أخبار السودان

4 أيّام في الخرطوم

رشاد أبو شاور

منذ تلقيت الدعوة لزيارة السودان، للمشاركة في ملتقى جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، بدأت ذاكرتي تستعيد عبارة الدكتور إحسان عباس التي طالما شوقتني لزيارة السودان: أجمل فترة من فترات حياتي هي التي قضيتها في السودان.
الدكتور إحسان الأكاديمي والناقد الكبير، رحمه الله، تنقل في كثير من بلاد العرب والعالم، وأقام أستاذا زائرا في أمريكا، ولكنه أحب السودان، وجاهر بحب شعب السودان. كان يردد أمام من يبدي دهشة واستغرابا مما يسمع، موضحا أسباب محبته لأهل السودان: شعب لطيف المعشر، طيّب، ديمقراطي، ودود، متواضع، وصفات أخرى ظل يرددها عن أهل السودان مؤججا رغبتي في زيارة هذا البلد العربي الأفريقي، للتعرف بأهله عن قرب.

توجهت إلى مطار عمان الدولي في آخر ساعة من يوم 19 شباط، وأقلعت بنا الطائرة حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أي في فجر يوم 20 فبراير، ووصلنا مطار الخرطوم بعد 3 ساعات.

في الخرطوم التقيت بأصدقاء قدامى: نبيل سليمان الروائي السوري، ومحمد عز الدين التازي الروائي المغربي، وتعززت معرفتي بالدكتور الناقد عبد الله إبراهيم، والدكتورة أسماء معيكل، وتعرفت بالناقد المصري الكبير الأستاذ محمد عبد المطلب، والناقد الشاب المتألق الدكتور محمد عبد الباسط عيد،والدكتور الناقد والروائي إبراهيم الحجري، والكاتبة الدكتورة سعيدة تاقي، وهما مغربيان، وبالروائي الجزائري إسماعيل يبرير، والكاتب العراقي محمد كاظم، والكاتب اليمني الذي فاز بجائزة الرواية في الدورة الثانية، ولكنه لفرط تعلقه بالسودان عاد هذا العام للالتقاء بأصدقائه السودانيين.

هنا أتوقف للقول: المؤتمرات هي التي عرفتني بكثير من الكتاب والشعراء والنقاد العرب، وهذه إحدى أهم فضائلها، وأجملها، فلولاها لما تمكنت من زيارة كثير من البلاد العربية، ولما تعرفت بالكثير من المبدعين العرب الذين بدأت صداقتي ببعضهم منذ التقينا في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب في دمشق عام 1971.

غير صحيح أن المؤتمرات أكل وفنادق فخمة وتمضية أوقات ممتعة، ففي المؤتمرات جهد، ونقاش، وتعارف، واستئناف للتواصل، وتبادل للكتب التي غالبا لا تنتقل من بلد عربي إلى بلد عربي آخر لأسباب في مقدمتها الرقابات الجاهلة المعادية للثقافة.
كل ما قاله الدكتور إحسان عباس الناقد والمعلم الكبير عن السودان تيقنت منه في الأيام الأربعة التي قضيناها في الخرطوم، أنا وزملائي الذين يزورون السودان لأول مرّة في حياتهم، رغم أن بعضهم أُتيح له أن يزور بلادا كثيرة في هذا العالم!
في الفندق الذي بني بأموال ليبية، والذي يقال أنه الفندق الوحيد الفخم، كنت أطل صباح مساء على النيل، متتبعا لحظة اتحاد النيلين الأزرق والأبيض في نيل واحد، بعد رحلة قطعاها عبر بلدان أفريقية من أوغندا وأثيوبيا، ليتابع النيل رحلته إلى مصر(هبة النيل) التي لولا السد العالي لاجتاحها الجفاف، فالنيل لا يهب الحياة لمن لا يخطط..وانظروا إلى ما يُدبر لمصر لحرمانها من ( ماء الحياة)، بهدف تمويتها ظمأ، وتركيعها عند قدمي الكيان الصهيوني محرض الدول الأفريقية التي يعبر النيل أراضيها على بناء سدود ليست بحاجة لها!

