مقالات وآراء

ديالكتيك العربة والحصان في الأنظمة الشمولية  !!

د. الفاتح إبراهيم/واشنطن

 

العربة تمثل الوعاء المحتوي على العناصر والعوامل الحيوية، قوةً كامنة تفعِّل التغيير وتطور المجتمع، والحصان يمثل قوة الدفع وديناميكية الحركة والقيادة والتوجه الى الامام .. وهذان باختصار رمزان يمثلان جزءا حيويا من عناصر نهضة الأمم ..

والدولة السودانية يا للعجب بالرغم من مظاهر التخلف والتشظي والتدمير تمتلك وسائل للنهضة من موارد طبيعية وبشرية متنوعة لا تتمتع بجزء ضئيل منها كثير من الأمم ..

اذن ما المشكلة؟

المشكلة تكمن في عدم بروز قيادة من نسيج المجتمع تنتمي اليه بصدق وإخلاص وتمتلك الرؤية والقدرة والإرادة والنزاهة الأخلاقية لتحريك تلك الإمكانات الهامدة وتحويلها الى عناصر موجبة تفجر تلك الطاقات الكامنة وتبثها في واقع الحياة حتى يحدث التفاعل والتغيير .. وهذا ما حدث بالضبط في أمم واجهت نفس المشكلة السودانية مثل ماليزيا ورواندا والآن هما في مصاف الدول المتقدمة.. كيف تغلبت تلك الدول على الازمات؟ إنه بالقيادة والإدارة الراشدة .. وكلاهما اهتم بالوصفة السحرية المتمثلة في إقامة نظام تعليمي صارم لإعداد الكوادر البشرية القادرة على تنفيذ برامج التنمية الطموحة ..

غير ان بلاد السودان ابتليت بالأنظمة الشمولية التي ترى الحلول من خلال رؤيتها الايديولوجية الأحادية الفرعونية : “مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ” (غافر- 29) ..

وأول ما تفعل الأنظمة الشمولية متوهمة ان ذلك يحافظ على بقائها هو التخلص من “الحصان” والاحتفاظ بـ “العربة” !! ويتم ذلك إما بذبح الحصان أو تسريحه فتضطره الظروف الى المنافي والمهاجر حيث تحتضنه دول ومؤسسات لم تدفع جهدا او مالا في تعليميه وتدريبه مهنيا .. الأمثلة كثيرة للخبرات التي تم تشريدها وكان مرجوا منها ان تساهم في بناء الوطن ..

وتقول احدى الاحصائيات ان نظام الإنقاذ على سبيل المثال تخلص من ما يقارب من الـ 700 ألف موظف وخبير من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات ومعلمين وعمال مهرة لتتلقفهم الدول الأخرى .. ومن سخرية القدر ان ذلك يتم تحت شعار صياغة المجتمع وإقامة مجتمع الكفاية والعدل والتنمية .. وهكذا تستمر الانظمة الشمولية في هدر الإمكانات وتهجير العقول لإفساح المجال لأهل الولاء والطاعة غير المؤهلين ..

وتقول الأرقام الإحصائية مثلا إن هناك 20 ألف طبيب سوداني خارج البلاد خمسة آلاف منهم في أيرلندا وحدها ..

وبقية الأطباء السودانيين في الخارج موزعين على دول الخليج العربية والمملكة المتحدة.

ويشهد السودان ظاهرة نزوح الكوادر الطبية نحو الخارج بسبب البيئة الطاردة في القطاع الصحي السوداني، مثل تدني الرواتب إلى ما معدله 100 دولار أميركي شهريا، وانعدام التدريب.

وتفيد أرقام رسمية في الخرطوم بأن حوالي 3 آلاف طبيب سوداني يهاجرون سنويا من البلاد. وقد شمل التهجير والطرد جميع المهن الا ان الحقل الطبي كان له الاثر الفادح في بلد ما زال في حاجة ماسة الى نظام صحي مدعوم بالكوادر المهنية المدربة ..

