمدافع والطائرات، وكأن نصف أهلها لم يُهجَّروا قسرًا. يحدثنا عن “مول سعد قشرة” و”حي المال والأعمال” بينما الخرطوم بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء. يتغافل عن الدماء التي سالت، وعن الخراب الذي صنعته ذات المؤسسة العسكرية التي يلمّع جنرالاتها صباح مساء.
إنها ذات اللعبة القديمة: الإعلام البلابسي الذي يبيع الوهم ويغطي على الفشل. كلما قال الجنرال شيئًا، صاغه عثمان في ثوب “الرؤية” و”الحكمة”.
بالأمس بارك حملات الإفراغ القسري لوسط الخرطوم، واليوم يبشرنا بالمدن الجديدة والأسواق العالمية، وغدًا – إذا تراجع الجنرال – سيجد له التبرير.هذا ليس صحافة، بل سمسرة سياسية. هذا ليس رأيًا عامًا، بل رأي الجنرال يُساق إلينا عبر قلم مأجور. والإعلام الذي يتقمص دور البوق لا يصنع وعيًا، بل يطمس الحقائق ويمنع الناس من رؤية جوهر الأزمة: أن الخرطوم لا تحتاج إلى “مولات” ولا “مخططات هيكلية”، بل تحتاج إلى وقف الحرب أولًا، وإلى إنهاء حكم الجنرالات الذين أغرقوا البلاد في الدماء والخراب.
إن أعظم خدمة يقدمها الصحفي الجاد اليوم ليست أن ينصح الجنرال كيف يوزع وزاراته في “كافوري” أو “الحلفايا”، بل أن يسمي الأشياء بأسمائها: الخراب خراب، والجريمة جريمة، والتضليل تضليل.
أما ما يفعله عثمان ميرغني فلا يزيد على أن يكون واجهة بائسة لإعلام البلابسة، الذي يميل حيث مال الجنرال، ويتقلب حيث تقلبت مصالح السلطة.
ولذلك نقول بوضوح: الخرطوم لن تُبنى بمقالات التلميع، ولا بمشروعات الوهم، ولا بخطط الجنرالات. الخرطوم تُبنى فقط عندما تُسترد من قبضة العسكر وإعلام “الكيزان” المأجور معًا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..