السودان والسقوط في الهاوية: الحرب والانهيار الاقتصادي وسط الاضطرابات السياسية والأزمة الإنسانية 1-2
كشف الأزمة: تحليل متعمق لانحدار السودان إلى الاضطرابات

السودان الان في لحظة محورية ومفصلية في تاريخه، حيث يترنح على حافة الهاوية التي شكلتها سنوات من الحروب المتناسلة، والتدهور الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي. هذا الجزء الأولي من قراتنا لحالة السودان الحالية يتعمق في شبكة معقدة من التحديات التي أدت إلى زج أمة في أزمة مزمنة، حيث تمتزج أصداء الحرب مع نواح الانهيار الاقتصادي. وبينما نبدأ هذه المقال، فإننا نهدف إلى تشريح طبقات الاضطرابات التي تحيط بالسودان، وتقديم نظرة شاملة للعوامل التي تساهم في وضعه غير المستقر. من قبضة النفقات العسكرية التي تقزم الاستثمارات في الخدمات العامة الأساسية إلى الهيمنة السياسية للفصائل ذات المصالح الخاصة، يضع هذا القسم الأساس لفهم الطبيعة المتعددة الأوجه لمحنة السودان. نسعى من خلال هذا التحليل إلى توفير خلفية تفصيلية يمكن على أساسها تأطير المناقشات اللاحقة حول الحلول المحتملة والاستجابات الدولية، مما يقدم للقراء نظرة شاملة لانحدار السودان إلى الأزمة الحالية والدعوة العاجلة لبذل جهد متضافر لتحقيق الاستقرار والتعافي. .
إن الاضطرابات الاقتصادية في السودان، تبدو أوضح من الشمس، وبشكل مثير للشفقة حينما نمعن النظر في حديث وزير مالية حكومة بورتسودان جبريل إبراهيم في مؤتمر صحفي عقد مؤخراً، حيث لا تحدث هذه الاضطرابات بمعزل عن غيرها، بل إنها متشابكة بعمق مع الصراعات المستمرة، والهيمنة السياسية للفصائل الداعشية داخل الجيش، ولا سيما تلك المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين و المسيطرة على مفاصل الأجهزة الأمنية والعسكرية والشرطية خاصة الذين يزكون أنفسهم باسطين (دولة النهر والبحر)، والصراعات المسلحة المتزامنة مع حرب 15 أبريل. التهديد بالمجاعة الذي يلوح في الأفق. وتتفاقم الضائقة المالية بسبب هذه التحديات المتعددة الأوجه، مما يرسم صورة سوداء معتمة ومعقدة لدولة فاشلة ومنهارة تجاوزت محطة الوقوف عند مفترق طرق حرج. مع تصاعد النفقات العسكرية والصرف على عواطلية سدنة النظام تحت مظلة الاستنفار أصبحت الدولة على حافة الإفلاس، حيث يواجه السودان أزمة متعددة الأوجه تهدد ليس استقراره فحسب بل بقائه كدولة موحدة في ظل حالة الاستقطاب الحاد والانقسامات الكبيرة التي تمر بها البلاد. إن الإنفاق العسكري والصرف على كتائب الظل المفتوح، وناس فكي جبريل والفلنقايات، قد “استنزف” خزائن البلاد المتهالكة، وعصف بالمسار المالي غير المستدام والموقف الخطير الذي وجدت جماعة بورتسودان نفسها فيه. وقد أدى استمرار تخصيص موارد كبيرة للجهود العسكرية، ،معظمها لا يذهب اليها وفقا لتحليلات كبار المراقبين، وسط صراعات داخلية وضغوط خارجية، أدت إلى استنزاف الخزانة الخاوية على عروشها بفعل النهب المنظم منها عبر واجهات متعددة والمواطن ليس جزء منها، ودفعت حكومتهم نحو الإفلاس الاقتصادي الوشيك. ان لم يكن قد بدا فعلا. إن انخفاض قيمة الجنيه السوداني، الذي يعتبر قياسي في ظل هذه الحرب، فقد تجاوز 90% منذ بداية الصراع، وهو تعبير دقيق لحجم