مقالات سياسية

قريش وبواكير الشعر

لقد عجزت قريش وخلفها العرب قاطبة أن تجد ثغرة تغمز بها قناة الدين، رغم أن الدين الخاتم وكتابه الملهم في دياجير الأخطاء، نظمت حروفه وألفاظه من تلك تلك اللغة التي استقامت لهم، وجرت على ألسنتهم، ولكن في تراكيب لم يألفوها، وأساليب لم يعهدوها، رغم أن العرب هم من شيدوا دعائم هذه اللغة، وبنوا قصرها المنيف، الذي سطع نوره وضياؤه، وأشرق حسنه وبهاؤه، ذلك القصر الذي كان لقريش القدح المعلي في بنائه، فقد تغلبت لهجة قريش على سائر لهجات العرب الأخرى، وأضحت تلك اللهجة هي لغة الشعر التي يتحدث بها فحول الشعراء من جميع القبائل، لأن العرب كانت تشد الرحال إلى مكة وتضرب إليها أكباد الإبل، مكة معقل القريشين التي تنتشر بين طيات جبالها الشامخة، وأراضيها الجرداء، مضارب القوم الذين انحدر من إثلتهم خير من وطئت أقدامه الثرى، يفد إليها الأعراب من كل صقع وواد، لممارسة شعائرهم الدينية الباطلة، أو لتحكيم بهاليل قريش وسادتها في النزاعات أو لإبرام المعاهدات، أو لدفع الأتاوات لسدنة البيت، وفي ذلك يقول حماد الراوية: «إن العرب كانت تعرض شعرها على قريش، فما قبلوه منها كان مقبولاً، وما ردوه منها كان مردوداً؛ فقدم عليهم علقمة بن عبده فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها:

هل ما علمت وما استودعت مكتوم؟

فقالوا هذه سمط الدهر، ثم عاد إليهم العام المقبل فأنشدهم

طحا بك قلب فى الحسان طروب *** بُعيد الشباب عصر حان مشيب

فقالوا: هاتان سمطا الدهر»

الشئ الآخر أن هناك يقيناً راسخاً لا يشوبه شك، ولا تخالطه ريبة، أن المعالم الأولى للنقد تكاد تكون مجهولة لأن النقد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشعر، فإذا كنا لا نلم بميلاد الشعر ترتب على ذلك جهلنا بانطلاقة النقد الأدبي، و«إذا كنا لا نعرف الشعر العربي إلا متقناً محكماً قبيل الإسلام، فإننا لا نعرف النقد إلا في ذلك العهد». إن الشعر الذي أتت بدايته على شاكلة أبيات من السجع يشنف بها الساجع آذان قومه، ثم تطور إلى الرجز الذي مرّ بضروب عديدة من التشذيب والتهذيب، حتى أضحى في أواخر العصر الجاهلي لوحة موشاة تضج ألقاً وضياء، حتماً صاحبته ملاحظات ساذجة في كنهها، يلتقطها المستمع فى يسر، ويقولها دون تعقيد، ويبديها لصاحب الشعر عساه أن يزيل الواغش من شعره، ويبتغي به جانب الكمال، هذه الملاحظات كانت بمثابة النواة الأولى للنقد، ثم نمت وترعرعت فى كنف الشعر حتى بلغت الغاية القصوى من المتانة والإحكام في أواخر العصر الجاهلي، الذي عاش فيه رجال من ذوي البصائر النافذة، والأحلام الجزلة، كالنابغة الذبياني، والنعمان بن المنذر الذي أبدى اعتراضه على بيت مدحه به النابغة، فقد روي أن النابغة الذبياني قال للنعمان بن المنذر:

تراك الأرضُ إما مِتُ خِفّاً *** وتحيا إنْ حييت بها ثقيلا.

