السياسة بين الإحباط وفن الممكن

السياسة بين الإحباط وفن الممكن
عبدالله مكاوي
[email protected]
ريد
بما أن السياسة وسيلة لتحسين شروط حياة المواطنين وذلك باستخدام السياسي لقدراته علي إنتاج الأفكار والبرامج و تسخير ملكاته لإقناع الجماهير والتأثير فيها وتوسل التنظيم السياسي للوصول الي السلطة بعد منافسة الآخرين ومن ثم الإيفاء بوعوده وتعهداته للجماهير وكل ذلك محكوم بالمرحلة الحضارية ودرجة حداثة المجتمع والدولة ونحن في السودان عانينا من صعود وهبوط الأداء السياسي وانتاب الكثيرون الريبة والشك في الفعل السياسي خاصة بعد أن أضاع السياسيون كثيراً من الممكنات والفرص المتاحة.
أكثر ما ميز الفعل السياسي طوال الفترة الماضية طغيان الجانب النظري علي الفعل العملي والتنموي وكثرة التنظير والكلام وقلة المردود علي ارض الواقع وفي إعتقادي السبب الأساسي في ذلك غياب فضاء الحرية الذي يُمكن للتفاعل بين النظرية والتطبيق علي ارض الواقع وذلك لان الواقع يمثل أفضل اختبار لل (النظرية المشروع البرامج) وبلغة العسكر البيان بالعمل وهذا الواقع يؤكد أفضل هذه (النظريات المشاريع البرامج) ويلفظ الأخرى التي لا تستجيب لشروط الواقع الفعلية وبالتالي تعريض صروح هذه(النظريات المشاريع البرامج) لمعاول الواقع لإختبار درجة متانتها ليبقي ما ينفع الناس ويذهب الآخر جفاء وعن طريق هذه الجدلية بين النظرية والتطبيق الفعلي يستمر التطور ونتخلص بالتالي من الورم والإضافات غير المفيدة في الجسم السياسي. وترافق ذلك مع ضعف العقل الحداثي الذي يؤمن بالعلم ويعتمد علي التخطيط ويتميز بالمثابرة والجدية والصبر و من الجانب الآخر تنامي المزاج الرعوي الذي يكره الإنضباط ويتساهل مع القوانين واللوائح ولا يحترم الوقت وكل ذلك افرز واقع سياسي يتميز بالضبابية والسيولة وعدم الواقعية ويميل للخطاب العاطفي والتعبوي الذي يستهوي الجماهير من غير أي إلتزام تجاه الجماهير وغاب عن المشهد الخطاب التثقيفي التنويري العقلاني الذي يتعامل مع الواقع كما هو وليس كما يتمناه و يعامل الجماهير كشركاء وسواعد بناء بعيداً عن الحالة الرقمية(من الرقم) التي مكث فيها المواطن طويلاً ونتيجة لكل ذلك انحسرت مساحات الرضا في نفوس المواطنين تجاه الأداء السياسي والسياسيون بصفة عامة وتزايدت مساحات الشكوك وانعدام الثقة في إمكانيات السياسيين ومقدرتهم علي بناء وطن يوفر لهم حياة كريمة و مما رأكم الإحباطات تحول الفعل السياسي لمهنة لبعض السياسين وفرصة للوجاهة والتميز ومما زاد الطين بلة تحول بعض السياسين من تنظيم الي تنظيم آخر وغالباً في اتجاه السلطة من غير أي مبرر مقنع ولكن من اجل المصالح الذاتية والطموحات الشخصية مما ربط بين الفعل السياسي و الإنتهازية والفساد والشبهات في أذهان كثير من المواطنين وادي لعزوف الكثير منهم عن العمل السياسي ودعمه والاهتمام به، وتم كل ذلك بدلاً عن الممكنات التي اُتيحت للفاعلين السياسين بإشاعت الديمقراطية بصورة فعلية داخل تنظيماتهم لتمكين المصداقية وإزالة التناقض واللبس بين دعوة السلطة المستبدة للديمقراطية وفراغ قلب التنظيمات نفسها من قيم الديمقراطية. ومن الممكنات المتاحة تبني النهج العلمى في بناء برامج مبنية علي معلومات وإحصاءات حقيقية من صلب الواقع ومعرفة الاحتياجات الفعلية للمواطنين والإمكانات المتاحة والطريقة المثلي لتوظيفها بعيداً عن المشاريع الخيالية التي يسبب الفشل في إنجازها إشاعت الإحباط واليأس والروح الإنهزامية التي يصعب جبرها مستقبلياً.
