مقالات سياسية

ما وراء ساحة المعركة: الصراع في السودان في عدسة التاريخ والجغرافيا السياسية 2-3

مع استمرارنا في استكشاف مشهد الصراع المعقد في السودان، يتعمق هذا الجزء الثاني من “ما وراء ساحة المعركة: صراع السودان في عدسة التاريخ والجغرافيا السياسية” في الديناميكيات الدقيقة للسلطة والتحالفات والسرديات التي تشكل الصراع المستمر. من خلال تحليل التفاعل المثير للجدل بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، فإننا نكشف عن طبقات المناورة السياسية والدعاية والتداعيات العميقة على مستقبل السودان. يهدف هذا القسم إلى سد الفجوة بين التحالفات المتصورة والحقائق المعقدة على الأرض، مما يوفر فهمًا أعمق لجذور الصراع والطريق الصعب نحو المصالحة والسلام.اجد ان التقرير في هذه الفقرات وغيرها التي ظل يكررها بكثافة ليؤكد التحالف بين الجيش والحركة الشعبية شمال قيادة الحلو. نعم راجت هذه الأخبار وتحدث ياسر العطا  عن هذا التحالف المزعوم بصورة دعائية. وفي تقديري ظهرت تصريحات هامة من قبل عادل شالوكا ، القيادي في حركة الشعبية السودانية نشرت على موقع الحركة الشعبية الرسمي بتاريخ 28 يناير 2024، وياسر العطا، القيادي في القوات المسلحة السودانية. هذه التصريحات تعكس التوترات والتحولات في الصراع الجاري في السودان، وتكشف عن تفاصيل مهمة حول التحالفات والتصعيد السياسي والعسكري في البلاد، كما تعكس قدرة القوات المسلحة ومن خلفها قوة المركز ومراكز القوى بقيادة الإخوان وقدرتهم وخبرتهم في الدعائية الفائقة في خلق الإشاعات وخلط الأوراق. لماذا احرص على التركيز على تصريحات عادل شالكوكا؟  أولًا وقبل كل شيء، يجب التأكيد على أن عادل شالوكا هو شخصية بارزة حيث يشغل منصباً قيادياً في الحركة الشعبية السودانية، وهي واحدة من القوة السياسية الرئيسية في السودان. يتمتع شالوكا بتأثير كبير على التطورات السياسية والعسكرية في الحركة، بالتالي لتصريحاته دلالة لا يمكن إغفالها او التغاضي عنها، خاصة في ظل التطورات الجارية في السودان. من ناحية أخرى، نجد ياسر العطا، القيادي في القوات المسلحة السودانية. تصريحاته تشير بوضوح لا لبس فيه إلى التحالف والتنسيق بين القوات المسلحة والحركة الشعبية، لمواجهة قوات الدعم السريع بعد أن فقدت القوات المسلحة حتى الآن عدد خمسة فرق عسكرية وباتت تسيطر عليها قوات الدعم السريع وعلى معظم غرب ووسط السودان. وهذا ما نفاه عادل شالوكا واصفا ان الجيش والدعم السريع كلاهما من قوة السودان القديم التي ظلت الحركة الشعبية تحاربه طوال تاريخها واكد انه لا يوجد تحالف او اي نوع من أنواع التنسيق بينهم والجيش. وقال عادل شالوكا: “الحركة الشعبية ترى إن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع – كلاهما ينتميان إلى نفس المؤسسة العسكرية للـ(السودان القديم) و يقاتلان بنفس العقيدة القتالية (أكسح، أمسح، قشو، .. ما تجيبوا حي)” وأضاف شالوكا قائلا: “يعلم ياسر العطا وزملائه في قواتهم المسلحة إن الحركة الشعبية تختلف عنهم في كل شيء. فلا هي تشبههم في الأهداف ولا في العقيدة القتالية، فكيف تتحالف معهم ؟”