السودان يحيي ذكرى روائيه الكبير الطيب صالح منذ ثلاثة أعوام، بعقد ملتقى تقدم فيه جوائز للفائزين في مسابقات: الرواية، القصة القصيرة، الدراسات، ولثلاثة مراكز، وهذه الجوائز متاحة لأي عربي.

في هذا العام أُضيف للجائزة ( شخصية العام) السودانية المتميزة ثقافيا، وكان هذا إغناء للجائزة، ولعل هذا ما شجعني على اقتراح أن يضاف للجائزة شخصية العام الثقافية المتميزة عربيا، حتى لا تبقى الجائزة في إطار المسابقات التي قد تتحول إلى مسابقات للهواة والناشئين، بسبب إحجام الكتاب أصحاب الأسماء الكبيرة عن دخول مسابقات قد تقلل من قيمتهم وحضورهم.
لفتت انتباهي حضور الجمهور السوداني المتحمس والحاشد على مدى يومين في قاعة جلسات الملتقى، وفي جلستي الافتتاح والاختتام في قاعة ( الصداقة)، والمتابعة باحترام، وحُسن إصغاء، وبجدية النقاش في ختام الجلسات مع النقاد، ومقدمي الشهادات، وأنا أحدهم، وبمنتهى اللطف، والتواضع، والجدية.

لم يكن أحد يقف في المدخل ليثرثر بشكل مزعج يشوّش على من هم في داخل القاعة، كما اعتدنا في الندوات واللقاءات في بعض الأقطار العربية، فالجمهور حضر ليستمع، ويطلع، ويستفيد، ثم ليجادل بالتي هي أحسن، بعيدا عن الاستعراض.
كثير ممن كانوا يداومون في الجلسات يتمتعون بدرجات علمية رفيعة( بروفسور)، ودكتور، وهم أساتذة جامعيون، بعضهم، وبعضهن، درّس في كبريات الجامعات المشهورة عالميا، بعد أن تخرجوا من جامعات بريطانيا، وأمريكا، فرنسا، وبعض الجامعات العربية وفي مقدمتها القاهرة وبغداد.

في الخرطوم تلتقي بمن قرأ لك أعمالك الروائية والقصصية، ومن يتابعك في( القدس العربي)، ومن تابعك في مجلة( الآداب)، فتشعر بجدوى الكتابة التي تصل بينك وبين الأهل في السودان الذي هيئ لك أنه بعيد، والذي طالما تمنيت زيارته.
في الأمسيات، وعلى دعوات العشاء، اسستمتعنا بموسيقى أبرز وأبرع موسيقيي السودان، واستذكرنا معهم الموسيقار والمغني الكبير محمد وردي الذي رحل العام الماضي.

يولد الإنسان في أفريقيا راقصا، وفي الحلبة يرقص السودانيون بوله، واندماج، وتأخذك أنت الجالس المتابع المبهور إيقاعات تذكرك بإيقاعات ( الدراويش) المتصوفة، الذين وفدت إيقاعاتهم من المغرب العربي الكبير جار السودان.
الشخصية السودانية الهادئة تحيلك على النيل الرحب الهادئ الغني بالطمي الذي يحمله في رحلته على امتداد ألوف الكيلومترات، فتتأمل مدى تأثير النهر في أعماق الإنسان السوداني.

لا يغيب عن تفكيرك سؤال طالما شغل المخلصين من أبناء الأمة، الذي فكروا بالحلول لمشكلاتها، بخاصة الغذائية التي تحدد استقلال العرب: لماذا لا تستثمر أراضي السودان الخصبة، ومياه نيليه؟

هذا السؤال الموجع أنت تعرف جوابه مع كثيرين من أبناء الأمة، فالثروات تبدد على السفاهة من شراء أسلحة لا ترد عدوا، إلى الحياة الاستهلاكية اللاهية، ومشاريع ناطحات السحاب في صحراء تزرع فيها مدن ملحية باذخة لا تنتج شيئا، و الأكثر ألما أن عائدات النفط والغاز تعود بالنفع على أمريكا، وضمنا الصهاينة، وبنوك الغرب المعادي لكل قضايا العرب، وفي المقدمة منها قضية فلسطين.