فقال النعمان: «هذا بيت إن أنت لم تتبعه بما يوضح معناه كان إلى الهجاء أقرب منه إلى المديح، فأراد ذلك النابغة فاستعصى عليه، وأسقط النابغة في يده حينما رأى أن شيطان الشعر أشاح بوجهه عنه، فطلب من النعمان أن يمهله فأمهله النعمان ليال ثلاث… ، فأتى النابغة زهير بن أبي سلمى فأخبره بما يقض مضجعه، فقال له زهير بعد أن أدخل عليه قبساً من نور التشجيع: دعنا نخرج إلى البرية فإن الشعر بري، فأتبعهم ابن لزهير يقال له كعب، فقال مخاطباً النابغة: يا عم اردفني، فصاح به أبوه متوعداً إياه، فألحّ كعب في الطلب وألحّ زهير بدوره في الرفض، فقال النابغة متضجراً: دع ابن أخي يكون معنا فأردفه، وطفقا يهيمان في البرية وكعب قابعاً خلف والده باسم الثغر، سعيداً لتلك الرحلة التي لم تكن تلوح في خاطره، والشاعران الجليلان يجهدان قريحتيهما ببيت يجلي عنهما غمرة من غمرات الكرب دون جدوى، حتى قال كعب الصغير: فما يمنعك يا عم أن تقول:

وذاك بأن حلْلت العزّ منها *** فتمنع جانبيها أن يزولا

فقال النابغة وقد تنفس الصعداء: جاء بها ورب الكعبة، لسنا والله في شيء. قد جعلت لك يا ابن أخي ما جعل النعمان لي… مائة من العصافير النجائب. فقال كعب: ما كنت لآخذ على شعري صفداً أي مقابلاً و عطاءً.

وطرفة بن العبد الذي عاب على المسيب بن علس نعته البعير بنعوت النياق، وذلك عندما سمع وهو حدث لم يبلغ بعد مبالغ الرجال المسيب يقول في وصف جمله:

وقد أتناسى الهم عند احتضاره *** بناج عليه الصّيْعرية مُكْدم

فضحك منه وقال: استنوق الجمل. أي أصبح كالناقة يوصف بأوصافها، لأن الصّيْعرية صفة للنوق لا للفحول.

وأم جندب التي تنازع زوجها امرئ القيس وعلقمة الفحل الشاعرية وحكّماها فقالت لهما:«قولا شعراً على روي واحد وقافية واحدة تصفان فيه الخيل، فأنشد امرؤ الخيل قصيدته التي مطلعها:«خليلي مرا بي على أم جندب» حتى قال في الخيل:

فللسوط ألهوب، وللساق درة *** وللزجر منه وقع أخرج مهذب

وأنشد علقمة قصيدته «ذهبت من الهجران في كل مذهب» حتى قال في الخيل:

فأدركهن ثانياً من عنانه *** يمرُّ كمر الرائح المتحلب

ولما فرغا قالت أم جندب: «علقمة أشعر لأن فرسه كريم لا يحوج إلى الضرب، أما امرؤ القيس فقد أجهد فرسه وضربها بالسوط». وهناك بعض القصائد جيدة الحبك، مليحة الديباجة يركن إليها العرب، ولا تنفك ألسنتهم ترددها بنغم، وتجترها في سعادة، مثل تلك القصيدة التي نظمها سويد بن أبي كاهل اليشكري التي مطلعها:

بسطت رابعة الحبل لنا** فوصلنا الحبل منها ما اتسع

فسموها اليتيمة، لأن ليس لها أخت تنازعها الجمال وتضاهيها في حسن السبك، وطلاوة الألفاظ، وعذوبة الموسيقى.

وكذلك قصيدة حسان بن ثابت رضي الله عنه التي سموها البتارة التي مطلعها:

لله درعصابة نادمتهم *** يوماً بخلق في الزمان الأول

ودعوها البتارة التي بترت المدائح.

ومن ذلك النوع القصائد التي اضطرب ذكرها في الأرجاء، والتي سميت بالمعلقات والسموط لأن العرب كانوا يجلونها ويحتفون بها أيما احتفاء و«كثيراً ما كانت العرب تلقب الشعراء، وتلقب المدائح تنويهاً بها وإعظاماً لها، وإيماناً بأنها جيدة فريدة؛ لقبوا النمر بن تولب بالكيّس لحسن شعره، وسموا طفيل الغنوي طفيل الخيل لشدة وصفه إياها».