خطورة الأزمة الاقتصادية. إن قفزة سعر الصرف من 570 جنيهاً إلى 1335 جنيه للدولار الأمريكي لا تعكس انهيار الاقتصاد فحسب، بل الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات و التأثير المباشر للسياسات الاقتصادية الغبية المنتهجة من قبل الجهات المختطفة في قرارات دولة بورتسودان أدى انخفاض قيمة العملة إلى التأثير المباشر على حياة السودانيين اليومية. وأصبحت القدرة على تحمل تكاليف الاحتياجات الأساسية وإمكانية الوصول إليها من الشواغل الملحة، مع تفشي التضخم وتآكل نوعية الحياة بل تسلط الضوء أيضاً على تضاؤل القوة الشرائية للسودانيين العاديين في ظل انعدام فرص العمل وغياب المرتبات، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر والمصاعب المرتبطة به. يتوقع صندوق النقد الدولي (IMF) “أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسودان بنسبة 18.3 في المائة في عام 2024. ووفقاً البنك الدولي، “انكمش الاقتصاد بنسبة 12 في المائة في عام 2023 حيث أدى الصراع إلى توقف الإنتاج وتدهور الاقتصاد. تدمير رأس المال البشري وقدرات الدولة. علاوة على ذلك، أدى الصراع المسلح إلى تدمير القاعدة الصناعية والتعليم والمرافق الصحية في البلاد. كما أدى ذلك إلى انهيار النشاط الاقتصادي – بما في ذلك الخدمات التجارية والمالية وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات – وتآكل قدرة الدولة، مع آثار ضارة على الأمن الغذائي والنزوح القسري. وعلى سبيل المقارنة، تقلصت اقتصادات اليمن وسوريا بنحو 50 في المائة خلال العقد الماضي، أو حوالي 5 في المائة سنويا في المتوسط. وتسير وتيرة الانكماش الاقتصادي في السودان إلى أكثر من ضعف هذا الانخفاض”. بينما يقول جبريل وزير مالية بورتسودان وفقا لـ وكالة سونا للانباء: “إن انكماش الاقتصاد السوداني خلال ٢٠٢٠ إلى ٢٠٢٣و٢٠٢٤م بما يقارب ٤٠%”. وكما أشار إلى “انخفاض ايرادات الدولة بنسبة ٨٠%”. وقد أدت محاولات الحكومة الفاشلة لتغطية المطالب المالية للجيش وسط تقلص الإيرادات إلى تدافع يائس على البدائل المعدومة أو المحدود على أحسن تقدير، بما في ذلك ربما قد تتجه إلى بيع أصول الدولة وزيادة الضرائب والرسوم الجمركية. وربما قد تضطر حكومة الامر الواقع الى بيع الأصول، كما حصل إبان عهد الانقاذ الاول، حيث عملت على خصخصة المشروعات المملوكة للدولة وبيعها ل سدنة النظام، وإني لأخشى بيع بعض المشروعات الزراعية القومية. في الوقت الذي تقوم فيه حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بالتصرف بلا هدى وتعلن عن عبر جبريل عن عجزها توفير المرتبات، ينشط على الجانب الآخر سدنة النظام في تجارة السلاح وبيعه بأسعار خرافية بمباركة حكومتهم في بورتسودان. إن استراتيجية بيع الأصول الوطنية أو الاعتماد على مدخرات من المغتربين الذين يكابدون لمساعدة أسرهم الممتدة التي أصبحت مشردة، انها بالتأكيد ستكون استراتيجية للحصول على الدعم المالي إلا أنها محور فاشل في ظل الأوضاع الاقتصادية الحرجة للمغتربين أنفسهم. ومع ذلك، فليس أمامهم سوى هذه هذه التدابير، إلى جانب زيادة الضرائب، ستؤدي إلى إجهاد صبر المواطن وتقويض ما تبقى من الثقة المعدومة في في إدارة الامر الواقع.