واردف قائلا: “الحركة الشعبية لا تبحث عن تحالف مع الجيش السوداني بل موقفها واضح وثابت ومعلن وهو تفكيك المؤسسات العسكرية وإعادة هيكلتها على أسس جديدة”. وبالنظر إلى التاريخ السياسي والعسكري للسودان، يتضح أن هناك اختلافات جوهرية بين الحركة الشعبية والقوات المسلحة. حيث تسعى الحركة الشعبية إلى تفكيك المؤسسات العسكرية وإصلاحها على أسس جديدة تخدم مصلحة الشعب السوداني. بينما تمتلك القوات المسلحة تاريخًا طويلاً من الاستبداد والقمع والتدخل السياسي، مما يزيد من تعقيدات الصراع والتناقضات في السودان. تصريحات عادل شالوكا وياسر العطا تكشف عن تفاصيل مهمة حول تطورات الصراع في السودان وتأثيرها على الوضع السياسي والعسكري. إن تصريحات الفريق ياسر العطا تأتي في سياق ارباك المشهد السياسي ورفع المعنويات المنخفضة للجنود المحاصرين في عدة مواقع، وبالنظر إلى تصريحات عادل شالوكا التي قطعت قول كل خطيب وأكدت أن الحركة الشعبية والقوات المسلحة يسيران في مسارين مختلفين، يجب أن ننتظر ونراقب كيف ستتطور الأحداث في السودان وما إذا كانت هذه التصريحات ستؤدي إلى تغييرات جوهرية في المشهد السياسي والعسكري في المستقبل. إلا أن تصريحات الحركة الشعبية شمال قيادة عبد العزيز الحلو  في نفي علاقتها بالجيش لم تكتفي فقط بما ادلى به عادل شالوكا بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حينما تحدث رئيس الحركة الشعبية – شمال، القائد/ عبدالعزيز آدم الحلو – يدلي بتصريحات مهمة لصحيفة “الشروق” المصرية حول الراهن السياسي وتم نشر الحوار في الصفحة الرسمية للحركة الشعبية بتاريخ 1 فبراير 2024 : “المقاومة الشعبية سياسة قديمة اتبعتها القوات المسلحة فى كل حروبها ضد مواطنيها فى الهامش وأثبتت فشلها، بل أنتجت أخيرا نموذج «الدعم السريع» الذى خرج عن سيطرتها، وصار يقاتل ضدها منذ الخامس عشر من أبريل.وهى خطوة ستعقد الأزمة وتزيد الأمر سوءا، لاسيما إذا عرفنا أن هناك اصطفافا كبيرا وواضحا الآن بين المكونات الاجتماعية السودانية واشتباكات لا حصر لها بينها”. وأضاف عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الحركة الشعبية قائلا فى حواره الصحفي بوضوح لا لبس فيه. وفي ذات الحوار الصحفي قال القائد عبد العزيز الحلو عندما سئل عن الذي حدث في الدلنج : “ما هي حقيقة ما حدث فى مدينة الدلنج ثانى أكبر المدن بعد مدينة كادوقلى؟ وما هي حقيقة التنسيق بين الحركة والجيش؟” ردة عبدالعزيز الحلو قائلا: “مدينة الدلنج تقع تحت سيطرة الحكومة السودانية، وشهدت فى الفترة الأخيرة مواجهات بين الجيش والدعم السريع، إضافة لمواجهات بين مكوناتها الاجتماعية. أما نحن فليس لدينا تنسيق مع أى طرف من طرفي الحرب بسبب اختلاف الرؤى والتوجهات”. وفي تصريحات أخرى ادلى بها  لموقع الحركة الشعبية الرسمي بتاريخ 24 فبراير 2024 : قال القائد/ عزت كوكو أنجلو – رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال، “إن السودان في مفترق طرق، وإن الحرب الحالية قسمت السودانيين وهذا سيعقد المشهد مستقبلا. وإن هذه الحرب لا يمكن أن تحسم عسكريا وسيطول أمدها”.  وفي معرض إجاباته على الاسئلة التالية كانت كالاتي: – في رأيك ما هي الأسباب التي أدت إلى إندلاع الحرب الحالية في السودان بين القوات المسلحة والدعم السريع؟ قال : “هذه الحرب سببها الرئيسي هو تعدد الجيوش في السودان وعدم وجود جيش مهني واحد تحت قيادة موحدة، بالإضافة إلى فشل الطرفين في الإندماج، والصراع حول النفوذ العسكري والسيطرة على السلطة. ولقد كانت حرب متوقعة منذ فترة طويلة – فقط تم تأجيلها إلى 15 أبريل 2023”. -ما هو موقف الجيش الشعبي من القتال الذي يدور الآن ؟. قال: “الجيش الشعبي لا علاقة له بما يدور الآن وهو ليس طرفا في هذه الحرب”. -هل يوجد أي تنسيق بين الجيش الشعبي مع أي من طرفي القتال ؟. قال عزت كوكو مختتما حديثه: “لا يوجد تنسيق مع أي من طرفي الحرب لأنهما لا يختلفان، فعقيدتهم القتالية واحدة، والقوات المسلحة هي التي صنعت الدعم السريع”.