هكذا تفتقت عبقرية العقلية الدكتاتورية ووجدت الوصفة السحرية للتنمية وتطوير البلاد عن طريق ذبح الحصان والاحتفاظ بالعربة..

هذه باختصار شديد الأسباب والعوامل التي أدت الى هذا الوضع الراهن من انهيار في كل المجالات في بلد حباه الله تعالى بكل ما من شأنه أن يجعله في مصاف الدول المتقدمة..

والآن تعم البلاد ثورة الوعي الشبابية تطالب بالحكم المدني الديمقراطي واحداث التغيير بكنس سيناريوهات الماضي البغيضة  والاستفادة من كل الطاقات في سياق شعارات الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة ..

هل فُهم الدرس أم ما زال هناك من يؤمن بأنه هو وحده وليس غيره “القائد الملهم” الذي في يده “إنقاذ” البلاد من أزمتها ؟.

 

[email protected]

‫7 تعليقات

  1. ((والدولة السودانية يا للعجب بالرغم من مظاهر التخلف والتشظي والتدمير تمتلك وسائل للنهضة من موارد طبيعية وبشرية متنوعة لا تتمتع بجزء ضئيل منها كثير من الأمم ..))؟!
    مقدمة غير دقيقة ولذا ستكون اللنتيجة كذلك أو لن تكون النتيجة هي النتيجة الصحيحة! فالدولة مليئة بالموارد الطبيعية المادية والبشرية ولكن تنقصها كفاءة القيادة في اتخاذ الوسائل الكفيلة بالنهضة!!

  2. أَمَّا ديالكتيك هَذِهِ ،
    فَهيَ قمة الدكترةِ والبلاغه ،
    ورُبَما قمة الحَلْبَسَة الديالكتيكية ،
    على رَأْي مَنْسِى – رحمه الله .

    1. ديالكتيك العربة والحصان مقال جميل وصادق وبليغ يلخص الوضع في السودان.
      شكرا علي هذا المقال الجيد. ديالكتيك العربة والحصان يوضح سوء ادارة الموارد الطبيعية والبشرية واهدار الامكانيات وافغار شعب غني.

      1. شكرا الأخ أحمد محيسي على هذا التعليق الذي يشير بعبارات قليلة موجزة الى المعاني والاهداف البعيدة التي يرمي اليها المقال والتي ربما لم تتسع المساحة على الاسهاب فيها وتفصيلها ربما في مقال آخر.. ومما يسعد الكاتب أن يرى أن ما قاله وجد صدى وفهما صحيحا لدى المتلقي.. ومما يحمد لهذه الصحيفة انها تفرد هذه المساحة للقارئ في حرية ان يتفاعل مع الكاتب ويستفيد الجانبان في تلاقح فكري قل ان يوجد في مطبوعة أخرى.. وتهتم وتشجع كبريات المطبوعات العالمية خاصة في الغرب ظاهرة الحوار والتفاعل هذه (Feedback)
        بين القراء والكاتب من جانب والقراء فيما بينهم من جوانب أخرى..
        وانوه هنا انه ليس بالضرورة ان تتوافق وجهات النظر طالما يتم ذلك في إطار الاحترام المتبادل المنضبط بعيدا عن السخرية والتهكم ومحاولة خدمة اجندة خفية وذلك باستخدام أسماء مستعارة وحسابات وهمية احدى أوجه ظاهرة “الذباب الالكتروني” التي أفرزتها ثورة تكنولوجيا التواصل الاجتماعي.. ولعل أنجع دواء لهذا الداء ومواجهته هو تجاهله تماما لأنه يحمل جذور فنائه في داخله ليذهب جفاءً ويبقى ما ينفع الناس والمجتمع.

  3. ديالكتيك ” أحمد محيسى ” ،
    فى تعليقه على ديالكتيك ” الدكتور ” ،
    بشأن ” ديالكتيك العربه والحصان ” ،
    يتفوق على دياليكتيكيات مَنْسِى – رحمه الله .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..