صوت سلمى الجهير.. يفتح الأقواس ولا يغلقها (1-2) الصحافة بنت المجتمع

الخرطوم – محمد غلامابي
ربما لم يدر بخلد الزميلة الصحفية بـ (اليوم التالي) سلمى معروف، وهي تخطو إلى داخل سجن النساء بأم درمان في أكتوبر من العام الماضي أنها تصنع الحدث، لكنها أكدت أن (البذرة) داخل الأرض لن تضل طريقها إلى ظاهر الأرض لتعود نفعاً لكل الكائنات على وجه هذا الكوكب.
علّي قبل الاقتراب من حقائق سلمى الصادمة تعريف القارئي أنه تم اختيارها في القائمة القصيرة لجائزة الصحافة العربية التي تصدر عن نادي دبي في دورتها الـ (15)، وهي أرفع جائزة متخصصة في الصحافة الإنسانية في الشرق الأوسط، تقول سلمى عن ترشحها للجائزة: دخلت على موقع الجائزة عبر الإنترنت، وتقدمت بموضوعين “إنساني – تحقيق عن سجن النساء في مدينة أم درمان”، والثاني “ثقافي – اقرأ ليست فعل أمر.. بل فعل أمل، فأنتخبت لجنة الجائزة الموضوع الإنساني”، قلت لها والثقافي مميز جداً، فقالت “ما هي الإضافات الثقافية التي يمكن أن ترفدها أمام حوار للروائي واسيني الأعرج؟”.. فماذا كتبت سلمى عن تلك التجربة المثيرة؟
مشاهد مختلفة
تثيرك سلمى منذ البداية، وهي تلقي بالصدمة أمام ناظريك، تقول في المفتتح “من هنا تبدأ المعاناة.. وأنت تلج إلى داخل السجن، تستقبلك روائح تزكم الأنوف.. حياة بلا حياة، وواقع مرير تكابده النساء.. خلف القضبان تقبع نحو 965 امرأة في معيتهن 153 طفلاً.. حقائق صادمة”.
وتضعنا سلمى أمام ضمائرنا التي ران عليها الزمان، تقرأ ما كتبت حتى تكاد لتشيح بوجهك عن حروفها، غير أن الأحاسيس الإنسانية السائلة في التحقيق تمنعك من الهروب، وربما هنا يكمن السر، فكثيراً من الظواهر الإنسانية الموحشة التي تجري حولنا لفرط تجرعنا لها بصمت مخيف تكاد تنزعنا أغلى ما نملك.. (الإنسانية)، التحقيق برمته يشير وبانتباه شديد أن الإنسان بلا كرامة ذكرى إنسان.. فلندعكم معها مرة أخرى وهي تقول “كل شيء يوحي بالبؤس عند مرورك بالمبنى ذي الجدران العالية المحاطة بأسلاك (شائكة)، المبنى قديم يعود لحقبة الاستعمار.. بخلت عليه الأيادي بلمسة تعمير تحترم آدمية وإنسانية ساكنيه، لافتة على الطريق الرئيس بشارع الملازمين كتب عليها سجن النساء أو دار التائبات، على مرأى ومسمع البشر، ولكن بالداخل ما لا يخطر على قلب وعقل بشر، أدق توصيف يمكن أن يطلق على ساكني هذا المكان هو (البؤساء)، حياة لربما تنعدم فيها معايير الكرامة والإنسانية، من يمر يومياً بجوار السجن ممن هم خارجه ربما لم يخطر ببالهم أي حياة تعيشها هؤلاء النسوة خلف هذه الجدران القديمة، فقط قد يكتفي المارة بإغلاق أنوفهم من رائحة الأبخرة المنبعثة من (بالوعات) الصرف الصحي التي تسد جنبات المكان، ويمرون هكذا دون أن يلقوا بالاً لمن هم داخله”.. سلمى أوردت حكايات للنساء من داخل السجن، وهي مبذولة لمن يود الاطلاع عليها، لكنها إنتبهت مرة أخرى إلى المهم، النساء الآن في السجن بمحكوميات متفاوتة، ولا راد لحكم القضاء، لكن هل يكون السجن معبراً إلى الضفة الأخرى من الحياة؟ أنظر سلمى وهي تعكس الوضع الصحي للنزيلات داخل السجن “الواقع الصحي داخل السجن إن جاز أن يطلق عليه (مبان بلا معان) فهو كذلك، فقط غرف وعيادة وطبيب، ولكن بشهادة الطبيب محمد توم محمد أحمد تفتقر العيادة لأدوية النزلات والإسهالات والضغط والسكري والملاريا والغدة فهي غير متوفرة وحتى القليل الذي يأتي تتبرع به منظمات كنسية أو منظمات خيرية قليلة ومن طلاب بعض الجامعات، ولكن الكمية محدودة لا تكفي العدد الزائد للمرضى، حتى أدوية الضغط -وهو المرض ذو النسبة الأعلى بين النزيلات – تأتي بعدد شريطين أو ثلاثة وتنعدم المضادات الحيوية”.