الأسئلة الموجعة لم تشغلنا عن تقديرنا لمن اهتموا بتأسيس هذه الاحتفالية وأنفقوا عليها، وها هم يواصلون الاعتناء بها في دورتها الثالثة، ويوسعون حضورها، ولا بد هنا من توجيه التحية لرئيس شركة ( زين) السودان الذي استجاب لمقترحات مثقفين مبادرين في السودان، فأوعز بتبني إحياء ذكرى الطيب صالح، وإنفاق الشركة على كل نشاطاتها، فقدم أمثولة، آمل أن تتأثر بها البنوك والشركات الكبرى في بلاد العرب، فتتبني مشاريع ثقافية مثمرة تسهم في الارتقاء الثقافي، ومد جسور التواصل بين الأقطار العربية.

أربعة أيام هي التي قضيتها في الخرطوم مع زيارة سريعة وتجوال في شوارع أم درمان جعلتني أردد وأنا أعانق مودعي من الأخوة السودانيين: صدق الدكتور الكبير إحسان عباس في ما قاله في أهل السودان، الذي تخلّى عنه العرب الأثرياء اللاهون والمتآمرون على كل قضايا الأمة، والذين يبددون الأموال على كل ما يضر بالأمة..وإلى اللقاء يا أهلنا في السودان !

القدس العربي

تعليق واحد

  1. هل صحيح ما تم افهامه لهذا الكاتب ان الفندق الذي بني باموال ليبية هو الفنذق الفخم الوحيد….؟؟؟؟ اتقوا الله يا من تريدون ابراز الوجه المشرق للسودان من هكذا معلومات فهي وغيرها اضرت كثيرا بهذا البلد .. شكري للكاتب علي ما كتب وآمل منه الابتعاد عن الخبث المبطن وتبخيس بلد قدم له من الكرم والضيافة شهد عليها بنفسه … ولك الله يا وطني

  2. غير صحيح لم يتخلي عنه الاثريا العرب ولكن تخلي عنه اهله وحكامه وافقروه وقسموه واذلوه. ومازالو يمارسون عهرهم علي ابنائه. ولسنا بحاجه الا اي مساعده ماديه مع شكرنا لمن يتضامن معنا لان ما في بلادنا يكفي لنا ولاخوتنا ولكن لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. ونشكرك علي مدحك للسودان واهله وسنعود حتما لسيرتنا الاولي بعد تطهير بلادنا من شياطين الانس الكيزان.

  3. التحية لك يا استاذ يا كبير

    الرحمة والمغفرة لكاتبنا الكبير الطيب صالح
    نحن يا استاذنا سوانيون .. حدفت بنا الاقدار وهاجرنا خارج السودان لتوفير حياة كريمة لنا ولابنائنا ولاسرنا الكبيرة المتناثرة في انحاء السودان ..
    تكلمت عن الخرطوم وقدر لك ان تزور السودان اذهب الي البوادي لنري اهل السودان هناك من رحل وغيرهم .. لتقنتع ان هذه الدنيا سهلة ومن يريدها سهله يعيشها بكل بساطة وراء زرع او وراء قطعان من الابل او الضان ..
    اهل السودان والذين يعشون الان خارج السودان تاكد لهم … ان الجياة ليست ناطحات ولا سيارات فارهة وغيرها من زائف الدنيا ..
    لك الود علي الاطراء

