المدخل الإنساني لا يكفي لتعبيد طريق السلام في السودان

تشكل المفاوضات غير المباشرة الجارية في جنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فرصة لتعبيد الطريق أمام التسوية، لكنها من وجهة نظر الكثير من السودانيين غير كافية بمفردها حيث أن هناك حاجة إلى تضافر جملة من العوامل والحوافز للوصول إلى هدف السلام المنشود.
الخرطوم – يراهن المجتمع الدولي مجددا على البعد الإنساني كمدخل لتفكيك تعقيدات الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عام، بعد أن حاول منبر جدة اتخاذ الأوضاع الصعبة للمدنيين في الأيام الأولى للحرب سبيلا للوصول إلى اتفاق يُفضي إلى وقف إطلاق النار.
وترعى الأمم المتحدة اجتماعات في جنيف للتوصل إلى تفاهمات بشأن القضايا الإنسانية الملحة وسبل إنهاء الصراع.
وأدى التشويش الذي مارسه وفد الجيش السوداني ومراوغته في حضور اجتماعات جنيف إلى التقليل من أهمية الجولة التي ترعاها الأمم المتحدة وعولت عليها لتحقيق اختراق من الباب الإنساني.
واتخذ الجيش موقفا مغايرا لما أعلنه قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي أبدى تحفظات على هذه الجولة، ووافقت حكومته رسميا على المشاركة في المداولات استجابة لمبادرة الممثل الشخصي للأمين العام رمطان لعمامرة، بعد أن تغيب وفد الجيش عن اجتماعات يومي الخميس والجمعة.
وتم تبرير التغيّب عن المشاركة في الاجتماعات بعدم وجود أجندة واضحة تحدد تفاصيلها، وبعد أن عطل الجيش عملية التفاوض تراجع عن ذلك وقبل به.
وأراد البرهان من التمسك بمنبر جدة الذي انسحب منه تقزيم التحركات الأخرى، ومن بينها تحرك الأمم المتحدة، ما يعني أن الوصول إلى اتفاق إنساني أمر صعب، وسيظل رهينة لحجم الضغوط الدولية التي أجبرت الجيش على تغيير موقفه سريعا.
وجاءت العودة إلى عقد الاجتماعات لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية مدفوعة بتحولات، أبرزها تزايد الضغوط من المواطنين المتضررين من الحرب على الجيش، وتوالي الانتقادات الخارجية التي حمّلت الطرفين المتصارعين مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الإنسانية التي وصلت إلى حد المجاعة في بعض المناطق.
كما أن حالة الإنهاك التي ظهر عليها الجيش مؤخرا وفقدان العديد من المناطق في جنوب شرق السودان، واقتراب قوات الدعم السريع من شرق البلاد وتهديدها مقر الحكم الجديد، قد تدفع إلى اتفاق للاستفادة من تهدئة قد تترتب عليه.
ويقول مراقبون إن الأزمة تتمثل في وجود ميليشيات محسوبة على جماعات مسلحة وتيارات متشددة داخل الجيش لها الكلمة العليا في اتخاذ القرار العسكري والسياسي.
ويشكل تحرك الأمم المتحدة إنسانيا في السودان عاملاً إضافيًا قد يساعد على التوصل إلى تهدئة اضطرارية، حال رغب الطرفان في كسب ثقة أطراف دولية لها مصلحة في وقف الحرب ومنح فرصة لإدخال المساعدات.
وما يُصعب مهمة التوصل إلى اتفاق يساهم في تفكيك تعقيدات الصراع أن القوى المدنية الفاعلة في المشهد السوداني ليست لديها قدرة على الالتفاف حول خارطة طريق يمكن تطبيقها على الأرض، وهناك استقطاب حاد يسيطر عليها، وحال جرى تسهيل مهمة دخول المساعدات قد لا تنعكس تداعياته السياسية على وقف الصراع.