ونستطيع على ضوء ما تقدم أن نحدد ثلاثة أنواع للنقد تبرز واضحة في هذه الإتجاهات:

«الأول عام يقسم الشعراء إلى مدارس رئيسة كمدرستي الصنعة والطبع، والثاني خاص يفاضل بين الشعراء بالموازنة بين محاسن شعرهم وعيوبه، والثالث جزئي يتناول ألفاظاً أو معاني بعينها ويبين نصيبها من الصحة والخطأ على حسب العرف اللغوي أو المألوف الاجتماعي».

ولعل هذه الأمثلة والشواهد هي التي جعلت الناقد المصري الراحل الأستاذ طه أحمد إبراهيم يقر بأنها تدل على وجود صور من صور النقد الأدبي في العصر الجاهلي، رغم أنه نسب بعضها إلى القرن الثالث بعد أن دونت العلوم، ودرس المنطق، وعُرِفْ شيء من رسوم البلاغة، وهو القول الذي لم ينضجه بحث، أو تصاحبه روية، فنجده يقول في سفره القيم: «على أن هناك ما لعله أعمق فى تلك الشواهد، وأبلغ في الدلالة على وجود هذا النقد، فقد نستطيع أن نقول إن الشعر في أواخر العصر الجاهلي كاد يكون فناً يدرس ويتلقى، وتوجد فيه مذاهب أدبية مختلفة».

ونجد أن النقاد المعاصرين ينظرون بكل حيف وشطط إلى تلك اللوحات البديعة التي لا مساغ للشك بأنها لم تكن مجرد أحكام عامة غير معللة، أو لمحات خاطفة، أو خواطر بديهية ساذجة تنبع من ذوق بدائي، ولكنها كانت أحكاماً تصدر عن علم راسخ بالقريض، ومعرفة تامة بالروي، ولن ندرك حقيقة ذلك إلا إذا تخلينا عن انطباعنا المسبق، وأوغلنا في البحث، وأمعنا في التنقيب بهمة لا تلتفت إلى صخب النقاد الذين يجردون الجاهليين من كل مكرمة، وينزعون عنهم كل فضل.

د.الطيب النقر

تعليق واحد

  1. 😎 اريد ان اسجل اعجابي بالدكتوركوز النقر الذي لا يصيبه الكلل او الملل من محاولات تضليل المسلم الطقوسي بقصص و اكليشهات مثل ؛

    ” لقد عجزت قريش وخلفها العرب قاطبة أن تجد ثغرة تغمز بها قناة الدين، رغم أن الدين الخاتم وكتابه الملهم في دياجير الأخطاء، نظمت حروفه وألفاظه من تلك تلك اللغة التي استقامت لهم، وجرت على ألسنتهم، ولكن في تراكيب لم يألفوها، وأساليب لم يعهدوها، رغم أن العرب هم من شيدوا دعائم هذه اللغة، وبنوا قصرها المنيف، الذي سطع نوره وضياؤه، وأشرق حسنه وبهاؤه، ذلك القصر الذي كان لقريش القدح المعلي في بنائه، فقد تغلبت لهجة قريش على سائر لهجات العرب الأخرى، وأضحت تلك اللهجة هي لغة الشعر التي يتحدث بها فحول الشعراء من جميع القبائل، لأن العرب كانت تشد الرحال إلى مكة وتضرب إليها أكباد الإبل، مكة معقل القريشين التي تنتشر بين طيات جبالها الشامخة، وأراضيها الجرداء، مضارب القوم الذين انحدر من إثلتهم خير من وطئت أقدامه الثرى”😳😳😳😳

