بين الجبل والقاش(1)

د. السموءل محمد عثمان
أخيراً وصلت التعزيزات الأمنية لمدينة كسلا ، وأن تأتي متأخراً خير من أن لاتأتي أبداً لتقف تلك الفوضى ، التي استمرت خلال الفترة السابقة تحت مرأى اللجنة الأمنية يكسلا التي مارست التثأوب كثيراً ، ليأتي تعاملها بطيئاً مع تلك الأحداث التي سيطرت على الحياة في المدينة ، ولم يكن هناك من سبب لاستمرار تلك
الفوضى إلا إذا صادف وصف الحكومة بالضعف هوى عندها .
كثيراً مايربط الناس بين الديمقراطية والفوضى ، وماحدث في كسلا إمعاناً في الفوضى وليس له علاقة بحرية التعبير ، ولكنها كانت محاولات لزرع الفتنة بين المكونات الاجتماعية ، لذلك كان حسمها مبكراً هو المجدي ، والذين يفهمون الديمقراطية بصورة خاطئة ، ويعملون على إثارة الفوضى باسم الحرية ، ويطالبون الحكومة بحماية الفوضى باسم الديمقراطية هم الذين يصفون الحكومة بالضعف .
ارتبطت هذه الفوضى بفترات الديمقراطية دوماً ، ولا نجدها في فترات الحكم العسكري لأن واحدة من أهم أغراض هذه الأحداث هي وأد الديمقراطية .
ماحدث في كسلا كان بمثابة إعادة عقارب الساعة للوراء ، فمن أهداف ثورة ديسمبر المجيدة هي نبذ القبلية والعنصرية ، بعد أن اكتوى بها الناس طويلاً بعد أن تم أيقاظها عبر النظام البائد ، وكانت سمة من سمات الحكم في العهد البائد ، تم على ضوءها توزيع المناصب والتسهيلات لأناس دون الأخرين ، تلك القبلية هزمت بها خبرات وشهادات علمية رفيعة .
صحيح كانت هناك بعض المناوشات بين المكونات القبلية للولاية حول المراعي وحول الأرض في فترات متباعدة ،حال كل القبائل في كل بقعة في الأرض ، تكون في مستوى معين ويتم السيطرة عليها ، ولم تصل لدرجة تهدد تماسك النسيج الاجتماعي بين مكونات الولاية المختلفة .
بدأت الفوضى في كسلا وعدم الحسم المبكر للفوضى ، قاد للتمادي الذي كاد أن يؤدي لحرق الولاية بأكملها .
لتعلم الحكومة أن الحريات لاتتاح بهذه الصورة ، وكل هذا كان القصد منه اظهار الحكومة بالضعف ، والربط بين المدنية والفوضى والعبث ، والذي حدث في كسلا كان مثار الدهشة لسكان كسلا قبل أهل الولايات الأخرى، لأن مجتمع كسلا كان مثالاً للسلام الاجتماعي ، ولم يشهد يوماً نعرات قبلية وعنصرية ، ولم ترتبط كسلا في أذهان الناس إلا بالجمال والخضرة وجبالها الشامخة وسواقيها وطيبة أهلها وكرمهم .
مجتمع كسلا دوماً فاتحاً ذراعيه لكل الناس ، فهناك كثير من موظفي الحكومة والإداريين الذين حملتهم تنقلات العمل إلى كسلا ، فانصهروا في مجتمع كسلا وبعد تقاعدهم للمعاش استمرت حياتهم في كسلا ، وأصبحوا جزءاً من كسلا.
توجد في كسلا قبائل مختلفة من جميع مناطق السودان.إلا أن الناس في كسلا
تناسوا قبائلهم وأصبحت لهم قبيلة واحدة هي كسلا، ولم تعرف كسلا إلا بسماحتها وطيبتها وعاش الناس فيها في سلام ومحبة يميزهم ترابطهم الاجتماعي ، عاش أهلها طوال هذه السنوات بكل هدوء . وصار تعدد مكونات كسلا الاجتماعية من قبائل مختلفة محمدة فأصبحت كسلا من أهم المدن التي تعتبر غنية بالسياحة التراثية والفولكوية لاختلاف تلك المكونات في العادات والتقاليد .
كسلا ملهمة عصافير الخريف في موسم الشوق الحلو لن تجد فيها نار الفتن والقبلية موضعاً بإذن الله ، فكسلا كانت دوما حاضرة في ذاكرة الوطن ،و كانت حضوراً في كل الاشراقات . وحضوراً أنيقاً في كل أوجه الحياة السودانية ، و رافداً مهماً وحيوياً في كل أوجه الابداع في بلادي،وفي كل أوجه الثقافة ، وستظل دوماً مدينة ذات سحر خاص ، تجمع بين عبقرية المكان وعبقرية الإنسان .
د. السموءل محمد عثمان
[email protected]
إقتباس:
“فمن أهداف ثورة ديسمبر المجيدة هي نبذ القبلية والعنصرية”
إذا كان ذلك كذلك فلماذا فتحت الحكومة الإنتقالية باب المحاصصات الجهوية و القبلية و ضيعت فرصة إختيار أحسن الكفاءات بتضييق النطاق و تكليف نفسها ما لا طاقة و إلمام لها به في أخطر مرحلة لتأسيس الديمقراطية و العبور بأهداف الثورة. لقد بادرت الحكومة بالفوضى و خالفت للوثيقة الدستورية بتعيين بعض الوزراء و الولاة عديمي الكفاءة و زادت على ذلك بتعيين واليين لولايتين متجاورتين من مكون قبلي واحد.