وهنالك جانب هام آخر ساهم مع غياب الحرية في تدني الثقة في الفعل السياسي وهو جانب متعلق بالمكون الحضاري وتفاعل التاريخ والجغرافيا فوجود السودان علي هامش الهامش عالمياً وإقليمياً وتعرضه للاستعمار فترات طويلة الشئ الذي قطع عليه طريق التطور الطبيعي هذا الواقع افرز نخب هشة ومتلقية للأفكار غير منتجة (الاستثناء الشهيد محمود محمد طه) وهي سريعة التأثر ما إن هبت رياح الأيدولوجيا في دول الجوار حتي تلقفتها وتبنتها وسارعت بتطبيقها بكل الوسائل وهي غير محصنة بأفق معرفي يسمح لها باستيعاب كل تعقيدات البيئة السودانية المترعة بالتنوع القبلي والضعف التنموي والتفاوت الشديد بين الحضر والريف ومن غير أي مسوغ أخلاقي إستعانت بالعسكر ليوفر لها الغطاء وبيئة الاستبداد وهي التربة الصالحة لنمو الأيدولوجيا وتُمكنها من السيطرة علي جهاز الدولة لتُكثر فيه الفساد والأيدولوجيا بطبعها مغلقة لا تقبل الحوار إلا مع نفسها ومن الداخل لتتراكم أزماتها وذلك لأن فضاء الحرية يجلب لها النقد الصارم الذي يشكك في مسلماتها وتتداعي بنيتها وتذهب ريحها وذلك ببساطه لأنها أُنتجت في مجتمع مغاير و ظرف تاريخي مختلف بغض النظر عن مصدرها(إسلامية شيوعية قومية) وتحاول أن تفرض رؤاها علي الواقع العنيد لينتج عن ذلك صوره كاريكاتورية محزنة ومزيد من الكوارث والأزمات للمواطن المسكين الذي من شدة مشاكله اليومية يكره السياسة ويلعن السياسين .وخاصةً بعد أن فشلت هذه النخب في الاستفادة من الممكنات المتاحة ومنها المبدئية في العمل السياسي والإخلاص لتداول السلطة ورفض الحكم العسكري والاستبداد وعرض بضاعتهم للمواطن ليختار بكل حرية والتواضع بقبول اختياره من غير تعالي وفرض وصاية عليه.
ومع إيماننا المطلق برفض هذا النظام وعلمنا بأنه من أسوأ الشموليات التي جثمت علي صدر هذا الوطن وبجانب التصدي لهذا النظام ألا توجد ممكنات أخري يمكن إجتراحها بواسطة المعارضة لتحسين شروط حياة المواطن بدلاً عن انتظار سقوط النظام لتقدم له الخدمات . نخطو خطوة الي الأمام لماذا لا نستفيد من كاريزما وتأثير شخصيات لها وزنها في حياتنا السياسية لإنجاز بعض الأعمال حتي لو كان طابعها غير سياسي (ولا يعنى ذلك الغفلة عن مضايقات الأجهزة الأمنية لكل فعل تقوم به المعارضة) مثل أن تشارك شخصية بقامة السيد الصادق المهدي في حملة لتشجير ام درمان او قيادة حملة لإصحاح البيئة وان يعمل بيديه مع الآخرين وهو عمل لا يستقطب الأنصار وحدهم ولكن كل أبناء أُم درمان وبكل ما تحمله هذه المشاركة من التعاضد والتكاتف والتضامن ونسيان كل الفروقات وبث روح التسامح والتآلف بين كل مكونات المجتمع وتحفيز لروح النفير المتجذرة في ثقافة المجتمع وتقريب الشقة بين المواطن والسياسي وخلق وعي الإهتمام بالمصلحة العامة وايضاً شخص بقامة مولانا محمد عثمان الميرغني لماذا لا يذهب الي الشمالية او كسلا ويقيم مشاريع زراعية وحيوانية حتى لو كانت صغيرة بصورة نموذجية بأسس علمية حتي تكون مثال يحتذي به الآخرون وما تقدمه للمنطقة من منتجات تفيد الأهالى بأسعار مناسبة بكل ما يحمله ذلك من اثر معنوي ايجابي على الفعل السياسي ولماذا لا نستفيد من شخصية بوزن السيد محمد إبراهيم نقد تجد كل الاحترام من الجميع وبحسها الإنساني ليقود حملة من اجل تحسين ظروف الأطفال فاقدي السند وإيجاد مخارج عملية لقضيتهم الحساسة وزيادة الاهتمام بدار العجزة والترفيهم عنهم ودعم القائمون علي أمرهم . ولماذا لا نستفيد من شخصيات قانونية بوزن كمال الجزولي والسيد فاروق ابوعيسي والسيد علي السيد للتصدي لقضية مثل قضية عقود الكهرباء القرقوشية التي أثقلت كاهل المواطن البسيط بفرض رسوم توصيل تقدر ب2 مليون جنيه بالقديم وإيجار عداد شهري 2.5الف جنية بالقديم والأدهي والأمر إذا احضر شخص أعمدة للتوصيل من حر ماله يجبر علي التنازل للهيئة القومية للكهرباء. فالتصدي لمثل هذه القضية يرفع الثقافة القانونية للمواطنين ويربي فيهم روح الدفاع عن حقوقهم ويردع الهيئة التي تتعامل بغير رحمة وبكل الجبروت والأنانية كأنها تتعامل ضد أعدائها. والجانب المهم الآخر هو كسب ثقة المواطن ليدعم وينفذ كل دعاوى السياسيين وخلق حالة من التواصل المبدع بينهما وأخيراً فعلٌ قليل افضل من كلام كثير.