    الدكتوركوز النقر يعرف تماما ان المسلم الطقوسي لن يشك لحظة في صحة جمل مليئة بالمحسنات اللغوية و كلمات الإيمان التي لا يجب الشك فيها او تمحيصها لكن هيهات فقد اسبغت علينا الشبكة العنكبوتية من كتابات الدارسين الاكاديميين الصادقين و المتجردين من كل صنوف المعارف و لن يحتاج اي منا لتجشم العناء للوصول لكنب مصادر الاسلام السفر الي أمدرمان الإسلامية 😳🙃

    عرب مكة يهزمون مؤلف القرآن

    كامل النجار
    كل أتباع الأديان يعتقدون أن كتبهم المقدسة هي كلام إله السماء، حتى حمورابي كان يعتقد أن قوانينه التي كانت متقدمة جداً بمقاييس ذلك الزمن والتي سنها قبل الميلاد قد أوحاها له إله السماء. وكان المسيحيون حتى بداية القرن الثامن عشر يعتقدون أن الإنجيل هو كلام الله الذي نطق به ابنه يسوع. ولكن مع بداية عصر التنوير ووضع الإنجيل تحت مجهر العلم الحديث اقتنع غالبية دارسي الإنجيل بأنه مجهود بشري بحت. المسلمون ما زالوا خارج عصر التنوير وما فتئوا يعتقدون أن كل حرف في القرآن قد نطق به الله عن طريق جبريل. وهم بالطبع مخطئون، وقد أثبت ذلك عرب مكة عندما جادلوا محمداً. عرب مكة في تلك الأيام كانوا على علم بأنبياء بني إسرائيل ومعجزاتهم، وكذلك على علم بعيسى بن مريم ومعجزاته العديدة. وعندما ظهر بينهم محمد بن عبد الله وزعم أنه رسول الله لم يصدقوه لأنه لم يأت لهم بأي معجزة. وقد دار بينهم وبين محمد جدال على مدى سنوات طويلة حاولوا فيها حمل محمد على أن يطلب من ربه إنزال معجزة كما أنزل للأنبياء السابقين، وظل محمد يتهرب من إظهار المعجزة. ونستطيع أن نتابع هذا الجدال في سور القرآن بعد أن نرتبها بالتسلسل الزمني الذي أقره الجامع الأزهر لأن مصحف عثمان مرتب حسب طول السور ولا يعطينا أي فكرة عن ترتيب النزول.
    أول سورة تحدثت عن المعجزات كانت سورة القمر المكية، وترتيبها 37 حسب التسلسل الزمني. قال لهم محمد في تلك السورة (اقتربت الساعة وانشق القمر. وإن يروا آيةً يعرضوا ويقولوا سحرٌ مستمر) (القمر 1-2). ولأن محمداً لم يأت بأي معجزة، حاول أن يوهم العرب بأن معجزته هي انشقاق القمر، رغم أن العرب وقتها لم يروا انشقاق القمر. ولأنه كان يعرف أن القمر لم ينشق، قال للأعراب (وإن يروا آيةً يعرضوا ويقولوا سحرٌ مستمر). وهم فعلاً كانوا قد نعتوا محمداً بالساحر.
    ثم أتى بسورة الأعراف المكية وترتيبها 39، فقال (وإلى ثمودٍ أخاهم صالحاً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينةٌ من ربكم هذه ناقة الله لكم آيةً فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) (الأعراف 73). وبالطبع عرب مكة لم يكونوا قد شاهدوا ناقة صالح ليعرفوا إن كانت المعجزة حقيقية أم لا. وربما شككوا في تلك المعجزة وطالبوا بمعجزة يشاهدونها هم وليس الأقوام السابقة، فأتاهم محمد بآية في نفس السورة تحكي عن قوم فرعون الذين قالوا لموسى (وقالوا مهما تأتينا به من آيةٍ لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين) (الأعراف 132). وكان هدف محمد هو القول لعرب مكة: حتى إن جئتكم بآيةٍ فلن تصدقوا، فما الفائدة من الآية. وحتى يؤكد لهم ذلك الادعاء أتى بآية أخرى في نفس السورة عن موسى وبني إسرائيل، فقال (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كلَ آيةٍ لا يؤمنون بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) (الأعراف 146). فمحمد يقول لهم إن الله سوف يصرف قلوب المتكبرين عن آياته ولن يصدقوها، وهو ما سوف يحدث لعرب مكة نفس الشيء، أي أن الله سوف يصرف قلبوبهم عن الآيات الربانية. ولكن ما زال عرب مكة يطلبون منه أن يأتي لهم بمعجزة، فأتاهم بآية في سورة ياسين المكية، وترتيبها 46، تقول (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين (يسن 46). وعرب مكة لم تأتهم آية واحدة لتقنعهم أن محمداً مرسلٌ من إله السماء، فكيف يقول عنهم إنهم يعرضون عن كل آيات الله؟
    وعندما فشل في إقناعهم بتلك المعجزات التي حدثت في أقوام آخرين، حاول أن يخوفهم، فأتى بآية في سورة الفرقان المكية، وترتيبها 42، تقول (وقوم نوحٍ لما كذبوا الرسلَ أغرقناهم وجعلناهم للناس آيةً واعتدنا للظالمين عذاباً أليما) (الفرقان 37). وواضح أن هذه الآية بها أخطاء. فقوم نوح لم يأتهم أي رسل غير نوح نفسه، فهم لم يكذبوا الرسل، ثم أنه أغرق كل الناس والحيوانات ما عدا نوح وبعض أهله وبعض الحيوانات. فكيف يكون غرق كل الناس آيةً للناس ولم يكن هناك من الناس من بشهدها غير نوح وأولاده وأزواجهم؟ ولكن، على أي حال، حتى هذا التخويف بالغرق لم يقنع عرب مكة وظلوا يطالبونه بمعجزة تثبت أنه رسول، فأتاهم بسورة الشعراء المكية، وترتيبها 47، فقال (تلك آيات الكتاب المبين. لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين. إن نشأ ننزل عليهم من السماء آيةً فظلت أعناقهم لها خاضعين) (الشعراء 4). فهاهو إله السماء يحاول أن يطمئن محمداً فيقول له لا تقتل نفسك لكي يكونوا مؤمنين، فلو شئنا لأنزلنا عليهم آيةً من السماء فتظل أعناقهم لها خاضعين. ولكن هذا الكلام لم يطمئن محمداً البتة فحاول مرة أخرى خداع عرب مكة بأن حكى لهم قصة شعيب مع قومه عندما كذبوه وطلبوا منه أن ينزل عليهم كِسفاً من السماء (فاسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين) (الشعراء 187). وبالطبع شعيب لم يستطع أن ينزل عليهم كسفاً من السماء مما شجع عرب مكة في مطالبتهم محمداً أن ينزل عليهم آيةً من السماء، فلم يستطع محمد أن يفعل أكثر من الاعتذار فقال لهم في سورة الإسراء المكية، وترتيبها 50 (وما منعنا أن نرسل الآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) (الإسراء 59). فهاهو إله القرآن يقول لعرب مكة إنه كان يمكن أن ينزل لهم معجزة من السماء ولكن الشيء الذي منعه من ذلك هو أن الناس السابقين قد كذبوا المعجزات ولم تقنعهم بالإيمان، وهو على كل حال يرسل المعجزات للتخويف فقط. يقول لهم هذا رغم أنه أعطى موسى من المعجزات عشرةً أو يزيد، ومع ذلك لم يقتنع بنو إسرائيل وعبدوا العجل. ثم أرسل عيسى وأعطاه من المعجزات ما لم يعط رسولاً قبله، وجعله يُحيي الموتى ويُشفي الأعمى والأبرص. ولكن عندما جاء الدور على محمد زعم رب القرآن أنه لم ينزل له معجزة لأن الذين سبقوه قد كذبوا بالمعجزات.
