بسبب حلم “الجنة” الأوروبية.. قرى مالية تسكنها الأشباح

يعيش كبار السن في قرى مالي النائية وحيدين بعدما غادر أبناؤهم لكسب العيش في المهجر، لكنهم لا يبدون أي أسف على ذلك، فلولا الهجرة “لمتنا من الجوع”، كما يقولون.

في قرية صغيرة واقعة على بعد ستين كيلومترا غرب باماكو لا يزيد عدد سكانها على ألفي نسمة، تكاد الشوارع والمنازل تخلو من الشباب.

ففي كل عائلة “هناك ما لا يقل عن ثلاثة شبان قرروا المغامرة في الهجرة غير الشرعية لتأمين قوت أسرهم”، بحسب ما يقول المزارع عثمان ديارا.

ويتحدث مراسل وكالة فرانس برس من أمام حقل من الذرة عن هذه الظاهرة قائلا “الغالبية الساحقة من السكان يعتاشون من زرع الأرض، وفي نهاية فصل الشتاء لا يبقى للسكان أي شيء يفعلونه”. إزاء ذلك، لا يجد الشباب أمامهم إلا الهجرة بحثا عن عمل.

في مساحة مزروعة بالأشجار، يجلس نائب زعيم القرية موسى ديارا البالغ من العمر 77 عاما على كرسي من الخشب متأملا الدجاج سارحا في الأرض والنساء وهن يعملن، ويقول “سكان القرية يجمعون المال اللازم لمساعدة الشباب على الهجرة، والشهر الماضي مثلا بعنا ثورا وأعطينا الثمن لثلاثة شبان قرروا المغادرة”.

ويضيف “تبدأ رحلة الشباب بالبحث عن عمل في إحدى مدن مالي حيث يعتادون على الحياة الصعبة، ثم يعبرون الساحل أو الصحراء الكبرى إلى ليبيا أو المغرب، ثم إلى أوروبا راكبين البحر، أو إلى سبتة ومليلية، الجيبين الإسبانيين في شمال المغرب”.

وحين يصل الشباب إلى أوروبا “تبدأ سعادتنا هنا، فهم يساعدوننا على مواجهة مشكلاتنا”، بحسب أحد سكان القرية عمر ديارا البالغ من العمر 62 عاما.

على سطح أحد المنازل يرتفع صحن لالتقاط البث التلفزيوني الفضائي، ويجلس صاحب المنزل سيكا ديارا متحدثا لمراسل فرانس برس “لي ابن هاجر إلى إسبانيا، إنه يعيش مغامرة، هو من يرسل لنا المال، بفضله حصلنا على هذا الصحن اللاقط”.

وتقول زوجته “إنه مصدر اعتزازنا”، مشيرة إلى عقد الفضة حول رقبتها والألواح الشمسية التي تزود البيت بالطاقة الكهربائية.

وتضيف “أسال الله أن يوفق شقيقه الأصغر للسفر إلى أوروبا أيضا، هذا ما ينقذنا من الفقر ولا شيء آخر”.

على مقربة من بيت هذين الزوجين، تسير فتاة في الخامسة عشرة من العمر حاملة على ظهرها طفلها، وتتحدث عن زوجها الذي انقطعت أخباره في إسبانيا منذ عامين.

ومن نتائج هذا الأمر أن أطفالا في القرية لم يروا آباءهم منذ سنوات طويلة، أو لم يروهم قط. وتقول ميمونة ديارا “الأمر ليس سهلا، لكنه قرار يتخذه الإنسان”.

والشهر الماضي، حملت شابتان في القرية علما أن زوجيهما في المهجر منذ سنوات طويلة، لكن لا شيء يثني الشباب عن الهجرة، والمبرر الذي يسوقونه هو أن أسوأ ما قد يواجههم الموت في البحر، أشرف من أن يموتوا جوعا في قريتهم.

وتقول جينابا كوناري، المذيعة في إحدى المحطات المحلية والمعنية بتحذير الشباب من مخاطر الهجرة “ينبغي أن يعرف قادة أوروبا أن الحل ليس في إغلاق الحدود، بل في الجلوس والتحدث مع كل الأطراف”.

فرانس برس

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..