استفيقوا !! فقد بدأ تنفيذ هدف الخطاب قبله ونشط محموماً بعده

بسم الله الرحمن الرحيم

آن لنا أن نكتفي من التندر والملاحظات الجادة علي شكل الخطاب الذي ألقاه رئيس النظام وحزبه .. فقد كان مهما للتعبير عن سخرية الشعب السوداني منهما وعزلة النظام وحزبه عن نبض الشارع . وعلينا بعد هذا الدخول إلي جوهره .
ولا بد في البداية من إزجاء التحية لمولانا سيف الدولة لاعتباره الانشغال بالخطاب تعبيرا عن ضعفنا وتقصيرنا والدكتور القراي في نقده لمحاور الخطاب بصورة مباشرة وعلمية . وأراني متفقاً مع الاثنين فيما قالا .
إذاً لا نكتشف العجلة إن قلنا أن الصراع القادم في حال زوال النظام أو علي أسوأ الفروض فقدانه لانفراده بالتحكم في مفاصل الدولة ..سيكون بين التيارات المستغلة للدين كواجهة سياسية مثل قبائل الأخوان بكافة تسمياتهم والبيتين الطائفيين والسلفيين من جهة ومكونات الجبهة الثورية والتيارات العلمانية والليبراليين ورافضي الطائفية والإخوان من جهة أخرى . فقد أدي فشل مشروع دولة الإخوان المسلمين إلى سحب البساط من تحت أقدام الأيديولوجيين الاسلامويين الذين شرعنوا لانقلابهم علي الحكومة الديمقراطية التي كان يسيطر عليها الطائفيون باعتبارهم الأكثر قدرة علي تنفيذ وتبني الإسلام السياسي ودولته وأنهم الأصدق والأكثر كفاءة كونهم نشأوا في مناطق الوعي والاستنارة ولا تحكمهم الأطماع التي لدى الطائفيين . بيد أن حسابات الحقل والبيدر كانت مختلفة ففشلوا مما اضطرهم مع قلة كوادرهم إلي الاستعانة بالطرق الصوفية والقبلية لتوسيع دائرة تأييدهم . إضافة إلي فسادهم الذي ازكم الأنوف فانكشفوا للشعب علي حقيقتهم . فعادوا إلي التقرب إلي البيتين الكبيرين في الطائفية واللذان يتبعان معهم سياسة الباب الموارب . إلا إن الأمور اختلفت وعاد البيتان إلي اللعب علي الحبلين مع الحكومة والمعارضة .
وعلينا ألا نغفل العاملين الإقليمي والدولي ..فما كُشف في السودان من فشل الإخوان.. أُضيف إليه فشلٌ مدوٍ آخر في موطن الفكرة الإخوانية مصر ..ويصرف النظر عن رأينا الطريقة التي ازيحوا بها عن السلطة .. إلا أن سياساتهم وممارساتهم لم تكن مختلفة . وسوء حظهم وعدم استمرارهم في مصر عكس السودان .. لأن لمصر دولة بهوية معروفة منذ دولة محمد علي باشا الحديثة لم يرض المصريون المساس بها ..في حين أن جدل الهوية ما زال محتدماً في السودان . وهكذا صارت مخرجات ما سمي بالربيع العربي في غير صالحهم كما ظنوا وتخوف الجميع في البداية . إضافة إلي مواقف دول الخليج العربي خاصة السعودية والإمارات في دعم مناهضيهم بعد تقربهم إلي إيران . وهي مواقف تلامس الموقف الغربي أو تتبادل الأدوار معه .
ومخطئ من يظن أن فشل المشروع هو فشل أخواني صرف . بل تأكيد لفشل كل التيارات التي تضع الدين عنوانا لدولة لم يوجد لها نموذج وفق شكل الدولة الحديثة
.وقد كان حديث غندور في تقديم البشير مهماً ..حيث لفت إلي أن الخطاب نتاج المراجعات التي تمت منذ يونيو الماضي .وهو نفس التاريخ الذي انهارت فيه تجربة الإخوان في مصر وتحريك الأحداث ضدهم في تونس واختلاط الأوراق في سوريا بعد ان ظنوا أنهم قاب قوسين أو أدني من السيطرة ..لذلك فإن الخطاب الذي قدم قد وضع محتواه بعناية ومهد له كذلك خاصة بعد الانشقاقات التي تلت هبة سبتمبر المجيدة .. ليس بالضرورة خوفاً علي الوطن .. ولكن خوفاً علي أفول نجم الإسلام السياسي .
كل ما سبق يجعلني مقتنعاً بالكامل أن البرنامج كان نتاجاً لمشاورات مع جميع التيارات الدينية بصورة مباشرة في شكل حوارات . أو غير مباشرة باستقراء أدبياتهم ومبادراتهم . بدليل حضور الترابي بأركان حزبه لأول مرة وغازي والمهدي وابن الميرغني ممثلاً له . فالمصائب تجمعن المصابينا كما قال الشاعر . وقد كان لافتاً كذلك مقاطعة التيارات اليسارية والليبرالية وتسفيههم الخطاب ومخرجاته وعنف نقد الجبهة الثورية .
