محو الأثر ..!!

الطاهر ساتى –
:: ما بين فرص في أقصى الشمال و الدكة في أقصى الجنوب، كانت قرى وادي حلفا – باسمائها النوبية – تًزيَن شاطئ النيل و حدود البلد .. وبعد إغراقها بمياه السد العالي لصالح مصر – بلا ثمن – تم تهجير تلك القرى إلى شرق السودان، ولكن بعد تجريدها من (أسمائها النوبية).. القرية (1)، القرية (7)، القرية (11)، القرية (13).. و..هكذا طمسوا الأسماء بالأرقام كأن الاغراق لا يكفي طمساُ .. وما استبدلوا تلك الأسماء التاريخية بهذه الأرقام إلا لكي تنسى ذاكرة الأجيال أصولها وتاريخها وجذورها..!!

:: تلك خاطرة أمام حدث حزين.. قبل أشهر، كانت وزارة النقل والطرق والجسور قد أعلنت عن اكتمال اجراءات تأسيس شركة جديدة باسم (سنجنيب للخطوط البحرية المحدودة )، بحيث تكون بديلا للخطوط البحرية السودانية .. ومع نهاية العام الفائت، بينما البعض يحتفل بالاستقلال والبعض الآخر يرثي الاستعمار، تمت إزالة لافتات شركة الخطوط البحرية السودانية من مقارها بالخرطوم وبورتسودان، لتحل محلها لافتات شركة سنجيب للخطوط البحرية المحدودة .. !!

:: (سودان لاين)، كانت بواخرها ملقبة بالخضراء، وكانت موانئ أوروبا تستقبلها بسلامنا الجمهوري..ومنذ العام 1962، والى زمن ليس ببعيد، ظل الأسطول التجاري لشركة سودان لاين هو ثاني أكبر أسطول في افريقيا والعالم العربي ..ولم يكن هناك أسطولا يتفوق عليه من حيث عدد البواخر إلا الأسطول المصري..ولذلك، لم يكن مدهشا أن يختار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية – في العام 1964 – سودان لاين كأفضل نموذج للمشاريع الناجحة في العالم الثالث..وظلت بواخرها تنال درع التميز في السلامة وجمال المظهر عاما تلو الآخر..!!

:: ( سودانلاين)، كانت تمتلك أسطولا عظيماً (15 باخرة).. ولذلك، كانت بواخرها تبحر بكبرياء طائر النورس – الذي كان شعارا – ما بين المحيط الى الخليج، وفي كل الموانئ العالمية والإقليمية، بلاغياب..ولاتزال في ذاكرة العرب الباخرة شندي الباخرة الأولى التي عبرت قناة السويس – بعد إعادة فتحها في عهد ناصر – وهي محملة بالسلع الغذائية، ثم تلتها الباخرة سنار، لكسر الحصار المفروض على الدول العربية، ..وما نالت بواخر سودان لاين الثقة وما إكتسبت الكفاءة إلا بحسن الإدارة ..!!

:: ثم كانت حلقات الانهيار..الباخرة أمدرمان، تم التخلص منها في العام (1995)… نيالا، باعوها في العام (1996).. الأبيض، باعوها في العام (2002)..دنقلا، باعوها في العام (2003).. القضارف، باعوها في العام ( 2003).. مروي، باعوها في العام ( 1995)..النيل الأزرق، باعوها في العام ( 2004).. ستيت، باعوها في العام (1997).. الضعين، باعوها في العام (2003).. الجودي في العام ( 2006) ..وفي يونيو 2014، أعلنوا عن بيع دارفور والنيل الأبيض، أي آخر باخرتين في أسطول (سودان لاين).. هكذا غربت شمس البواخر و إختفى طائر النورس.. !!

:: باعوها ( إسكراب).. نعم، رغم أنف التقارير الفنية التي أكدت صلاحية بعض البواخر، تم بيع كل البواخر – كخردة – بالطن.. وكانوا يبررون البيع بالإحلال، أي شراء أخريات، ولم يتم هذا الإحلال.. وعندما تمت تصفيتها، لم تكن لسودان لاين غير باخرة واحدة مسماة بالدهب، وهي إحدى مخلفات الملاحة المصرية التي تعطلت وتوقفت- بميناء بورتسودان – قبل أن تكمل العام ابحاراً، أي فقدنا المال ولم نكسب باخرة .. وبنهاية العام 2017، لم تكن شركة سودان لاين غير (اسم وشعار).. وربما لمحو الاسم والشعار والأثر- و التاريخ الضاج بالبواخر والانجارات – من ذاكرة الناس، أسسوا (شركة سنجنيب للخطوط البحرية المحدودة)..!!
[email][email protected][/email]