في ختام الزيارة
وفي مفارقة عجيبة تختتم سلمى تحقيقها بعين وضمير الصحافة، وهي تعكس نهاية زيارة وفد برلماني تزامن مع زيارتها قالت “في ختام الزيارة رأت اللجنة ما رأت من واقع بشفافية، ودفعت إدارة السجن بدفوعاتها، وجلس الجميع على طاولة ممتلئة بالطعام ما لذَّ منه وطاب، ولكن قطعاً لا يمكن أن يستطعمه إنسان رأى ما رأى وسمع ما سمع عن هذه المعاناة”.
لقد نالت سلمى الجائزة.. شطبنا
توقيعات متفردة
فور تلقيه الخبر هرع الزميل عزمي عبد الرازق إلى موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) ليقول “قليلة هي الأخبار المفرحة، ولا أعرف كيف أصف سعادتي بدخول الزميلة العزيزة سلمى معروف للقائمة القصيرة لأرفع جائزة عربية في مجال الصحافة، سلمى دفعت بتحقيقها المميز (سجن النساء بأم درمان حقائق صادمة)، ولم يكن مدهشاً بلوغها ذلك المدى، فهي صحفية مثابرة ومجدة، وأكثر ما يعجبني فيها، هو المبادرة، ديدن تجربتنا عموماً، غالباً لا أحد يرسم لنا خطواتنا، وإنما ينشأ بيننا خيط متين ينشد الحقيقة، واقتناص اللحظة الفارقة، سلمى تنهل معنا من ذلك الكأس، وهي شغوفة أيضاً، ولا تغمض عينيها كثيراً، وعندما تنام في الغالب تحلم بفارس أحلامها على هيئة سبق صحفي، دائماً ما نزفهما معاً إلى المطبعة آخر الليل، أجد نفسي كثير الامتنان لهذه الرفقة الممتدة، منذ الأهرام اليوم، ولا أجد من يصغي لشكوانا، فلعل سلمى تمضي بعيداً وترمي لنا طوق النجاة أو نلحق بها، وهي الآن تستحق التهنئة أكثر، لأنها صديقة جميلة ولأن دواخلها عامرة بالمحبة”.
أما الزميل الزين عثمان كتب هو الآخر على موقع التواصل الاجتماعي على طريقته الأثيرة “سلمى المعروفة من التفوق بالضرورة
في هذه المهنة ما يستحق المواصلة
من قال إننا ندلق حبرنا على (الرهاب)؟
نحن أحياء وباقون وللحلم بقية
أعلم أنه كتب علينا أن نمسك القلم من المنتصف وأن نجد أنفسنا متجاذبين بين مكوك يريدون صورتهم ناصعة البياض
وبين غبش ملامحهم منا وأحلامهم أحلامنا
والقلب ينتصر
ألم يقل محجوبنا الشريف الذي جمل الصحائف بموته “إن القلب مساكن شعبية”؟

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..