خيار أم خير وبيضة أم كتيتي

قبل الاعلان رسميا عن قرارات رفع الدعم وتعويم الجنيه وتحرير دولار الدواء بمدة ليست طويلة ، أذكر أن وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي المعروف عبد الرحيم حمدي في إفادة له لأحد البرامج التلفازية كان قد ألقى بـ(بيضة أم كتيتي) في وجه الحكومة، وذلك حين خيرها بين تحرير سعر صرف الدولار أو مواجهة ثورة الجياع، وكان هذا الخيار الذي تبنته الحكومة من بعد ، هو بالضبط ما يقول عنه أهلنا في الجزيرة (خيار أم خير لا هو خير ولا الموت أخير)، وهو عند أهلنا في دارفور خيار من يعثر على بيضة أم كتيتي (أكان شالها كتلت أبوه وأكان خلاها كتلت أمه)، وتقول عنه بنات أم درمان (كدا ووب وكدا ووب) ويا له من خيار، وعلى كل حال ورغم أن هذا الخيار كان يحمل تحذيرا من ثورة جياع حال عدم تبنيه ، الا أنه أيضا يظل يحمل ذات التحذير في حال لم يحل شيئا بعد تبنيه ، الأمر الذي يبقي فرضية ثورة الجياع قائمة في كلتا الحالتين ، وقد سمعت مرة المفكر الجيوإستراتيجي المرحوم أبوالقاسم حاج حمد يقول إن التغيير القادم سيقوده العطالى والمرضى والزهاجى والفقراء والجوعى وأصحاب الغبائن والمظالم وأهل الحقوق المضاعة..
وحكاية الغنماية مع الكلب تظل عندي الأكثر تصويراً لثورة الجياع وتعبيراً عنها، والحكاية تقص عن غنماية منزلية كانت كلما شرعت في تناول بقايا الطعام التي يلقي بها السكان في الكوشة المجاورة تربّص بها أحد الكلاب وهجم عليها، فتضطر للهرب من أمامه مفسحة له الكوشة بما فيها وتبقى بعيداً ترقب بغيظ الكلب وهو يستأثر بمحتويات الكوشة لوحده، ومن المؤكد أنها كانت تلعنه سراً وعلانية بابن الكلب، وذات يوم يبدو أن الغنماية كانت جائعة جداً وكافرة جداً، أوَلا َيقولون إن الجوع كافر، وألم يُنسب لسيدنا ابي ذر الغفاري انه قال (عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه)، وألم يقل شيخنا العبيد ود ريا (مافي دين بدون عجين)، إذن كان لابد للغنماية في ذلك اليوم أن تسكت قرقرة بطنها الخاوية وتطفئ لسعة الجوع الحارقة بأية وسيلة ومهما كلف الثمن، حتى لو طلع لها أسد وليس كلب، فتوكلت على الحي الدائم واقتحمت الكوشة غير هيّابة أو مبالية هذه المرة، وكالعادة غمغم الكلب وكرَّ عليها ولكنها لم تفر ولم تلقِ له بالاً، غاظته هذه الجرأة فعلا صوته بالهوهوة، ولا جديد، زاد غيظه فحاول أن يكر عليها بقوة حتى تفر كالمعتاد، ولكن خاب ظنه وطاشت كرّته حيث كان هو الذي فرَّ هذه المرة بعد أن حملت عليه الغنماية في كرّة مرتدة وكأنها أسد هصور، ففر الكلب وهو مذعور إلى مسافة كافية تمكنه من الفرار مجدداً إذا عاودت الكرة، ووقف يلتقط أنفاسه ونظر باستغراب ودهشة ناحية الغنماية وأطلق سؤاله الذي سارت بذكره الركبان وصار مثلاً (الغنماية دي جنّت ولاّ شنو )؟ ?

الصحافة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..