وقال عضو تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) اللواء كمال إسماعيل إن إيجابية اجتماعات جنيف غير المباشرة تأتي من تأسيسها لإجراءات بناء الثقة بين الطرفين، وذلك من شأنه إزالة عقبات على طريق خطوات وقف إطلاق النار، وإن العودة إلى المدخل الإنساني هي أمر جيد، فالطرفان يصعب أن يقف أحدهما ضدها.
وأضاف إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن إفشال مساعي توصيل المساعدات بحجة وجود أطراف أخرى دخلت على خط الصراع دليل على تخريبها والالتفاف على ما قد يصدر من قرارات في نهاية اجتماعات جنيف، وأي اتفاق يمكن الوصول إليه يجب أن يكون مقترنًا برقابة دولية على تنفيذه للتأكد من هوية الطرف الذي يعرقل وصول المساعدات.
وأشار إلى أن وجود رقابة دولية وإقليمية ترافق مسارات العمل الإنساني ضمانة لنجاح ما سيتم التوصل إليه، مع إشراك الضباط المحالين على المعاش في خطط توصيل المساعدات باعتبارهم الأكثر خبرة بالطبيعة الجغرافية وقبولهم من أطراف مجتمعية مسألة مهمة أيضا، ونجاح المفاوضات الجارية في جنيف بات مرهونا بالوصول إلى وقف إطلاق نار إنساني، يمتد ليصبح وقفًا شاملاً.
وأوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن المناقشات مستمرة بصيغ مختلفة وفي أماكن مختلفة، “المهم هو أن نبقى على تواصل مع الوفدين. الوضع الإنساني في السودان يتدهور كل يوم ويؤثر على المدنيين بشكل مروع. لا نستطيع الوصول إلى الكثير من الناس المحتاجين إلى المساعدة”.
ورصد تقرير مدعوم من الأمم المتحدة أن حوالي 25 مليون سوداني يحتاجون إلى مساعدات غذائية، أي ما يعادل أكثر من نصف السكان، وفي استجابة للحاجات المتزايدة أنشأ متطوعون مطابخ جماعية لتوزيع وجبات في مناطق القتال بدعم من منظمات دولية، لكن لا تغطي كل المحتاجين، وتتمركز في العاصمة الخرطوم وأجزاء من ولاية الجزيرة.
وأكد المحلل السياسي السوداني عبدالمنعم أبوإدريس أن الملف الإنساني هو الأكثر إلحاحا، ويلعب عامل الزمن دورا كبيرا في زيادة أو خفض المعاناة، وأصبح الطرفان يتفاعلان معه، لكنه لن يحل الأزمة المعقدة، ويمكن أن تفتح المفاوضات الباب لوصول المساعدات إلى المواطنين، وتصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، غير أن ذلك جزء بسيط من الصراع، خاصة أن الهدنات التي جرى التوصل إليها سابقا لم تصمد سوى ساعات قليلة.
ولفت أبوإدريس في تصريح لـ”العرب” إلى أنه في حال الوصول إلى وقف إطلاق نار إنساني وصموده عدة أيام، يمكن أن يشكل مدخلاً إيجابيًا، ومع ذلك فإن الوضع الراهن يصعب معه التنبؤ بإمكانية نجاح ذلك أو فشله، والأوضاع تحتاج إلى اختبار عملي على الأرض للتأكد من مدى قدرة القيادة في كل طرف على السيطرة على عناصرها.
وشدد المحلل السوداني على أن المسار السياسي مازال بعيدا عن الإنساني، لكن إذا استطاع العاملون في المجال الثاني الضغط على المجتمع الدولي والقوى المتصارعة ونشر الأرقام الخاصة بالمآسي يمكن أن تفلح مفاوضات جنيف في حلحلة الجمود الحالي.
وتشكك دوائر سودانية في أرقام الأمم المتحدة، فهناك مناطق لم تصل إليها المنظمات الإغاثية ولم تدخلها مساعدات إنسانية، كما أن المفاوضات الجارية في جنيف من المتوقع أن تستغرق وقتًا طويلاً للوصول إلى اتفاق وربما لا تصل، وهو الخيار الأقرب وفقًا للمعطيات السياسية والعسكرية الراهنة.
العرب