(سامي).. رفيق الشهيد محمد كامل (ماكس).. بعد عودته من رحلة استشفاء نفسي قاهرة

صديقة مقربة فتحت لنا باب الذهاب إلى العلاج النفسي، وكحال السودانيين يرون أنه من العيب أن تعترف بأنه لديك مشكلة نفسية، وأن تذهب إلى طبيب معالج نفسي، … بعد بداية جلسات العلاج النفسي أجهشت بالبكاء لأول مرة. من شاف تجارب الناس هانت عليه تجربته، الآن أصبح بمقدوري النوم ويمكن أن أواصل حياتى بشكل جيد نوعًا ما
(سامي).. رفيق الشهيد محمد كامل (ماكس)
بعد عودته من رحلة استشفاء نفسي قاهرة..
* سامي: رفض (ماكس) إجراء العملية وفكرة أن يبقى (6) أشهر طريحًا للفراش، ومعتقدًا أنها تعطله عن الحراك الثوري والدراسة
* قرأت خبر استشهاد وأنا في حفل لعقد الجلاد..
* صديقة مقربة فتحت لنا باب الذهاب لتلقي العلاج النفسي
تاريخ 26 يوليو 2022 له ذكرى مؤلمة لدى أصدقاء الشهيد محمد كامل الملقب بـ”ماكس”، في هذا التاريخ كانت القوات الأمنية تواجه الثوار كعادتها بالقمع المفرط باستخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والدهس بالتاتشرات، في مواجهة ثوار رافضين للاستبداد والحكم العسكرى. الشهيد ماكس إبن الـ16 عامًا باغتته رصاصات العساكر واخترقت جسده ليرحل شهيدًا وشاهدًا على جرائم الانقلابيين ضد المدنيين والثوار، ما يحدث لا يمكن وصفه فقط بأنه قمع مفرط، بل عمليات قتل وحشي ممنهج بأيادي لا تعرف الله ولا الوطن، رحل ماكس وبكى الآلاف عليه..
الجريدة ـ مآب الميرغني
رصاصة في العنق
الشهيد ماكس ذلك الشاب الصغير الهادئ المفعم بالنشاط والحيوية صاحب الابتسامة والقلب الطيب والذي تتجسد فيه روح الوطنية الوثابة بمواقفه ورباطة جأشه في قضايا الوطن، كرس حياته للشارع وكان شعلة متقدة تلهب الحراك الثورى و منذ انطلاقة شرارة الثورة. وكان بين رفاقه زعيم ثوري يستمدون منه القوة ورباطة الجأش.
حينما سقط
ماكس شهيدًا.. لم يجد رفقائه الثوار سوى العبارات والمشاعر الأليمة عبر صفحته الخاصة على الفيسبوك والتي تحولت إلى منبر لنعي الشهيد فتفجرت براكين الحزن برحيله المبكر وألتهبت مشاعر الغضب على النظام الانقلابي الذي خطف صديقهم من أمام أعينهم.
أن تكون صديقًا لشهيد
” أن تسمع خبراً مفجعاً يخصُ شخصاً قريباً جدًا، فإن أول شيء ما تقوم به هو الإنكار اللا إرادي فتبدو وكأنك في مرحلة اللاواعي وترفض تصديق النبأ الأليم وتستبعد حدوثه ومن ثم تبدأ بالعودة تدريجيًا لتستوعب حقيقة ما سمعته أو قرأته، هذا ما إبتدر به الصديق المقرب للشهيد ماكس سامي الشيخ حامد، حكايته الحزينة. الجلوس معه لم يكن هينا، عيناه الحزينتان تدلان على أن خلفها قصص مؤلمة ومرهقة، ورغم الصدمة التي يشعر بها عند تطلب منه أن يروي لنا قصة الشهيد ماكس كما عاشها، حينها تبدى الأسى والحزن الذي سيطر بشدة على قلب ولسان الصديق سامي أحد أشد المقربين للشهيد، في هذه اللحظة ظهر عليه الألم وهو يريد أن يروى قصة معاناة فراق صديقه الشهيد.