ولا يتوقف الأمر عند المؤتمر الوطني ولكن حزبي الآمة والاتحادي لهما حساباتهما كذلك كما سنري .
إذاً كيف كان التمهيد ؟ وهل شارك فيه الجميع ؟ وما هي الحسابات الخاصة لكل طرف ؟
المؤتمر الوطني بدأ مشاوراته مع الحزبين بلقاءات مباشرة مع ابن الميرغني الذي حضر فجأة .. وبعد الاجتماع كان الحديث عن مبادرة الميرغني التي ولدت استجابة للظروف السابق ذكرها . وسوق المؤتمر الوطني الآمر في سياق شعار التحاور المرفوع .ولئن كانت حسابات الوطني معروفة ..فالاتحادي كذلك لا يأمن وضعه نتيجة ضعف بنائه الحزبي ووضع مرشده ورئيسه صاحب الفيتو الأوحد .
أما حزب الآمة فمع برنامجه المعروف للحوار فله حسابات أخري . فالجبهة الثورية تعمل في مناطق نفوذه الأساسية . وأي انتصار لها ونجاح في اسقاط النظام يعني مزيداً من التآكل من مؤيدي حزبه التقليديين .وفقدانه لأراض كبيرة لذلك لم يكن غريباً ان يسبق هجوم المهدي علي الجبهة الثورية خطاب البشير حتي اضطرت الجبهة الثورية للرد رغم انها تتحاشي السجال معه حفظاً لجميل شراكة قديمة كما قال عرمان في لقاء صحفي سابق .
ونعود للمؤتمر الوطني وحكومته حيث كان التمهيد الأساسي متزامناً في ميدان المعارك وكان ختامه قصف كاودا برمزيتها بعد زمن طويل وتحريك جبهة جنوب النيل الأزرق.
في ظل هذا الهاجس المشترك من الجبهة الثورية لم يكن غريباً ما أتي في الخطاب من ضرورة اتخاذ قرار الحرب جماعياً !!
مما سبق يتضح أن تنفيذ ما جاء في الخطاب بدأ قبله .. فما هو المشهد بعده ؟
لم يسكب حزب الأمة سوي مداد قليل في بيان صغير عن صيغة الخطاب اما موقفه الأساسي فقد ذكره المهدي عندما قال في لقاءات صحفية ان المؤتمر الوطني بدأ يتفهم برنامجه لنظام جديد .
اما المؤتمر الشعبي فقد بدأ الترابي بزيارة غازي وهكذا اكتملت الحلقة . أما حسين خوجلي فلحس كلامه عن اسلامية الحزب الشيوعي واباريق الصلاة في دارهم وتعجب سكرتير الحزب الشيوعي البريطاني ورد عبد الخالق محجوب وقال في برنامجه امس ان قائدي محمد وقائدهم ماركس
وفي جبهة المؤتمر الوطني كان الدفاع عن الخطاب وتسخير الآلة الاعلامية لشرحه وار سال الاشارات المتناقضة عن خطاب آخر وبرنامج تفصيلي.. وتارة اخري عن نفي وجود خطاب آخر وانتظار البرنامج من مساهمات الأحزاب الاخري .
مما سبق يمكن قراء مواقف بقية الاحزاب المقاطعة والجبهة الثورية لوعيهم في اعتقادي بأبعاد المخطط .
لذلك فانني اري ان البرنامج يهدف الي وضع التيارات السياسية في فسطاطين اسلامي وغيرة .وهنا يكمن الصراع ويجب الانتباه له .

معمر حسن محمد نور
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الامر امر استخفاف السودانيين بعضهم البعض وهذه لن تزول الا بتفكيك الدولة السودانية الى دويلات عشائرية ترضى ان تتعايش تحت زعامات محلية قبلية وليس تحت راية نظام مركزى قابض ..السودان تتحكم فية القبلية مهما تدارينا خلف الوعى الديقراطى الغربى وادعيناه ..لن يفوز بروفسير فى دوائر نيابية ان لم يستند الى عشرية وقبيلة نسبة الامية فيها تتجاوز ال90فى المائة لياتى محمولا ليس بعلمه ولكن بجهل قومه

  2. تحليل واعى وملم بكل تفاصيل المشكلة. بالفعل كان لافتا موقف المهدى من الجبهة الثورية حتى قبل خطاب الوثبة الكبرى. المصائب التى جمعة هؤلاء المصابينا نرجو ان تسهم فى فرز الكيمان. الشعب كله وجبهته الثورية وقوى الكذب والاستعلاء والتسلط.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..