في بريد قوش.

رسائل الحمام الزاجل.
…….
(اذا اطلت رائحة خيانة الوطن…واذا برزت اعناق المخابرات الدولية…نتعافى من الكورونا…ونملأ الميدان ثباتا وموت)
(اذا ظهرت الايادي العابثة بجيشنا…تحمل فتنتها…ندوس على المرارات…نركل كل الظروف…نموت ويحيا الوطن… هو جيشنا…ونحن ارضية قوته ومظلة حمايته…ذاك جيشك يا حامد…جيش الافذاذ من الرجال).
………
لم تكن الاعوام التي تلت اندلاع الحرب اللعينة في دارفور الا بداية فعلية لملسل جديد من مسلسلات تحور نظام البشير… فمنذ مطلع العام 2003 بات واضحا للعيان ان النظام قد تطور نوعيا في اساليبه ضد الشعب وضد الامن الاقليمي والسلم الدولي…وانه قد تطور فعليا كما طور ادواته في حربه المتقدة ضد الانسانية وحقوقها ثم بدأ يتمرحل في صناعة الموت والدمار وتجريف الارض وفتح اوسع الابواب امام التدخلات الدولية كما جعل البلاد مسرحا عظيما لحرب استخباراتية متقاطعة الدوافع ومتشعبة الاهداف.
انشأ في سبيل ذلك عدة مليشيات كما اطلق ذراع امنه الشعبي ووحدة العمليات بجهاز الامن والتي تتمتع برصيد ممتاز من الانتهاكات الانسانية.
…….
اضحت دارفور وجبال النوبة مسرحا لروسيا والصين وايران… ثم تمدد الصراع ليشمل الانقسنا.. والجيش الذي خاض غمار معارك طاحنة في جنوب السودان انتقل لمعارك اشد ضراوة في ثلاث جبهات اخرى… قبضة النظام ظلت محكمة على المسارات الامنية والسياسية ويده امتدت باطشة بكل الشعب وعابثة بكل مقتنيات ومكتسبات الوطن.
…….
انعقدت للمليشيات المؤيدة للنظام والحركات الدارفورية المناوئة له عدة مؤتمرات داخل البلاد اشهرها مؤتمري حسكنية ومستريحة حيث مهدا لانطلاق اعنف المعارك آنذاك وظهر فيها لأول مرة طيف الشيخ موسى هلال كأول زعيم قبلي في دارفور يعترف به النظام ويضع السلاح في يديه كمؤسس ووالد شرعي لمليشيا حرس الحدود التي باتت تعرف لاحقا باسم الجنجويد وهو مصطلح محلي له عدة تعريفات اهمها انه اختصار لعبارة (جن على ظهر جواد يحمل جيم 3).
…….
بانطلاق مفاوضات ميشاكوس والتي قفزت قفزتها في نيفاشا ظهر غازي صلاح الدين العتباني في مسرح التفاوض لاعبا عروبيا بامتياز رفضته منصة العقيد جون جارانج ليستبدله النظام بعرابه الجديد الخالف للدكتور الترابي علي عثمان محمد طه… مهمة علي واضحة… دولتين عقائديتين اسلامية عروبية في الشمال ومسيحية زنجية في الجنوب.
قال غازي حينها وهو في مطار الخرطوم في اخر عودة له من المفاوضات (السلام جايي جايي بس الناس تكون واعية) ويقصد ان الانفصال قد تم رسم معالمه.
غازي نفسه هو صاحب العبارة الشهيرة في رده على سؤال تلفزيون السودان له عند خروج السيد الصادق في تهتدون (خروج الصادق في هذا التوقيت وبهذه الكيفية يعني ان حربا مستعرة ستنطلق) وذلك في تعليقه على سيناريو وتوقيت خروج الامام لاريتريا.
وفي العام 2004 سئل مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية عن تصريحات الخارجية الامريكية بشأن امكانية التدخل في دارفور لوقف الحرب فكان رده (لو تدخلت امريكا في دارفور عسكريا فسنسحب الجيش ونترك دارفور لاهلها) ويقصد اطلاق يد المليشيات.
…….
