مقالات سياسية

أصداء اليأس من الجبال: كشف النقاب عن معاناة كادوقلي المظلمة

يوسف يااااا يوسف هل تسمعنييوسف البدوي هل تسمعني! وانا اسمعك بوضوح تام رغم الضجيج الكثيف رغم النحيب وانت تنشد تحت ظلال جبال المدنية الوارفة ” جحدوك إذ نسبوا إليك الجوع والفقر المهين”في نسيج القصص الإنسانية في ظل الحرب العبثية الدائرة اليوم، والطاحنة حد الرعب، تتآكل خيوط بعض الحقائق وتكون الاخرى طيئ النسيان، وتطغى عليها الروايات الكبرى التي تهيمن على انتباهنا، عبر الضخ الإعلامي الكثيف والمزيف و الممنهج لإظهار خط إعلامي يخدم جهات وجماعات واتجاهات معينة. كما يعمل على تعتيم الواقع المأساوي الذي تعيشه جنوب كردفان – جبال النوبة ومع ذلك، غالبًا ما يتم نسج القصص الوهمية عن الانتصارات، والهزيمة هي الموت جوعا قاتل متسلسل  يمشي بين قدمين وسط الأحياء يتصيد أجيال كاملة في الإقليم، لا يرحم لا صغيرا ولا كبير، في صمت رهيب ومريب من الجميع، حيث يعلو فقط صوت انين الوجع وصرخات الأطفال الجوعى، ونحيب المرضى، ودموع حسرة الآباء على خيبتهم، حينما لم يستطيعوا ان يفعلوا شيئ وهم يدفنون أبنائهم، واحلامهم واحد تلو الآخر، في صمت رهيب ومهيب أمام دموع وراء العمم تتسربل أنهارا. وحكايات البوس سرديات لام تتضور جوعا و ترضع طفلا جائع حليب عدم من ثديها الجاف،  تترك تأثيرًا كبيرا لمحنة اليأس والشقاء في سجل الإنسانية،  فهذه هي خيوط  الحقيقة المرعبة في كادقلي التي يتم التغاضي عنها. وهذه هي قصة كادوقلي، المدينة السودانية التي أصبحت نموذجًا مصغرًا للأزمات الأكبر التي تعاني منها البلاد. وغض الطرف عنك الأنبياء الكذبة وأدعياء الوطنية والفضيلة الانجاس، من كانوا يتاجرون بلا خجل بك. لكن لك الله يا مدينة المحبة والسلام، فانا ها هنا باقون نحكي ونكتب عنك ونسمع الحجر عن مأساتك، فالقلم امضى اصدق وأمضى من الرصاص.تخيل أنك تعيش في مدينة معزولة عن العالم، حيث أساسيات الحياة – الكهرباء والرعاية الصحية والاتصالات الوقود، الغذاء – ليست نادرة فحسب؛ إنها غير موجودة تقريبًا. هذا ليس مشهدًا من رواية بائسة؛ هذا هو الواقع الذي يعيشه سكان كادقلي منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان. المدينة، التي وقعت في فخ الصراع، والتخوين، تجد نفسها معزولة، جزيرة وحيدة في بحر من الاضطرابات الهائج. والاعتقال مصير كل من يتكلم عن حقوق المواطن أو يرفع صوته مناديا بحق الحياة لأهل المدينة المنكوبة والمقهورة. وهي تعيش وسط  حصار غير مرئي.إن شريان الحياة الرئيسي، وهو طريق الدلنج-كادقلي، الذي كان يعج بالتجارة وحركة المرور، أصبح الآن خاملاً، وأغلقته الحركة الشعبية لتحرير السودان. أما الطرق البديلة، التي يمكن للمدينة من خلالها أن تستقبل بشدة بعض الضروريات الأساسية، فإنها تختنق بسبب وجود قوات الدعم السريع، مما يحول كادوقلي إلى شبح لما كانت عليه في السابق. أصبحت الأسواق، التي كانت ذات يوم مراكز تجارية نابضة بالحياة، ولن تسمع سوى صدى صوت صمت المدينة الواقعة تحت الحصار والبؤس والدمار، وعمليات الاغتيال المتعمد لبراءة الاطفال فيها. ويحي و ويحك يا مدينتي الحبيبة المغدورة المذبوحة بفعل الغافلين والانتهازيين و فجرة الزمان.لقد تم دفع مواطني كادوقلي، الصامدين والمرهقين، إلى حياة تتسم بالندرة والخطر في كل شيء، الماء والدواء، والغذاء، والكهرباء، والاتصالات والكساء الذي لا يرغبه فيه احد،. ولم يقتصر الحصار على خنق تدفق البضائع؛ لقد تم خنق حتى الأمل فيها. المدينة، التي كانت تستمد قوت يومها من الطريق الرئيسي من الأبيض إلى الدلنج، تعتمد الآن على طرق تجارية محفوفة بالمخاطر من الحدود الجنوبية، وطرق أخرى معبدة الا للمهربين المحميين، والشوارع إليها عرضة لأهواء الصراع والسيطرة. والمدينة تعيش على حافة الهاوية.