يا الشتتوك .. !!

زهير السراج

* حكى مرة صديقنا الساخر عبدالماجد عبد القادر فى مقال قديم بطيّبة الذكر صحيفة (الرأى الآخر) التى كان لها شنة ورنة فى النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى، قصة الرباطابى الذى ركب قطار حلفا الخرطوم ليلا وكان يحمل شنطة حديد والدنيا ظلام فوضع الشنطة بدون ان يرى فوق مواطن جنوبى كان راقدا فوق أرضية القطر، فصاح الجنوبى غاضبا، فحمل الرباطابى الشنطة ووضعها فى مكان آخر، ومرة أخرى صاح الجنوبى غاضبا لأن الرباطابى وضع الشنطة فوقه بدون أن يراه، وتكرر نفس الموقف مرة ثالثة، وهنا صاح فيه الرباطابى:”يا زول أنت شتتوك؟”

* وربط عبدالماجد القصة الطريفة ببعض المتنفذين فى الدولة الذين (يتشتتون) بين عدة مؤسسات وإدارات ولا يكتفون بإدارة مؤسساتهم أو إداراتهم أو وزاراتهم فقط، وكأن البلد لم تنجب غيرهم، وهى ظاهرة منتشرة بشكل كثيف فى أروقة الدولة، وارتبطت بشكل خاص بنظام الانقاذ، فتجد الكثير من الاشخاص المتنفذين يجمعون بين عضوية المنصب الحكومى الرسمى والعديد من مجالس الادارات بالاضافة الى المنصب الحزبى وعدة مناصب فى اندية الكرة ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الشعبية الأخرى، ولا أدرى والله من أين يأتون بكل هذا الوقت وهذه الطاقة ؟!

* وبعض هؤلاء يظن ان الله قد وضع فيه الحكمة وحده دون غيره من خلق الله، ويتصرف على هذا الأساس، يدير مؤسسته او وزاراته كأنها مملكة خاصة له، هو من يأمر وينهى، ومن يقترح ويوصى، ومن يفتى ويقطع، ويسأل ويجيب .. إلخ، ولا يسمح لاحد سواه ان يشاركه السلطة والنفوذ بل والحديث أو حتى مص اللقيمات المغموسة فى الشاى باللبن بعد صلاة المغرب !!

* والبعض لا يشبع بمنصب الوزير فقط، بل يهيمن على مناصب الوزارة بالكامل، فتجده يشغل منصب وزير الدولة والوكيل ونائب الوكيل والمدراء ورؤساء الأقسام .. الى آخر قائمة الوظائف !!

* وعندما يكون هذا الوزير السيوبرمان موجودا بالوزارة فهو وحده الذى يقرر ويمضى ويختم .. ويمنح ويمنع، وبسبب هذه السوبرمانية العجيبة يتعطل دولاب العمل عدة ايام أو اسابيع وأحيانا شهور، لأنه ليس بمقدور شخص واحد أن يفعل كل شئ، فما بالك إذا كان عضوا فى عدة مجالس إدارات بالاضافة الى منصبه الحزبى والمناصب الأخرى التى يتشرف بتحمل أعبائها، أما إذا غاب هذا السيوبرمان، فالعمل يتوقف بالكامل لانه لا يسمح لأحد بأن يفعل شيئا فى غيابه !!

* هذه الحكمة الربانية الحصرية ليست وقفا على الوزراء فقط، فالكثير من المدراء ورؤساء الأقسام والباشكتبة وحتى السكرتيرات وموظفى الإستقبال يعتقدون أن الحكمة ملك حر لهم وحدهم فقط ويتصرفون على هذا الأساس !!

* بعض السكرتيرات عندما يغبن او يتغيبن عن العمل لأى سبب من الأسباب، يأخذن مفاتيح الأدراج معهن، ولأن البيه المدير الولهان لا يثق فى سكرتيرة غير سكرتيرته المخلصة، فهو لا يشغل نفسه كثيرا بهذه الأدراج المغلقة وتعطل دولاب العمل، بل وفى كثير من الأحيان يتضامن مع سكرتيرته ويشاطرها الغياب حتى يقيض الله لسيادتها العودة ظافرة مظفرة، فيظهر المدير أخيرا وهو يكابد الشوق وآلام الفراق !!