واختتم تحليلي لتعزيز افهم استجلاء موقف الحركة الشعبية بتصريحات عبد العزيز الحلو، التي اعتقد انها مهمة للغاية لاستيعاب التناقض ما بين ما ورد في التقرير من تضليل ونقل صورة غير حقيقة و متعمدة وما بين الحقيقة التي تؤمن بها الحركة الشعبية ويعمل وفقها مؤسساتها. فان رأيها الذي  صرح به القائد عبدالعزيز الحلو عن موقفه من دولة 56 قائلا: ” دولة 56 فى أدبيات الحركة الشعبية هى «السودان القديم» وتعريف السودان القديم قائم على التفرقة بين السودانيين على أساس العرق، الثقافة، الدين، اللغة، الجهة، النوع وغيرها، وبمعنى أدق أنه قائم على الأحادية الثقافية الإقصائية، وبما أن «السودان القديم» بوصفه هذا يولد الحروب والصراعات فإنه لا بديل للسودان القديم إلا السودان الجديد العلماني الديمقراطي. صحيح أن الحركة الشعبية هى من طرحت مشروع «السودان الجديد» كوصفه لحل أزمات السودان، ولكن هذا المشروع ليس حكرا عليها، بل عبارة عن دعوة لجميع السودانيين من أجل تحقيق إجماع حوله بغرض معالجة المشكلة السودانية، فإذا تبنى الدعم السريع مشروع السودان الجديد فإن ذلك يعد مكسبا لمستقبل السودان وفاتحة للخروج من النفق والدائرة الشريرة التي أدخلنا فيها مشروع السودان القديم الظلامى.إن مشروع السودان الجديد كما عرفه منفستو الحركة الشعبية هو مشروع واحد من حيث المضمون والمحتوى لا فرق إذا كان قد جاء على لسان الحركة الشعبية أو على لسان الدعم السريع، رغم صعوبة التفريق بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية من حيث البنية الفكرية والممارسة العملية، لكن إذا حدث تحول فى عقيدة الدعم السريع فإن ذلك يعد أمرا إيجابيا يصب فى مصلحة التغيير الجذري”.ومن وجهة نظري التحليلية، فإن التحالف الذي يسعى التقرير إلى تسليط الضوء عليه، ظاهرياً للاستهلاك الإعلامي، رغم أنه مفيد من الشوفينية من وجهة نظر تكتيكية، إلا أنه قد أدى للأسف إلى التعجيل بالعنف العرقي. ويشير هذا التطور إلى تصعيد مقلق للصراع، وتوسيع نطاق تداعياته إلى ما هو أبعد من مجرد الاشتباكات العسكرية لتشمل الصراع العرقي. يظهر هذا الجانب، حيث تؤدي التحالفات العسكرية إلى تفاقم التوترات العرقية، كواحد من أكثر الجوانب تعقيدًا وتحديًا في مشهد الصراع في السودان.وعلى الرغم من التصريحات الهامة التي أصدرتها الحركة الشعبية، والتي ترفض بشدة  أي تورط لها في الصراع الدائر وتنفي بقوة أي مزاعم عن علاقتها بالجيش أو التحالف معه. فإن التقرير يسعى باستمرار إلى صياغة رواية التحالف بين الحركة الشعبية والقوات المسلحة. وتتناقض هذه التأكيدات بشكل صارخ مع الحقائق والتحليلات التجريبية، التي تدحض بشكل لا لبس فيه وجود التحالف المزعوم، ومع ذلك يظل التقرير مصرا على تصويره. علاوة على ذلك، فإن توصيف الحركة الشعبية على أنها متمردة في التقرير يؤكد بشكل أكبر على الالتزام بالسرد الذي ظلت تتبناه قوة المركز في تحليل الصراع في السودان، مما يشير إلى وجود الانتقائية التي تخدم الأغراض في الإطار التحليلي للتقرير.نواصل …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..