وفي ظل غياب الرواتب، يتأرجح سكان كادوقلي على الحافة ما بين البقاء و الانزلاق في هاوية العدم والفجور والغثيان، وبيع اغلى ما يملكون، و ما لا يقال أعظم، وسط شبح الجوع الذي يلوح في الأفق ويسكن الارفف فهربت منه حتى الفئران من البيوت. وقد أدى الاقتصاد غير الرسمي، الذي يقوده تجار الأزمات المحميين ( معروفين لديكم)، إلى تضخيم الأسعار إلى مستويات باهظة فوق متناول يد البسطاء، مما جعل حتى أبسط الضروريات بعيدة المنال بل مستحيلة، ربما حتى الهواء. تخيل ملوة البصل ب 17 الف جنيه وقد تزيد اليوم، وسط هذا الاختناق الاقتصادي، يلقي شبح المرض وسوء التغذية بظلاله الطويلة، حيث تخلو المستشفيات من الموظفين والإمدادات، وهي شهادة صامتة على الأزمة الصحية التي تجتاح المدينة. الناس  في بلدي الحبيبة يموتون بالمرض والجوع والعطش والإهمال والتعذيب في المعتقلات قبل الحرب وبعدها واثنائها.  وتلوح ذكريات خور العفن من جديد، ومن من سكان المدينة لا يعرف حكايات خور العفن الكريهة، جثث مرمية فيه لا احد يقترب منها، هل سيعيد التاريخ نفسه. يا لبؤس المدينة وبؤس تاريخ القتل فيها وهي تتذكر ابنها الرياضي الرائع حد الإدهاش جيمس والكل يخاف أن يقول ما يجب أن يقال. معهم حق والقهر والظلم ليلته قصيرة.وفي صراع كادوقلي، يشكل غياب اهتمام وسائل الإعلام جرحًا عميقًا مثل الحرمان الجسدي. إن محنة المدينة، رغم أنها مثال نموذجي للأزمة الأوسع في السودان، لا تزال غير مسموعة إلى حد كبير، وقصصها غير مروية. لقد أدى انقطاع التيار الكهربائي، بالمعنى الحرفي والمجازي، إلى جعل كادوقلي غير مرئية، وتلاشت صرخاتها طلبًا للمساعدة في الفراغ. ولن يبح صوتنا نحن ننادي انابة عنها.ومع ذلك، فإن روح كادوقلي باقية، حيث يطالب أهلها باهتمام العالم، لتسليط الضوء على معاناتهم. إن المطالبة بفتح الطريق من الدلنج إلى كادقلي ليست مجرد ضرورة لوجستية؛ إنها نداء من أجل البقاء، ومن أجل فرصة العيش بدلاً من مجرد الوجود.هذه الرواية ليست مجرد سرد للمصاعب؛ إنها دعوة للعمل، وتذكير بالقدرة الموجودة في مواجهة الشدائد. إن أهالي كادوقلي، على الرغم من محاصرتهم، لم يستسلموا لليأس. إن نضالهم ليس من أجل البقاء فحسب، بل من أجل الظهور والاعتراف في عالم يبدو أنه حول أنظاره إلى مكان آخر. ترك سكان المدينة لاشباح الخوف والتخويف والابتزاز، فإذا  تكلم أحدهم ورفع صوته مناديا بالحقوق وف في وضع البلد، يعتقل،  ويفتح فيه  بلاغ تحريض ضد الدولة. واي دولة هذه والمواطن ماقادر يآكل ولا يتعالج ولا حتى قادر يهرب منها. الموت واحد والصمت بيت الجبناء غير الحصين.وبينما نشارك هذا الواقع، لنجعله بمثابة جسر يربط جزيرة كادوقلي المعزولة بأرض الوعي العالمي والإنساني. إنه تذكير بأنه في نسيج التجربة الإنسانية الواسع، لا ينبغي ترك أي خيط غير مرئي، أو قصة غير مروية. إن محنة كادوقلي هي دعوة لنا جميعًا للاستماع والتصرف، وتذكر أن وراء إحصائيات الصراع والأزمات حياة البشر، ولكل منها قصة تستحق الاستماع إليها بتمعن و التحرك بسرعة لإنقاذ ما يمكن انقاذه.وفي النهاية، فإن رواية كادوقلي هي شهادة على الروح الإنسانية التي لا تقهر، ومنارة الصمود في أحلك الأوقات. إنها قصة يجب أن تُروى، ليس فقط من أجل أولئك الذين يعيشونها، ولكن من أجلنا جميعًا، للتذكير بقوة روح الأمل فيها وفينا، وقوة المجتمع، وبصيص النور الذي لا ينضب للقدرة الإنسانية في التضامن والمناصرة والاستجابة. اسماعيل هجانة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..