امريكا وروسيا وعذاب السودان

إسماعيل عبدالله
العداء السافر الذي اعلنه النظام البائد تجاه القويين العظميين – امريكا وروسيا – قبل ثلاثين عاماً ، يتحول الى محاولات مستميتة لكسب ود انظمة الحكم في هذين البلدين الكبيرين ، فكل من عاصر السنوات الاولى لحكم الدكتاتور صك اذنه هتاف قوات الدفاع الشعبي – (امريكا روسيا قد دنا عذابها ، علي ان لاقيتها ضرابها) ، في ذلك الوقت لم يخطر على بال احد أن رأس نفس النظام ، سوف يأتي عليه يوم يهرول فيه نحو ضاحية سوتشي ليطلب امام الملأ الحماية ، ويترجى الاستنصار بالدب الروسي الذي اعلن عليه الحرب من قبل ، ولم يتصور اندادنا آنئذ أن (الطاغية) الامريكان سيبنون اضخم سفارة لهم بقلب عاصمة اللاءات الثلاث ، لكنها اقدار صولة القط المستأسد التي تورده موارد الهلاك المستحق ، لقد وجّه عقلاء ذلك الزمان النصح لقادة تلك الحقبة بأن عواقب الخطوة المستعدية للمحيط العالمي والاقليمي ، ستكون هي الداء المقيم المانع لازدهار الوطن، والمعطّل للتنمية المرتبطة ببناء العلاقات الاقليمية والدولية المتوازنة ، لقد دهش المراقبون للشأن السوداني ايما دهشة عندما انقلبت الامور رأساً على عقب ، فوقعت البلاد بين فكي روسيا واستسلمت لذراعي امريكا.
إنّه الاستسلام البائن الذي ابداه رأس النظام البائد الذي ادى لتفاهمات بين الروس والمنظومة البائدة ، هنالك تقرير اوردته صحيفة الراكوبة الالكترونية نقلاً عن العربي الجديد ، يقول ان لدى روسيا عدة شركات تعمل في مجال التنقيب عن الذهب والمعادن الاخرى بولايتي نهر النيل والشمالية ، وعلى رأسها شركة (ميرغولد) التي منحها رأس النظام البائد حق هذا الامتياز ، ويقول التقرير ان الروس يسعون للسيطرة على البحر الاحمر، بانشاء قاعدة عسكرية تكون رقيبة على باب المندب وقناة السويس ، ويوضح ذات التقرير ان التعهدات المبرمة بين روسيا والرئيس المخلوع ، مازالت مرعية من قبل المكون العسكري في الحكومة الانتقالية – خاصة بعد الانقلاب العسكري ، وبدا ذلك جلياً في موقف روسيا بجلسة مجلس الامن المنعقدة بخصوص الانقلاب ، فقد كان موقف الصين وروسيا مؤيد للانقلابيين ، وكما هو معلوم بداهة ان الاولى لها استثمارات ممتدة داخل الدولة السودانية طيلة فترة حكم الرئيس المخلوع ، فما بين روسيا العدو المستهدفة بشعارات الدولة الرسالية ، تتحول روسيا (الشيوعية) هذه الى حامٍ لحمى الارث (الاسلامي) البائد .
من الجانب الاخر يعمل الامريكان بجهد كبير لكي يوائموا ما بين المكون العسكري الانقلابي، وبين المدنيين الحمدوكيين المتساهلين والساعين لاستمرار الشراكة المطعونة من الخلف بخنجر العسكريين ، فالمصالح الامريكية لا تقبل التأجيل ، ولكن في ذات الوقت تستحي من ادارة ظهرها لقيم ومباديء الديمقراطية والحكم المدني ، وبينما يمسك اليانكي الامريكي العصا من منتصفها يقوم الدب الروسي بامساك عصا العسكر من طرفها الاخير لينقض بها على سلطة الدولة ، وما بين الماراثونات الدبلومساية الامريكية والتحركات الروسية ، تفيض شوارع الخرطوم بالمليونيات الجماهيرية المطالبة بتنحي البزة العسكرية ، والداعية لاقامة نظام الحكم المدني الكامل الدسم غير المنتقص ، فوقوع السودان بين مطامع العالم واطماع الاقليم جعل قضيته رهينة باتفاق الأكلة ، لأنه اصبح مثل قصعة طافحة وناضحة بشهي الطعام ومرمية امام هؤلاء الآكلين ، إن لم يصل المتأهبون للانقضاض عليها لصفقة عادلة فيما بينهم هنالك احتمالان ، الأول أن تتصارع هذه الفيلة فتموت الحشائش تحت اقدامها الغليظة والثاني أن تكتسح السيول المليونية الجارفة الجميع ويصنع الشعب دولته.
البلدان التي يشابه حالها حال السودان ، من حيث التركيبة الفسيفسائية السكانية المعقدة والمتنوعة والمتعددة ، تكون سهلة الابتلاع للعمالقة المسيطرين على الكرة الارضية ، فالضرب على وتر الانقسام الذي تسوقه اجهزة المخابرات المتوغلة في عمق لحمة الجسد الوطني ، والمتمظهرة في الاصوات العالية المنادية والمبشرة بتفتيت عظم الوطن ، هذا الضرب ما هو الا ترتيب منظم ومدعوم وله صلة وطيدة باجندة القويين العظميين المتصارعتين حول ثروات ارض السمر ، فالذهب واليورانيوم والمعادن النفيسة الاخرى لن تذهب مع الشخص الخطأ ، الا بعد ان يضرب هذا الشخص اسفين الشقاق بين الاشقاء وابناء العمومة وبنات الخؤولة ، وخير توصيف لهذه الخصيصة تجده في المثل الدارفوري – كلاب كن داوسو بخت ارنب (اذا تقاتلت الكلاب فصاحب الحظ السعيد هو الأرنب) .