    ولما كثر إلحاح عرب مكة في طلب المعجزة، قال لهم محمد على لسان رب السماء، في نفس سورة الإسراء إن القرآن هو المعجزة الكبرى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. ولقد صرّفنا للناس في هذا القرآن من كل مثلٍ فأبى أكثر الناس إلا كفورا. وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجّر لنا من الأرض ينبوعاً. أو تكون لك جنةٌ من نخيل وعنبٍ فتفجّر الأنهارَ خلالها تفجيرا. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كِسفاً أو تأتي بالله والملائكةَ قبيلا (الإسراء 88-92). فهاهم عرب مكة يمتحنون صدق محمد في إنزال المعجزات وتهديده لهم بإسقاط جزءٍ من السماء عليهم، أو كما يقول الإنكليز They called his bluff فقالوا له دعك من هذا الكلام واسقط علينا كِسفاً من السماء أو آتي لنا بالله والملائكة لنكلمهم. وطبعاً أُسقط في يد محمد ولم يفعل شيئاً: لا أتاهم بمعجزة ولا أسقط عليهم كسفاً من السماء ولا أتاهم برب السماء وملائكته ليحاوروهم
    وبعد فترة من الزمن جاءهم بسورة يونس المكية، وترتيبها 51، فقال لهم (ويقولون لولا أُنزل عليه آيةٌ من ربه فقل إنما الغيبُ لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) (يونس 20). الأعراب تحدوه أن ينزل عليهم معجزة من الله، فقال لهم علم الغيب عند الله فانتظروا وأنا معكم من المنتظرين. وعندما طال انتظارهم للمعجزة، قال لهم في آخر سورة يونس (ولو جاءتهم كل آيةٍ حتى يروا العذاب الأليم) (يونس 97). ويبدو أن محمداً أو الذين كتبوا القرآن قد اسقطوا كلمتين من الآية التي يجب أن تقول (ولو جاءتهم كل آية لن يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم). أي بمعنى آخر عجز محمد عن الاتيان بمعجزة كبقية الرسل وزعم أن أمر الغيب عند الله ولا يستطيع هو تحديد متى تنزل المعجزة.
    ولما كثر عليه طلب المعجزة جاءهم بسورة الأنعام وترتيبها 55، فقال لهم (وقالوا لولا نُزّل عليه آيهٌ من ربه قل إن الله قادرٌ على أن ينزل آيةً ولكن أكثرهم لا يعلمون) (الأنعام 37). وطبعاً هذه حجة العاجز. عرب مكة كانوا يعلمون أن رب السماء قادرٌ على أنزال المعجزات كما أنزلها على الرسل السابقين، ولذلك طلبوا من محمد أن يأتيهم بالمعجزات، فكان رد محمد “إن الله قادر أن ينزل المعجزات لكن أكثرهم لا يعلمون”. وهذا أبعد شيء عن الحقيقة، ولكنه منطق العاجز
    ثم حاول التوكيد لهم في نفس السورة، فقال (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) (الأنعام 109). عرب مكة أقسموا له إذا أتاهم بمعجزة فسوف يؤمنون، فماذا كان رده؟ قال لهم ما هو الضمان أنكم سوف تؤمنون إذا نزلت المعجزة؟
    ولما أكدوا له أنهم سوف يؤمنون، قال لهم في نفس السورة (وإذا جاءتهم آيةٌ قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغارٌ عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) (الأنعام 124). محمد هنا حاول أن يستبق الأحداث وقال لهم حتى إذا جاءتكم المعجزة فلن تؤمنوا وسوف تقولون لا بد أن يكون لمحمد معجزات مثل نزول المن والسلوى أو إحياء الموتى. ثم تبع ذلك القول بالتهديد أن الله سوف يصيبهم بعذاب شديد. أما كان الأسهل أن يُنزل لهم رب السماء المعجزة التي طلبوها ليختبرهم ويعرف إذا كانوا سوف يؤمنون كما أقسموا أم لا؟