في ذلك الوقت كان اللاعب الاساسي في كل السياسات هو الجنرال صلاح عبدالله قوش ذو الرئتين اللتين تكتظان بالنيوكتين…رجل يلفه ضباب دخانه ولا يتنفس الا التبغ الذي ينفثه… اول من مضى في استحداث البدائل للقوات المسلحة واول من عمل على نشر السلاح في ايدي المليشيات واول من ابتدع سياسة تفريغ المخازن الرسمية للدولة من الاسلحة وتوزيعها بجنون على كل الاصابع المخطئة.
لم يدخل الجيش في امتحان قط طوال تاريخه بمثلما حدث ابان فترة الانقاذ حيث لا يزعجه شي في الوجود اكثر من خروج السلاح من بين يديه ووضعه في الايادي العابثة.
كانت معسكرات الجيش تعاني حتى من انعدام التمر والطحنية ووجبة جنديه الباسل هي الويكة بينما يتلاعب صبية التنسيقيات ميزانية الدولة والتي ظهرت واضحة في الفلل الكافورية والشركات الخرطومية.
بعد نيفاشا انهمرت اموال النفط على كل خزائن النظام الا خزينتي بنك السودان ووزارة المالية.
واستحكمت القبضة الامنية.
وازداد تهميش الجيش مقابل تكريس القوة في يد المليشيات.
مهندس هذه اللعبة القذرة هو الجنرال صلاح قوش.
صلاح الذي يدرك ان الجيش في عهد رئاسته هو للامن بلغ درجة ان يضرب بعض ضباطه وتمزق ملابسهم على يد صبية النظام وصعاليكه.
صلاح يعلم تمام العلم ان ضابط اسلامي برتبة نقيب يستطيع مخالفة فريق في الجيش واستبدال تعليماته بتعليمات اخرى.
…….
الجيش الذي يتحدث عنه صلاح ويسعى الان لامتطاء ظهره مرة اخرى رفض الاستحمار ووثب بقوة القاطرات (الالمانية) بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
الجيش الذي يحرض فيه قوش الان اكتسب وجوده الجماهيري حينما صعد رجاله على ظهور الدبابات امتثالا لمفخرة رجاله (حامد) وهو يزأر كما تزأر الاسود (مخالف للتعليمات والرهيفة التنقد).
هذا هو الجيش العظيم يا صلاح.
نرفع له التمام…ونقبض معه على الزناد.
نسترد معه حقوق الشهداء… ونموت مع رجاله كما يموت النخيل.
في شموخ الرجال.
الثورة لم يأتي بها وجدي صالح (الاغلف اللسان) كما تدعي…
ولم يأتي بها السمسار صلاح مناع كما تتحسر.
الثورة اتت بها عزيمة ملايين السمر….الثورة قاطرتها زغرودة كنداكة وقطارها الاتبراوي… مفتاحها في دمازين البواسل ومعركتها العظمى كل شبر في الخرطوم…اسودها القفازة في بري والهصورة في العباسية ونمورها في الثورات وامبدات وجحافلها من عمق مايو… وجاءتك ملايينها من عمقك في كافوري والمنشية وملايينها في الشعبية.
من كل فج عميق هدر هديرها.
من نخلات حلفا…ولغابات ورا تركاكا.
من دارفور الحرة نبيله.
من كل قبيلة على التاكا.
اقسموا وهم يرعدون بهزيم الرعد :
بكل الدم السال يا وطني بنخلف نحنا فداك فداك.
…….
الثورة يا كيشوت تخضبت بدماء الافذاذ من الكنداكات والشفاتة ومتاريسها تقسم ان تسلمك لجيش حامد وانت مبستر في اكياس بلاستيك جثث الكورونا.
حاول ان تغامر يا صلاح…ولن نضطر الجيش ان يخسر فيك قذيفة من (مدفع الدلاقين).
هو جيشنا…ونحن سنده.
…….
يا صلاح :
اليك معلومة :
الثورة ليست قحت… اسألنا نحن الثوار.
…….
يا صلاح :
انت ترى الان عقارب الساعة وهي تنبئك بمؤشرات الوقت.
لكنك لا ترى (التروس).
التروس ذات التكات الخافتة وهي تدير في العقارب.. تكتة تلو تكة…تك…تك…تك.
التروس لا تبارح مكانها.
لا تمل من الاستمرار وهي تتك.
تك…تك….تك.
يزعجك هذا الصوت…
نعم.
انا اعلم.
علاء الدين الدفينة.