  4. والله يأأستاذ نشكرك على الأطراء رغماً عن أنه حقيقة ولكن لم تكن صادقأ في روايتك بأن فندق الفاتح الذي بني بأموال ليبية هو الفندق الوحيد الفخم في السودان ونشكر ذمك الذي يشبه المدح ونتمنى لك المزيد من زيارة السودان لمعرفة المزيد من الفنادق الفخمة

  5. المشكلة مش في الكاتب، المشكلة في الشركات البتعمل جوائز مثل جائزة الطيب صالح وتدعو لها الأغراب في هذه الظروف التي يمر بها البلد،،،، الطيب صالح يستحق أكثر من ذلك ولكن هذا الظرف الذي يبكي فيه سوداننا لا يحتمل مثل هذه الاحتفاليات والناس جوعى… نستاااااااااااهل كل الذم الذي يأتينامن كل صوب …..

  6. يارشاد ياماراشد يرشك بلاء يخمك ونحن ناقصين
    اه ادوك كم؟؟؟ طعبا ده غير حق التزكرة ماشى وجاى والاقامة الملح

  7. يولد الانسان في افريقيا راقصا ويولد في بلاد الشام ((هذه الكلمة يعاقب عليها القانون))..انتو الناس ديل دايرين يحشرونا رجالة في قضاياهم الفارغة دي عارفك يارشاد ابو شاور عاوز تقول لي فلسطين مش كده بالله لف بلا يخمك بلا يولد راقصا بلا يولد مليص عالم كده ذاتو عجيبة

  8. وانظروا إلى ما يُدبر لمصر لحرمانها من ( ماء الحياة)، بهدف تمويتها ظمأ، وتركيعها عند قدمي الكيان الصهيوني محرض الدول الأفريقية التي يعبر النيل أراضيها على بناء سدود ليست بحاجة لها!

    يا ابو رشاد الدول الافريقيه لها الحق الشرعي في بناء مشاريع التنميه ومن بينها السدود للنهوض بشعوبها,,اغلب الكتاب العرب يتمشدقون ويدعون معرفة ما لايعرفون عنه شئ

    نهر الفرات الصغير الحجم والقليل الماء مقارنة بنهر النيل وفروعه الازرق والابيض اقيمت عليه عدة سدود في تركيا وسوريا ولم تحرم تلك السدود العراق من ماء الفرات ولم يستنكر اي من الكتاب العرب حق تركيا في اقامة السدود علي نهر الفرات في الوقت الذي تحاولون فيه منع دول حوض النيل وخاصه اثيوبيا من اقامة سدود علي فروع نهر النيل وهذا ان دل علي شئ انما يدل علي عنصريه بغيضه واستخفاف بعقول الافارقه والدخل الصهيونيه شنو في مشروع سد الالفيه الاثيوبي

    اتق الله يا ابورشاد ولاتفتفي في ما لاتعلم عنه شئ

  9. شكرا يا استاذ علي مشاعرك النبيلة حيالنا وانابة عن شعب السودان بنقول شكرا لا تقليل لرايك ونحمدالله علية كثيرا لعدم زيارتك لقاع المدينة (الاطراف المهمشة ) وهو شنو البقي ما مهمش علي حسب شوفنا (بنشوف بالابيض) يا ربي ونحن لا نحس بتلك المجاملة الدبلوماسية اتمني ان لا تسمع اغنية للكابلي وشاعرها التجاني *** ( تلقي الزمن غير ملامحنا ونحن بقينا ما نحن )

    في عز الليل ياهاجر انا مساهر
    حليل الباع عنقريبوا وقام بليلو

  10. يولد الانسان في افريقيا راقصا ….الكلام ده اكييد موجه لعمر البشير …مع التأكيد بان السودان دولة افريقية ,,,لان ليس من شيم العرب الرقص؟؟؟؟؟؟

  11. حيرتونا،الزول قال السودانيين ناس كويسين(شهادة مجردة ما ليها علاقة بالحكومة ولا السياسة)تقولوا لا نحن ما كويسين . عشان الكيزان عملوا وناس البشير فعلوا وناس فلان تركوا .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..