    وبعد غيبة طويلة أتى خلالها محمد بسورتين أو أكثر، رجع إلى موضوع المعجزات وحاول أن يقنع عرب مكة بقصص الأقوام التي سبقتهم، فقال لهم في سورة سبأ المكية، ورقمها 58 (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نحسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء إن في ذلك لآيةٌ لكل عبدٍ منيب) (سبأ 9). رجع محمد إلى التهديد بخسف الأرض أو إسقاط كسفٍ من السماء على مكة. وبالطبع لم يزحزح هذا التهديد أعراب مكة لأنهم كانوا قد طلبوا منه أن يُسقط عليهم كسفاً من السماء ولم يفعل
    وبعد أن أتى محمد بأربع أو خمس سور إضافية في مكة، رجع مرة أخرى إلى التسويف فيما يخص المعجزات، وقال لهم في سورة الزخرف، ورقمها 63 (ولقد أرسلنا موسى إلى فرعون وملائه فقال إني رسول رب العالمين. فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون. وما نريهم من آيةٍ إلا هي أكبر من اختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون) (الزخرف 46-48). وربما تناسى محمد هنا أن عرب مكة كانوا على علم بموسى ومعجزاته ولذلك طلبوا من محمد أن يأتيهم بمعجزة من معجزات موسى، ولكنه بدل ذلك قال لهم إن الله كل ما أعطى قوم فرعون معجزة، كانت أكبر من التي سبقتها، وأخيراً أذاقهم العذاب الأليم. فلماذا لم يُنزل على عرب مكة ولا معجزة واحدة صغيرة، ناهيك عن تكرار المعجزات التي تزيد حجماً.
    وبعد غيبة طويلة أخرى، أتاهم محمد بسورة الأنبياء المكية، ورقمها 73، فقال لهم عن مريم وابنها عيسى (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وجعلناها وابنها آيةً للعالمين) (الأنبياء 91). وإذا تغاضينا عن لغة النفخ هذه، نجد أن عرب مكة كانوا يعرفون مريم وعيسى كما يعرفون أبناءهم، وكانت صورة مريم وعيسى على جدار الكعبة، فما الفائدة من ذكرهما في هذه السورة وجعلهما آيةً للعالمين؟
    مرة أخرى تجاهل محمد موضوع المعجزة وأنزل أكثر من عشر سور مكية قبل أن يرجع للموضوع مرة أخرى في سورة العنكبوت، وترتيبها 87، فقال لهم (وقالوا لولا أُنزل عليه آياتٌ من ربه قل إنما الآياتُ عند الله وإنما أنا نذيرٌ مبين) (العنكبوت 50). هل أضاف محمد شيئاً جديداً؟ الأعراب طلبوا منه معجزة فقال لهم إنما الآيات من عند الله، كأنهم لم يكونوا يعرفون هذه البديهة.
    صمت محمد بعد ذلك عن موضوع المعجزات حتى انتقل إلى المدينة وأتى بسورة البقرة، وترتيبها 87، وقال فيها عن أهل الكتاب (اليهود) الذين طلبوا معجزة، كما قال عن أهل مكة: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آيةٌ كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون) (البقرة 118). الإجابة الوحيدة التي يعرفها محمد هي اتهام هؤلاء الناس بالجهل لعدم معرفتهم أن الله قد أنزل الآيات على قوم يوقنون قد سبقوا قوم محمد. وهؤلاء الذين طلبوا منه المعجزة في المدينة هم اليهود الذين بدأ رسولهم موسى بالمعجزات واحتكرها بعده أنبياء بني إسرائيل لأكثر من ألف عام. ومع ذلك يقول عنهم (الذين لا يعلمون)، ثم يقول عنهم في السور اللاحقة (واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وأهل الذكر هم اليهود.
    وعندما لم يقتنع اليهود بهذه الآية، أتاهم بآية أخرى في نفس سورة البقرة، تقول (ولئن آتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آيةٍ ما تبعوك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين) (البقرة 145). أي منطق هذا؟ يقول لو أتيت أهل الكتاب بكل معجزة ممكنة لما اتبعوك أو اتبعوا قبلتك. لماذا لا ينزل لهم الآيات ليرى إن كانوا سوف يتبعونه أم لا؟ والحقيقة، طبعاً، هي أنه كان عاجزاً عن الاتيان بأي معجزة، فحاول اللف والدوران والرجوع إلى التاريخ عله يساعده في إقناع هؤلاء المشككين.
