متدينون بلا أخلاق

قبل سنوات وفي إجازتي السنوية في رمضان كنت أذهب سوق أم درمان يومياً وأمام البوستة كانت هناك مكتبات صغيرة قبل إزالتها وفي صاحب مكتبة شاب من أبناء نيالا فكنت أجلس معه وآخد منه بعض الكتب وأتصفح الجرائد اليومية وثم أذهب وكان أمام هذه المكتبة بائعون يفترشوا الأرض ليعرضوا بضاعتهم ومن بينهم كان في رجل كبير في السن يرتدي -عراقي وسديري- دائماً وبضاعته كانت عبارة عن لعب أطفال وبلاستيك متنوع. في يوم جاءت البلدية معظم الباعة حملوا بضاعتهم بسرعة متناهية وهربوا ونجوا جميعهم إلا هذا الرجل لم يتمكن من الهرب وصادروا بضاعته فتألمت للموقف فذهبت للمسؤول فكان وقحا جدا شتم الرجل ورد عليه الشتيمة وضربه وتكالب عليه العمال ورفعوه مع بضاعته .
الذين ضربوا هذا الرجل بما فيهم هذا المسؤول من ملامحهم إنهم صائمون ودخلوا المسجد ليصلوا جماعة. لا يجوز أن نحاسب الناس قبل أن نوفر لهم الحد الأدنى من العدالة.هل هؤلاء الذين ظلموا هذا الرجل وضربوه لا يتطرق إلى تفكيرهم أبدا إن لا تعارض بين عدم الاخلاق وأداء أهم فريضة الصلاة والصيام ؟ مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه).
إن الشعور الدينى الجياش فى السودان حقيقى وصادق لكنه لم يتخذ مساره الصحيح
وهل يوجد من هو أحرص على شعائر الدين من البشير وأسرته وقادة حزب المؤتمر الوطنى الذين نهبوا الشعب السوداني وزوروا إرادته وأفقروه وأذلوه فهم متدينون ويؤدون هذه المشاعر الدينية وهم مرتاحي الضمير
إستقالة وزيرة فى السويد لأنها ملأت خزان وقود سيارتها من أموال الدولة هذه الوزيرة غير متدينة لكن لديها أخلاق
دخلنا المعتقلات ورأينا بجوار غرف التعذيب أو السلخانت توجد مساجد صغيرة يؤدي فيها هؤلاء السلاخون الصلاة في مواقيتها ومواظبون على أداء الصلاة ولا يفوتون وقتاً أبداً وغالبية من رأيتهم على جباههم غرة الصلاة ومن تهذيبهم وأخلاقهم يتوقفون عن تعذيب المعتقلين عندما يسمعون الأذان !!
من يناهضون التعذيب والإعتقالات هي منظمات إنسانية جلهم أو غالبيتهم من غير المتدينيين لكن لديهم أخلاق
عبد الحي يوسف نموذج لشيخ وعالم يمتلك منظمات غير مسجلة منذ سنيين وتتمتع بكافة الإعفاءات الجمركية وتلقى من ورائها ملايين الدولارات وإغتنى وبنى العمارات وأسس قنواته الفضائية والتي يعظ فيها المسلمين فى كل شىء الا فيما يحتاجون اليه حقا الحرية والعدالة وهي جوهر الإسلام.فلم يتكلم عن التعذيب ولا فساد الرئيس وأسرته لأنها معارك ستكلفه الكثير ولا يمانع أن يخوض معركة مع الوزيرة فهذه مريحة وغير مكلفة
أيقونة الإنسانية أنجلينا جولي فنانة أمريكية أنفقت مايقارب 53 مليون دولار للأعمال الخيرية خلال 9 أعوام وتبنت 7 أطفال من مختلف الجنسيات وزارت عدة مخيمات للاجئين
سؤال : كم مرة زار الشيوخ المتدينون أصحاب المنظمات مخيمات دارفور؟ . أنجلينا غير متدينة ولكن لديها أخلاق
هذا الانفصال التام بين العقيدة والسلوك أو الاخلاق ظاهرة انتشرت فى السودان مع بداية حكم المتأسلمين وهناك آلاف وربما ملايين السودانيين يرون في الإسلام الحجاب والنقاب والصيام والصلاة والعمرة والحج. تجد الشخص يمارس كثير من الموبقات بالرغم من انه متدين لكن تدين شكلي ومضار هذا النوع جسيمة على المجتمع لأنه يدفع الناس الى إرتكاب أشياء مشينة بضمير مستريح لأنها لا تخالف ضميرهم الدينى ولا أخلاقهم وهذا يقودنا الى الحقيقة التالية: كما قال أديب عربي
(إن التدين الحقيقي يجب ان يتطابق مع الأخلاق فإن الاخلاق بلا تدين أفضل بكثير من التدين بلا أخلاق)
ياسر عبد الكريم
[email protected]