* أنظر حولك، ستجد الكثير جدا من هذه الشخصيات (المشتتة)، غفير مركب مكنة مدير، ومدير مركب مكنة وزير، ووزير مركب مكنة والى، ووالى مركب مكنة رئيس جمهورية، وربما تكون أنت نفسك مركب مكنة 12 بستم وحارق جاز وحارق دمك ودم خلق الله، ونصيحتى لك .. حاول تتلمَ شوية، وأراهن أنك لن تنجح لانك تعودت على التشتت فى وطن المتشتتين ولا تستطيع العيش بدون أن تتشتت..!!

* ولكن لا بد ان تعلم أنه سيأتى يوم بالتأكيد، وتفاجأ بأن مكنتك سيَحت، ولا يمكن تعميرها، فتتحول انت وهى الى حديد خردة .. مجرد حديد خردة، وهو يوم تظنه بعيدا بينما هو أقرب إليك من حبل الوريد !!

الجريدة
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الشتيت بجيب الشراتيت بلفة الراندوك و لهم فيها منافع مادية فقط و ف اعتقادي نتيجتة الاخري والاهم للنظام تماسكة وحمايتة ومنع عيون المتلصصون كشف بؤر فسادهم يعني زي برنامج حماية الشهود الامريكي امن النظام وحفظ اسرارة والله اعلم

  2. عدت للوطن وهالني ما يجرى فيه هذا التشتت والذى هى حكر على أعضاء الموتمر الوطنى، ولا تندهش عندما يمر بك شخص يحمل عدة وظائف وزير ، وريس مجلس إدارة وعضو الفلان الفلالى الخ. ووالرواتب من وراء هذه الوظائف وكذلك الظروف المليء لابجنيهات عقب كل اجتماع ، منتهى الفساد، لم ارى طيله حياتى ثلاثون عاما فى خارج السودان، لابد من وقفة لوضع كل شىء فى مكانه والغاء كل اللجان والتى لا تعمل سواء تعطيل العمل ، شىء عجيب وانتهازية فاسدة.
    ابتنى الصغرى والمولودة خارج الوطن سألتني مان كان والدها انضم للموتمر الوطنى عندما رأت والدها كثير الخروج، حيث ارتبط بذهننا ان أعضاء الموتمر يسكنون شاشات التلفاز ويظهرون فى يوم واحد فى اكثر من مكان.

  3. يا أستاذ لو ضربت مثلا لكل فقرة و ما أكثرهم اذا لم يكون كل العصابة هكذا وكمان بالعكس و كثيرا الرئيس يشتت ويتخذ قرارات رئيس قسم وهلم جرا
    و بعدين ما الشعب كله مشتت و خصوصا بالخارج لا قادرين يعيشوا جوه ولا برة وخصوصا اللاجئين عايزين يعيشوا فى الغرب وفى نفس الوقت بالبلد، بيت هنا و بيت بالبلد و كذلك السيارة و و و و و
    وانا وانت صرنا خردة من زمان و الإنقاذ لوحدها أخذت 27 سنة مننا تقول مشتتين

  4. الالم يكون اكبر عندما ترى المثقفون والمتعلمون يسقطون في وحل العنصرية والمصيبة دون ان يدرون. ما قيمة سرد قصة عبدالباقي لمقالك؟

  5. ياخي ديل ياابو الزهور نزع من وجوههم الحياء.. فلا حياء ولا حياة لمن تنادي..”وان لم تستح فافعل ما شئت” صدق رسولنا الكريم..ياخي ديل مش يتشتتوا .. ديل يتشتتوا ويتحللواو…..و…. لكن ال بحلهم من حساب ربنا منو..أنا شخصيا وصلت لقناعة بالطريقة دي.اقصد المعارضة والبشرية -وأنا واحد منهم- ال شايفة دي ما أظن “ننحل” منهم.. غايتو يحلها ال شربكا…ســــــــــــــــــــلام..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..