    وبعد صمتٍ عن المعجزات قد يصل إلى ثلاث سنوات أو يزيد، رجع محمد إلى موضوع المعجزات وقال لأهل المدينة في نفس سورة البقرة (أو كالذي مر على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلنك آيةً للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) (البقرة 259). وكما هو معلوم فإن الغرض من المعجزة هو إقناع المشاهدين بصدق نبوة الشخص الذي يمتلك تلك المعجزة. فلا بد من الشهود كي تعمل المعجزة. ولكن المثال الذي ضربه محمد في قرآن يفتقد لذلك العامل المهم. فالرجل الذي أماته الله مائة عام كان في قرية مهجورة ليس بها أحد، ثم أنه أماته مائة عام، وهذا يعني أن الناس المعاصرين لذلك الرجل قد ماتوا جميعاً وعفا عليهم الدهر، وعندما أحياه الله مع حماره لم يكن هناك شهود على ذلك، فما فائدة هذه المعجزة؟ ألم يكن أفيد لو أنزل لهم معجزةً في المدينة يشهدها جميع الناس؟
    وفي واقعة متكررة في القرآن، جاء محمد بآية مكية في سورة مدنية أتت بعد الهجرة، ألا وهي سورة الأنفال التي أتت بعد موقعة بدر الكبرى، وترتيبها في النزول 89، أي بعد سورة البقرة مباشرةً. هذه الآية المكية تبين نفوذ صبر عرب مكة على محمد وتهربه من الاتيان بالمعجزة، فتركوا محمداً وخاطبوا إله السماء شخصياً فقالوا له (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) (الأنفال 32). وبعد هذا التحدي لرب القرآن كان لابد لمحمد أن يأتي بشيء مقنع، فقال لهم في نفس السورة المدنية هذه، على لسان الله (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) (الأنفال 33). فإذا كان الله لا يريد أن ينزل على أهل مكة كِسفاً من السماء ومحمد فيهم، لماذا لم ينزله بعد أن هاجر محمد إلى المدينة وأتى بهذه السورة؟ والعذر الذي لا يمكن أن يقبله عقل هو قوله (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون). كيف يستغفرون وهم ضحكوا على محمد واتهموه بأنه شاعر مجنون وأنه يعيد عليهم أساطير الأولين؟
    وبعد غيبةٍ أخرى لم يقتنع أثناها أهل الكتاب بمعجزات محمد، أتى لهم بسورة الرعد، وترتيبها 96، فقال لهم (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آيةٌ من ربه إنما أنت منذرٌ ولكل قومٍ هادٍ) (الرعد 7). ولا أعلم لماذا يصر محمد على تكرار مثل هذه الآيات التي لا تجيب على الطلب الذي من أجله نزلت الآية. يسأل اليهود: لماذا لا يأتي محمد بآيةٍ كبقية الرسل، فيقول له الله (إنما أنت منذر ولكل قومٍ هادٍ). ألم يكن بقية الرسل منذرين ومع ذلك أعطاهم الكثير من الآيات؟
    أعتقد أن أي إنسان يقرأ هذا التسلسل التاريخي لتهرب محمد من الاتيان بمعجزة كبقية الرسل لا بد أن يقتنع أن محمداً لم يكن مرسلاً من إله في السماء، وأن قرآنه لا يمت بأي صلة لإله في السماء وإنما هو صناعة بشرية أجادها محمد بمساعدة بعض اليهود والنصارى، الذين هم فرقة يهودية قبلت بعيسى ولكن أدخلت بعض تعاليم اليهودية مع تعاليم المسيحية، وجاءت بخليط سماه عرب ما قبل الإسلام “النصرانية” وهي تختلف عن المسيحية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..