تلقي الخبر
وصف (سامي) استشهاد محمد كامل ماكس بأنها فاجعة كبيرة و تجربة قاسية جدًا عاشها، ويمضي: الفترة الأخيرة التي سبقت استشهاده شهدت تقارب بيننا أكثر من فترة التعارف التي لم تكمل عامها واستشهد فيها ماكس، ومضى سامي، وفاة ماكس تسببت في هِزة كبيرة في حياتي، فهو من أقرب الأقربين لي في فترة حياته الأخيرة. تعرفت عليه في مستشفى (وعد) وقتها كان مصاب في موكب بـ(سكسك)، كان التعارف في البدء كأبناء منطقة، زاد التقارب بعدها لأننه لم يكن أحد بقربه، كان صغير في عمره ولكن كبير في عقله، بعدها قُررت له عملية استخلاص سكسك من الرئة ولم يخضع لإجراء العملية إلى أن استشهد، وأضاف: آخر لقاء بيننا كان قبل يومين من الاستشهاد في صينية الروسى (سراج سابقًا)، لم يذهب إلى إجراء العملية رغم رغبته بشكل دائم على اجرائها وكان يرفض فكرة أن يبقى 6 أشهر طريحًا للفراش الأبيض لذلك أبعد تفكيره من العملية اعتقادًا بأنها تعطله من الحراك الثوري والدراسة.
ومضى (سامي): كانت ليلة عادية من أيام حياتي، عندها ذهبت إلى الحفل الجماهيري لـ” عقد الجلاد”، وفي أثناء الفاصل وأنا اتصفح هاتفي إذ تظهر صورة الشهيد ماكس ونبأ استشهاده مع دعوات له بالرحمة والمغفرة تحسرت في أعماقي وانا اشاهد صورته التي وسمت في ذاكرتي بوشم لا يمكن إزالته طيلة فترة حياتي، أذكرها جيدًا كأننى أقراها الآن من جديد. ومضى بالقول: بعد الرجوع إلى أم بدة السبيل في برفقة الأصدقاء من الحي، أثناء الدردشة تحدثوا عن استشهاد (ماكس) وبدأ الحديث عن الذهاب إلى استلام الجثمان من المشرحة و ترتيبات الدفن، وبعد الوصول إلى المشرحة ثم إلى المنزل بدأت استوعب قليلًا وفاة ماكس.
تشييع مهيب
مساء الـ 26 يوليو شيعت مدينة أم درمان أحد أبنائها وتروسها في موكب مهيب، صعدت روح (ماكس) وهو برفقة رفقائه الذين كانوا معه في موكب غير معلن (غنجة) رداً على اغتيال (غيمة) الذي سبقه بأيام، اغتالته السلطات الأمنية الثائر بعد إصابته برصاصة في الوجه بالقرب من الفم حسب بيان لجنة الأطباء المركزية. وفي 11 نوفمبر دشنت لجان أحياء أم بده السبيل شارع الشهيد محمد كامل (ماكس) المحافظ سابقًا.
الذاكرة تفرض نفسها
وتابع في روايته: هتاف (ديسمبر يا غالي علينا، قلنا الخلاص.. قلنا أبينا، رص العساكر.. سقط نظامكم، ثورة ديسمبر يا خالدة فينا) ما زال يتعبه نفسيًا عند كل مرة يستمع إليه، يذكره بالشهيد (ماكس)، وإن فيديو إصابة محمد كامل (ماكس) لم يذهب من الذاكرة في كل لحظة أطلع عليه وكأن أول مرة أشاهده، وأنا أشاهده بصورة متكررة يوميًا، بدأت أعاني من تفكير زائد وأرق نفسى كبير، أصبح التعامل مع الأسرة والأصدقاء بحدة و غضب سريع، وبعد بداية جلسات العلاج النفسي أجهشت بالبكاء لأول مرة. من شاف تجارب الناس هانت عليه تجربته، الآن أصبح بمقدوري النوم ويمكن أن أواصل حياتى بشكل جيد نوعًا ما.
رحلة العلاج
وقتها لم أستطع التعبير عن مدى الحزن الذي تملكني لمعرفتي الوطيدة بالشهيد (ماكس)، بعدها حالتي تدهورت يومًا بعد يوم، صديقة مقربة فتحت لنا باب الذهاب إلى العلاج النفسي، وكحال السودانيين يرون أنه من العيب أن تعترف بأنه لديك مشكلة نفسية، وأن تذهب إلى طبيب معالج نفسي، بعد ذلك جاءت مبادرة (ساي كير) وبدأت العلاج معهم بثلاثة جلسات في الأسبوع، وما زالت في مركز أم درمان الثقافي. وللأسف: ما زالت السلطات الانقلابية تمارس الجريمة ذاتها، ولا جديد سوى التطوير في أداء استخدام العنف والارتكاب الذي يتعاظم من قبل العساكر، والضحايا هم ذاتهم (الثوار) والمجرم هو ذاته حتى بعد إسقاط النظام المخلوع، يسفك الدماء ولكن جرائمه موثقة كما جرح أمهات الشهداء موثقه في فؤادنا..
الجريدة



